سؤال تركيا الكبير .. مَن يحمل خطايا “الانقلاب” المزعوم بعد “برنسون”؟!

يوسف بنده

رؤية

يمكن ملاحظة تباشير دفء العلاقات الأمريكية التركية في إعلان السلطات التركية إخلاء سبيل القس الأمريكي أندرو برانسون الذي قضى في الحجز أكثر من 3 سنوات.

وتبعًا لهذه التطورات تحسّنت حالة الليرة التركية، واستردت بعض أنفاسها، بعد سلسلة من الانهيارات ناجمة عن توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

فقد أفرجت عن القس الأمريكي “برنوسون” لتظهر بأنها دولة القانون، وتقتح قنوات اتصال مع واشنطن، وأيضًا كان الإفراج متعلق بمكاسب حرية تدخل لتركيا في منطقة شرق الفرات في سوريا.

ويبدو أن قضية الإفراج عن “برونسون” ارتبطت بمساومات إقليمية أيضًا، فقد لمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن جيش بلاده قد يقوم قريبا بعملية جديدة عابرة للحدود شمالي سوريا، في مناطق يسيطر عليها مقاتلون أكراد.

العقل المدبر

على الرغم من التحديات الكبيرة التي أبدتها تركيا تجاه الولايات المتحدة، أقدمت أنقرة، أمس الجمعة، على خطوة متوقعة وأفرجت عن برونسون المحتجز منذ سنتين بتهم تصنفه “العقل المدبر للانقلاب الفاشل” في عام 2016.

لقد قضت محكمة تركية في أزمير، أمس الجمعة، بإطلاق سراح القس الأمريكي آندرو برونسون وإلغاء منعه من السفر، بعد الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وشهرا واحدا مع إيقاف التنفيذ، مع الأخذ في الاعتبار المدة التي قضاها بالسجن والإقامة الجبرية خلال محاكمته.

ونقلت تقارير تركية عن القس برونسون قوله في جلسة المحكمة: “أنا رجل بريء، وأحب كثيراً كلاً من المسيح وتركيا، وأريد أن تظهر العدالة في هذه القضية”.

بعد الإفراج عن القس الأمريكي برونسون، طالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أنقرة بـ”الإفراج سريعاً” عن بقية الأمريكيين المحتجزين لديها أيضًا، وكذلك عن أتراك يعملون في بعثات دبلوماسية أمريكية في تركيا.

تبخر الاتهامات

وكان المسؤولون الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان، يوجهون للقس الأمركي تهمة الصلة بحركة الخدمة التي تستلهم من فكر المفكر الإسلامي فتح الله كولن المقيم في مدينة بنسلفانيا الأمريكية والذي يتهمونه بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل في عام 2016، بالإضافة إلى تهمة الصلة بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا من قبل تركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي.

وجاءت خطوة الإفراج عن القس بعد أن غير أربعة شهود إثبات إفاداتهم السابقة بحقه، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ما إذا كانت السلطات القضائية ستفتح تحقيقا مع هؤلاء الشهود أيضًا بتهمة “الخيانة الوطنية”؛ وذلك لأنهم تسببوا بشهادتهم الزور في اعتقال بريء 3 أعوام، وانهيار العلاقات بين تركيا وأمريكا، وتراجع الليرة وحدوث أزمة اقتصادية في البلاد، فضلاً عن تشويه صورة تركيا والرئيس أردوغان.

زعم فخر الدين آلتون، مستشار الرئاسة التركية، أن قرار الإفراج عن القس أثبت مرة أخرى أن جهاز القضاء في تركيا مستقل ومحايد، غير أن الرئيس أردوغان كان تحدى الإدارة الأمريكية أمام عدسات الكاميرات قائلاً: “لن يتم الإفراج عن هذا القس الإرهابي ما دمت على رأس السلطة في تركيا!”.

لا مبرر

حسب صحيفة زمان التركية المعارضة، فقد ضعت حادثة إطلاق سراح القس الإعلام الرسمي التركي في موقف حرج للغاية، وواجه صعوبات في تفسير وتبرير هذه الخطوة بعد التصريحات النارية، إذ علقت صحيفة “يني عقد” بقولها: “يستعد القس الأمريكي للهروب من تركيا بأول طائرة بعد إطلاق سراحه بحجة مضحكة”، ثم وجهت سؤالا إلى القس: ” ألم تزعم أنك تحب تركيا كثيرا؟! فإلى أين تهرب؟!”.

وقد انتقد رئيس حزب السعادة الإسلامي في تركيا، تمل قره مولا أغلو إطلاق سراح القس الأمريكي، رغم زعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن له علاقة بانقلاب 2016 الفاشل.

وقال رئيس حزب السعادة -في تغريدة على تويتر- ”إذا كان هناك شهود يغيرون تصريحاتهم لأسباب واهية في حق قِس أمريكي ساوم أردوغان بشأنه قائلاً لأمريكا: (سلموا لنا القدس نعطكم القس)، ويتم إطلاق سراحه، فهذا يعني أن القضاء ليس مستقلاً” مضيفًا: ”رغم ذلك فإن أردوغان سوف يقدم ذلك على الرأي العام على أنه نجاح من نجاحاته بواسطة إعلامه”.

وأضاف قره مولا أوغلو قائلاً: ”كان أردوغان يذكر الرأي العام بين الفينة والأخرى على مدار شهور بواسطة إعلامه أن القس الأمريكي -أندرو برونسون- هو العقل المدبر للانقلاب، بالإضافة إلى تقديمه على أنه هو السبب في تقلب الأوضاع الاقتصادية للبلاد، أما في نهاية المطاف لقد أركبتم القس طائرته وشيعتموه إلى بلده”.

خيبة أمل

من جانبه، عبر حليف أردوغان، زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشالي عن خيبة أمله قائلاً: “لا بد أن يعود هاكان آتيلا إلى العاصمة أنقرة بمجرد وصول القس إلى الولايات المتحدة”، في إشارة منه إلى نائب رئيس بنك “خلق” الرسمي التركي المعتقل في أمريكا بتهمة خرق العقوبات على إيران بالتعاون مع رجل الأعمال التركي إيراني الأصل رضا ضراب.

تراجع الدولار

وقد تراجع سعر صرف الدولار الأمريكي في تركيا، اليوم السبت، عقب إطلاق سراح القس الأمريكي أندرو برونسون إلى حدود 5.90 ليرة تركية.

وكان سعر صرف الدولار الأمريكي في تركيا بحدود 6.20 مطلع الأسبوع الجاري، وتراجع إلى 5.84 عقب الجلسة الأخيرة من محاكمة القس الأمريكي أندرو برونسون والتي شهدت الإفراج عنه ورفع حظر السفر المفروض عليه.

وجرى تداول الدولار بسعر صرف تراوح بين 5.93 و 5.95 ليرة عقب انتشار أخبار إطلاق سراح برانسون.

وحسب المتابعين فإن إطلاق سراح برونسون ساهم في تراجع الدولار بقيمة 25 قرشا. وجرى تداول الدولار في الأسواق العالمية بسعر صرف دون 5.90 ليرة عقب إغلاق الأسواق التركية.

قضية سياسية

وكتب محمد الطاهر -في شبكة روسيا اليوم- يقول: يبدو أن قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي على الأراضي التركية قد أسهم بشكل أو بآخر في جسر الهوة بين أنقرة وواشنطن.

وعلى الرغم من أن قضية اختفاء خاشقجي طارئة، ولا علاقة مباشرة لها بعلاقات البلدين، إلا أنها على ما يبدو سرّعت في عودة الدفء إلى علاقات البلدين، بفضل الاتصالات الأمنية على خلفية اختفاء خاشقجي بعد دخوله لسفارة بلاده في اسطنبول، كما ظهر في أنباء تداولتها وسائل الإعلام في أكثر من مناسبة.

ويرى كثيرون أن برانسون خرج بموجب مفاوضات سياسية، لا استنادا إلى أدلة قضائية قاطعة ببراءته، خاصة وأن الحكم حفظ ماء وجه الجانب التركي الذي لطالما أصر على “تطبيق القانون” في وجه الضغط الأمريكي.

قد تكون بوادر الانفراج في العلاقات التركية الأمريكية، بمثابة “تنفيس” للاحتقان الجديد في علاقات أنقرة والرياض، وتحسبا لمزيد من التصعيد تترتب عليه مصاعب إضافية للاقتصاد التركي، وخاصة إذا وصلت الأزمة إلى درجة الصدام وسحبت السعودية استثماراتها من تركيا وقاطعتها اقتصاديا.

على كل حال، لا يمكن النظر إلى اختفاء خاشقجي على أنه قضية جنائية صرفة، إذ إن ملابساتها قد دقت إسفينا بين السعودية وتركيا، وسعّرت من العداء القائم بين الرياض والدوحة، في حين أنها أعطت بشكل أو بآخر إيران قسطا من الراحة، وكانت بمثابة هدية ثمينة للغاية لقطر.

وتركيا أيضا ربما تحاول أن تكسب مما حصل على أراضيها، أو على الأقل أن تقلل من خسائرها، وأن تستغل المناسبة لترتيب علاقاتها مع الولايات المتحدة بطريقة هادئة وبعيدا عن الأنظار المركّزة حاليا على اختفاء خاشقجي الغامض، وعلى ما سيحدث من تبعات إذا تأكدت رواية مقتله البشعة.

ربما يعجبك أيضا