لماذا لا تشوّش روسيا بقوة على أنظمة «جي بي إس» في أوكرانيا؟

آية سيد
جي بي إس

التشويش الروسي على أنظمة "جي بي إس" في أوكرانيا لم يكن قويًا مثلما توقع الكثير من المراقبين.


في نوفمبر الماضي، شدد إعلام الكرملين على أهمية نظام “جي بي إس” كأداة عسكرية عندما كان يحشد جنوده على الحدود مع أوكرانيا.

وبعد استعراض روسيا قدرتها على تدمير قمر صناعي في الفضاء، ذكر معلق تليفزيوني موالي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن روسيا يمكنها “إعماء الناتو” عبر إسقاط كل أقمار “الجي بي إس” الصناعية، إلا أن التشويش الروسي على هذه الأنظمة في أوكرانيا لم يكن قويًا مثلما توقع كثير المراقبين.

التشويش على نظام «جي بي إس»

موقع C4ISRNET، نشر في 22 يوليو 2022، مقالًا لرئيس مؤسسة الملاحة والتوقيت المرنين وعضو المجلس الاستشاري الأمريكي لتحديد المواقع والملاحة والتوقيت في الفضاء، دانا جوارد، موضحًا أن القوات الروسية كانت تشوّش بانتظام على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي “جي بي إس”، كجزء من حربها على أوكرانيا.

وأضاف: “هذا التشويش لم يكن بالقوة التي توقعها الكثيرون، ولهذا اقترح الخبراء داخل المجتمعات المعنية بأنظمة تحديد المواقع والملاحة عددًا من الأسباب المحتملة لذلك، وجميعها مبنية على المعلومات المتاحة للجمهور”.

قدرات الحرب الإلكترونية

السبب الأول الذي يطرحه جوارد هو أن قدرات الحرب الإلكترونية لروسيا ليست جيدة كما يُعتقد، مبينًا أن القوات الروسية تمتلك سمعة مخيفة عندما يتعلق الأمر بالحرب الإلكترونية، وأنهم يبذلون جهدًا لتأكيد هذه الفكرة، ففي مرحلة ما، أعلنت وكالة الأنباء الروسية المملوكة للدولة “سبوتنيك” أن قدرات الحرب الإلكترونية الروسية “تجعل حاملات الطائرات عديمة الفائدة”.

وهكذا، أصبحت الحكمة التقليدية هي أن الروس طوروا هذه القدرة كرد على التكنولوجيا الفائقة التي تستخدمها القوات الغربية،  لكن بما أن القوات الروسية كانت أقل قدرة من المتوقع في الجوانب الأخرى من الصراع في أوكرانيا، يظن البعض أن هذا ربما يكون صحيحًا بالنسبة لقدرتها على التشويش على إشارات “جي بي إس”.

احتمال مستبعد

يقول جوارد إن معظم المراقبين يستبعدون هذا الاحتمال، ويشيرون إلى أن القوات الروسية تشوش بانتظام على إشارات “جي بي إس” في شمال النرويج من مواقع بعيدة عبر الحدود، وأن هذا التشويش، في بعض الحالات، كان غاية في الدقة لدرجة أن الإشارات في نطاق تردد قريب من نظام “جلوناس” الروسي للملاحة لم تتأثر.

وأشار المراقبون أيضًا إلى أن روسيا تستعرض قدرات هائلة على انتحال إشارات “جي بي إس” في مناطق واسعة، فالمستخدمون في وسط موسكو كثيرًا ما يجدون أجهزتهم تشير إلى وجودهم في المطار، والشيء نفسه صحيح في الكثير من المناطق الساحلية، والبحر الأسود، والمواقع الأخرى التي يتواجد بها كبار المسؤولين الحكوميين.

نقص في أجهزة «جي بي إس»

بحسب الكاتب، يشير مؤيدو الفكرة إلى أن الطائرات المقاتلة الروسية التي سقطت في أوكرانيا كانت تحمل أجهزة استقبال “جي بي إس” بدائية مثبتة على لوحة القيادة، ورغم أن إشارات نظامي الملاحة الروسيين “جلوناس” و”تشايكا” متاحة للاستخدام في أوكرانيا، يبدو أنه لا يوجد ما يكفي من أجهزة الاستقبال المتوافقة مع هذه الأنظمة لتجهيز كل القوات الروسية.

من ناحية أخرى، يذكر الكاتب أن إشارات “جي بي إس” تدعم مجموعة واسعة من البنية التحتية. فالاتصالات، والإنترنت، وشبكات الكهرباء، وأنظمة التحكم في الآلات، جميعها تعتمد على نظام “جي بي إس” للتوقيت، وبالتالي، ربما ترغب القوات الروسية في حماية البنية التحتية الأوكرانية من أجل مصلحتها الخاصة.

سهولة استهداف أجهزة التشويش

يذكر جوارد أن السبب الثالث هو سهولة استهداف أجهزة التشويش عالية القدرات، منوهًا بأنه يمكن تحديد موقع ترددات الراديو القوية والمستمرة بسهولة ومهاجمتها، بالإضافة إلى هذا، تمتلك الكثير من الجيوش صواريخ مصممة خصيصًا لاستهداف أجهزة التشويش وتدميرها، ولهذا السبب، ربما يحد القادة الروس من قوة الإرسال في الهواء لتجنب جذب النيران المعادية.

السبب الرابع، بحسب جوارد، هو أن أوكرانيا لديها مخزون ضخم من الأسلحة السوفيتية التي لا تعتمد على أجهزة “جي بي إس” ولا تتأثر بمعظم أشكال الحرب الإلكترونية، وهكذا، فإن التشويش على إشارات “جي بي إس” لديه تأثير أقل في أوكرانيا.

إخفاء التكنولوجيات الحديثة عن الأعداء

يقول جوارد إن أوكرانيا ليست العدو الذي يقلق فلاديمير بوتين بشأنه، فتركز مخاوفه على الولايات المتحدة والناتو، ولذلك، فنشر الأسلحة الإلكترونية الأكثر تطورًا وقوة في أوكرانيا سيمكّن الخصوم من دراسة التكنولوجيات والتكتيكات الروسية.

ووفق الكاتب، سيؤدي هذا إلى تطوير إجراءات مضادة ويجعل الأسلحة أقل فاعلية في الصراعات المستقبلية، وعليه، فمن الأفضل لروسيا أن تدخر أفضل أدواتها وحيلها للتشويش على “جي بي إس” من أجل الاستخدام لاحقًا ضد القوات الأكبر والأهداف الأهم.

ربما يعجبك أيضا