عبر ألة الإعلام .. “أردوغان” يستثمر الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية

يوسف بنده

رؤية

تقول الكاتبة التركية، سوها غيراي، من يملك الإعلام فقد حاز قوة كبيرة. هذه هي حقيقة الوضع في تركيا على امتداد فترات طويلة؛ ولذلك الحكومة التركية بقيادة أردوغان إلى الهيمنة على مؤسسات الإعلام في تركيا، وإلا تتعرض للتضييق أو الاتهام بالخيانة.

وعبر الإعلام، حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استغلال خلافه المتصاعد مع واشنطن ليتملّص من مسؤوليته في الأزمة الاقتصادية التي تشهدها بلاده، والتي هي أبعد وأعمق مما يحاول أردوغان تصديره والتخفي خلفه، بحسب محللين.

ويستغل أردوغان الخلاف المرير بين بلاده والولايات المتحدة لإلقاء اللوم في المشاكل الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التركي على عدو خارجي، وليس على المشاكل داخل بلاده، كما يشير مراقبون.

وقد أكثر أردوغان من الحديث عن التآمر الخارجي، وأن “أعداء بلاده” يستهدفون إرهابهم من خلال الاقتصاد والتواطؤ على العملة، وشن حرب اقتصادية عليهم، كما أنّه يتشبّث بآرائه البعيدة عن الموضوعية والعلمية والنظريات الاقتصادية، ويحاول تقديم نظريته الاقتصادية المتناقضة مع قوانين الأسواق العالمية. 

وخلال الأشهر الأخيرة حذر محللون بأن الاختلالات الاقتصادية تعني أن اقتصاد تركيا سيواجه مشاكل كبيرة، حتى قبل العقوبات التي أعلنها الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وأدت إلى انخفاض حاد في سعر الليرة التركية.

إلا أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب سمحت لأردوغان بإلقاء اللوم في المشاكل الاقتصادية وانهيار الليرة على البيت الأبيض واللعب على المشاعر المناهضة للولايات المتحدة المنتشرة في مختلف فئات المجتمع التركي.

لا يوجد من يخرج عن خط الحكومة على شاشات التلفزيون وفي الصحف، ويلجأ خبراء الاقتصاد الذين لهم رأي مختلف إلى بث آرائهم عبر تويتر.

المسئولية على عاتق الشيطان

قال سونر كاغابتاي -مدير “برنامج الأبحاث التركي” في معهد واشنطن- إن سيطرة أردوغان على الإعلام التركي والتي عززها بعد التغييرات الأخيرة في ملكيتها، سمحت للسلطات وبسهولة برسم الولايات المتحدة في صورة الشرير.

وصرح -لوكالة فرانس برس- “أعتقد أن أردوغان وعلى الرغم من أنه لم يكن يريد للأزمة مع الولايات المتحدة أن تصل إلى ما وصلت إليه، إلا أنه قرر كذلك استغلالها”.

وأضاف، إن “أردوغان يستطيع أن يحدد شكل روايته للأزمة لأنه يسيطر على 90% من الإعلام. ويستطيع الآن أن يربط الأزمة الاقتصادية في تركيا والناجمة عن سياساته، بالعقوبات الأمريكية فقط”.

قبل أن يتسبب ترامب في انهيار الليرة من خلال تغريدة في العاشر من أغسطس، أعلن فيها عن مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم التركي، كانت السحب تتجمع فوق الاقتصاد التركي بعد ارتفاع التضخم ليبلغ 16% وتوسع العجز في الحساب الجاري.

كما تسبب أردوغان في تقويض الثقة في العملة من خلال تصريحاته المتكررة التي اعتبرها بعض اللاعبين في السوق بأنها مربكة.

فقد وصف معدلات الفائدة، بأنها “أب وأم كل الشرور” وقال: إن البلاد بحاجة الى معدلات الفائدة المنخفضة لخفض التضخم.

وبعد شهر من الفوز بصلاحيات جديدة في الانتخابات، أدهش أردوغان المراقبين بتعيين صهره بيرات البيرق، وزير الطاقة السابق، على رأس وزارة المالية الجديدة الموسعة، رغم أنه يفتقر إلى الخبرة في الأسواق المالية.

وفور أن أطلق ترامب الأزمة بشأن احتجاز السلطات التركية للقس الأمريكي أندرو برانسون، سارع أردوغان إلى التنديد بـ”مؤامرة” تهدف إلى “تركيع” تركيا.

واصطف الإعلام الرسمي وراء أردوغان في التنديد بما وصفه بأنه “انقلاب اقتصادي”، وقارن بينه وبين المحاولة الانقلابية للإطاحة بأردوغان في 2016.

قال سنان أولغين -رئيس مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية- إن استراتيجية أردوغان “تهدف في الأساس إلى حشد الدعم الشعبي في وقت الأزمة الاقتصادية”.

دغدغة المشاعر

ويجد خطاب أردوغان صدى واسعاً في المجتمع التركي الذي تنتشر فيه مشاعر قوية مناهضة للولايات المتحدة تفاقمت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.

يعيش فتح الله كولن -الداعية الإسلامي الذي تتهمه أنقرة بأنه وراء المحاولة الانقلابية- في منفاه الاختياري في بنسلفانيا منذ 1999، وقد قاد ذلك الكثيرين -ومن بينهم مسؤولون أتراك كبار- إلى الاعتقاد بأن للولايات المتحدة يداً في المحاولة الانقلابية.

ورفضت الولايات المتحدة تلك المزاعم فيما أكد كولن أنه ليس له أي يد في المحاولة الانقلابية.

ولكن الخطاب المناهض للولايات المتحدة يلقى صدى قوياً في تركيا رغم أن أنقرة وواشنطن عضوان في حلف شمال الأطلسي منذ 1952.

وبحسب استطلاع أجراه مركز “سنتر فور أمريكان بروغريس” في وقت سابق من العام فإن 10% فقط من الأتراك ينظرون إلى واشنطن بعين الرضا، بينما عبر 83% منهم عن آراء غير جيدة تجاهها.

أردوغان الذي يستخدم أجهزة شركة أبل الأمريكية، أعلن أن تركيا ستقاطع هواتف آيفون وأجهزة الشركة العملاقة. وسرعان ما ظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي لأنصار أردوغان وهم يحطمون هواتفهم الآيفون.

كما تعرضت السفارة الأميركية في أنقرة الإثنين إلى إطلاق نار، وسارعت الحكومة إلى إدانة الحادث ووصفته بأنه “استفزاز” وتعهدت بمحاسبة مرتكبيه.

وقال دبلوماسي أوروبي -طلب عدم الكشف عن هويته- إنه “من خلال تصرفاته فإن دونالد ترامب يخفي الأشخاص المسؤولين حقاً عن الوضع الاقتصادي” في تركيا.

وأضاف، “هناك شخص واحد فقط هو من يمنع البنك المركزي من التصرف ويمنع وزير المالية” من اتخاذ الاجراءات الضرورية، محذرا من أن تركيا مخطئة إذا كانت تعتقد أنها “يمكن أن تحمّل الولايات المتحدة.. وبخاصة الرئيس دونالد ترامب” المسؤولية.

قال سنان أولغين، إنه إذا لم يتم رفع أسعار الفائدة فإن “قدرة البنك المركزي ووزارة المالية على طمأنة الأسواق ستضعف بشكل كبير”.

ربما يعجبك أيضا