زيارة ماكرون لـ”لبنان”.. لجوء إلى المستعمر القديم في لحظة ضعف!

كتب – حسام عيد

“أتفهم آلامكم ومعاناتكم.. لست هنا لدعم أي طرف سياسي.. أنا هنا لمساعدتكم كشعب للوقف بجانبكم.. أتعهد بعدم ذهاب الدعم الفرنسي للأيادي الفاسدة.. سأتحدث إلى جميع القوى السياسية.. أنا هنا اليوم لأقترح عليهم اتفاقًا سياسيًا جديدًا.. سأعود في الأول من سبتمبر وإذا لم يتمكنوا من الحفاظ عليه سأتحمل مسؤولياتي معكم”.. بهذه الكلمات استهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته لـ”لبنان” فور وصوله إليها، بعد يومين من المصاب الجلل الذي ألم بها، جراء انفجار مرفأ بيروت وما نجم عنه من تداعيات وأضرار أشبه بالكارثية.

ليقابله كثير من اللبنانيين بهتافات “ثورة.. ثورة.. ساعدونا”، فما كان من الرئيس الفرنسي إلا وأن سار بشوارع بيروت واحتضن اللبنانيين، مؤكدًا لهم أن لبنان ليس وحيدًا، وقد جاء لمد يد العون والمساعدة.. وإن لم تحدث انفراجة في المشهد المتأزم فسيعود بنفسه ربما لإدارة القضية الشائكة والأكثر خطورة في لبنان، وهي كيفية إخراجه من أزماته التي تتفاقم يوما تلو الآخر!.

آمال لبنانية أحياها ماكرون وسط رماد “فاجعة” لا تزال تقطر دمًا تحت أنقاض مرفأ بيروت، لكنها تبدو حذرة، فعلى ما يبدو أن الأوجاع والمصاعب المعيشية، دفعت بعض اللبنانيين إلى إطلاق دعوات لعودة الانتداب الفرنسي، لتتباين بعدها ردود أفعال اللبنانيين.

فهل تتحول المساعدة إلى وصاية؟!.. أمر له تداعياته ومخاطره، ويدركها المواطنون اللبنانيون جيدًا، ولهم في صفحات التاريخ عبرة.

لكن المؤكد، اليوم، أن هيمنة ميليشيا إرهابية، ونخب سياسية يحتدم الخلاف بينها على المصالح، جعلت من لبنان “جريحًا” ينشد البقاء.

لبنان ليس وحيدًا

ووصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الخميس الموافق 6 أغسطس 2020، إلى بيروت، معلنًا على حسابه على “تويتر” فور هبوط طائرته “لبنان ليس وحيدا”، مستهلاً زيارة لدعم البلد المنكوب جراء الانفجار الضخم في مرفأ العاصمة “بيروت”.

وأظهرت الصور، عناق ماكرون لبعض المتظاهرين أثناء تفقده حي الجميزة ببيروت.

وتحدث ماكرون مع امرأة أمسكت يديه شاكية الوضع، وتوقف أثناء جولته مرات عدة ليتحدث مع العشرات ممن تجمعوا حوله.

تحقيق “دولي” واسع

وقال ماكرون، في تصريح له من مقر الرئاسة اللبنانية، إن “التحقيقات بشأن انفجار مرفأ بيروت لا بد أن تُجرى بكل شفافية لمعرفة حقيقة ما حدث”.

وأضاف: “شعرنا بغضب الناس في الشارع، وتكلمت مع الرؤساء الثلاثة بكل صراحة وشفافية”. ويقصد هنا، رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس الحكومة، حسان دياب، ورئيس مجلس النواب، نبيه بري.

وكانت النيابة العامة قالت النيابة العامة في فرنسا، أعلنت فتحها تحقيقًا بعد الانفجارين الذين هزّا العاصمة اللبنانية، ليشمل جريمة القتل غير العمد بعد وفاة أحد مواطنيها.

تنظيم مساعدة دولية

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تقديم دعم عاجل للبنان الذي وصل إليه، بعد يومين من انفجار مدمر هز العاصمة بيروت وسقط فيه 145 قتيلا وأحدث هزة أرضية ترددت أصداؤها في أنحاء المنطقة.

وقال “أتيت إلى هنا بداية لأقول إنها مساعدة من دون شروط للشعب برعاية الأمم المتحدة لتصل مباشرة إلى الشعب وإلى المنظمات غير الحكومية”.

ووعد ماكرون في أول زيارة من نوعها يقوم بها زعيم دولة أجنبية منذ الانفجار، بالمساعدة في تنظيم الدعم الدولي للبنان، وحسبما ورد في بيان لقصر الرئاسة الفرنسية الإليزيه، أكد ماكرون أن المساعدات الإنسانية الفرنسية التي سيتم تقديمها إلى لبنان، “لن تذهب إلى أيدي الفاسدين”. لكنه قال إن على الحكومة اللبنانية أن تنفذ إصلاحات اقتصادية.

وكان فشل الحكومة في معالجة اختلالات الميزانية والدين المتصاعد والفساد المستشري قد دفع المانحين الغربيين إلى المطالبة بالإصلاح.

وقال ماكرون عقب اجتماعه مع الرئيس اللبناني ميشال عون في مطار بيروت “إذا لم تُنفذ إصلاحات فسيظل لبنان يعاني”.

وكانت وزيرة الإعلام اللبنانية، حذرت من أن بلادها ستواجه أزمة كبيرة في المواد الغذائية، على خلفية تدمير صوامع القمح التي كانت في مرفأ بيروت، مشيرة إلى أن مخزون البلاد من الحبوب لا يكفي سوى لمدة شهر واحد.

ولا يزال العشرات مفقودين بعد التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت وأصيب فيه 5000 شخص بجروح وأصبح بسببه ما يصل إلى ربع مليون شخص بلا مأوى يصلح للإقامة في بلد لا يزال يترنح تحت وطأة انهيار اقتصادي وانتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا.

ميثاق سياسي جديد

وأعلن الرئيس الفرنسي ماكرون خلال زيارته أنه سيقترح على القادة اللبنانيين “ميثاقاً جديداً”، وقال “أنا هنا لإطلاق مبادرة سياسية جديدة، هذا ما سأعبّر عنه بعد الظهر للمسؤولين والقوى السياسية اللبنانية”، مشيراً إلى ضرورة بدء “الإصلاحات.. وتغيير النظام ووقف الانقسام ومحاربة الفساد”.

وأكد ماكرون، قائلا: “المطلوب هنا أيضا هو تغيير سياسي. ينبغي أن يكون هذا الانفجار بداية لعهد جديد”.

وفي الوقت نفسه، أضاف “إذا كانت القوى السياسية غير قادرة على الحفاظ على هذا الاتفاق، سوف أتحمل مسؤولياتي تجاه اللبنانيين”.

عريضة عودة الانتداب الفرنسي!

وأشار ماكرون إلى أن العديد من اللبنانيين طلبوا منه العودة للانتداب، لكنه قال: “أحترم سيادة لبنان .. الشعب هو الذي يقرر مصيره .. الحل يجب أن ينبثق من اللبنانيين. سنقوم بكل ما نستطيع لمساعدتكم”.

وكانت أنباء عن وجود عريضة وقع عليها 36 ألف لبناني، للمطالبة بعودة الانتداب الفرنسي إلى البلاد، معظمهم من الطائفة المارونية الموالية تاريخيًا لفرنسا، أثارت حالة من الانقسام والجدل بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي.

وكشفت عن الأمر الباحثة اللبنانية والإعلامية لإيمان الحمود، عبر حسابها على موقع التدوينات القصيرة تويتر، قائلة: “بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم إلى لبنان.. أكثر من 30 ألف لبناني يوقعون على بيان يطالبون فيه بعودة الانتداب الفرنسي للبنان خلال السنوات العشر المقبلة”.

وقالت مغردة تدعى مارينا مخاطبة ماكرون، بالرد على تغريدة لماكرون، باللغة العربية تضامن فيها مع بيروت قال فيها “لبنان ليس وحيدا”، بقولها: “تعا وجيب معك الانتداب الفرنسي، ما بدنا استقلال بقا”.

واستنكر عدد من النشطاء فكرة عودة الاحتلال الفرنسي؛ على اعتبار أنها خيانة للوطن، في حين رأى البعض الآخر أن لبنان “لم يكن بلدًا مستقلًا في أي وقت من الأوقات”، معللين طرحهم بأن ذلك قد يكون حلًا للمشهد المعقد الذي تعيشه البلاد؛ في ظل حالة انعدام الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة.

بينما قالت الإعلامية اللبنانية رانيا أبي نادر: “وصاية فرنسية مثل أيام الانتداب الفرنسي أفضل من حكام لم يعرفوا إدارة بلد من أيام الاستقلال”.

تهافت الللبنانيين على الحديث مع ماكرون وهو يجول في الشوارع المنكوبة بمنطقة الجميزه وبعضهم يعانقه يوضح ذروة مشهد محزن، متوقعين أن يكون طوق نجاة وسط حزام القتل الذى يحكم لبنان.

مشاعر لن يحظى بها ميشال عون أو حسن نصرالله ولا غيرهم.. لكن الشعور بالخذلان والتخلى من قبل السلطة، دفع اللبنانيين إلى اللجوء للمستعمر القديم في لحظة الضعف.

ربما يعجبك أيضا