عقوبات أمريكا والغرب على روسيا.. هل انقلب السحر على الساحر؟

روسيا صامدة.. لماذا فشلت العقوبات الأمريكية والغربية على موسكو؟

محمد النحاس

جملة من العوامل قادت إلى فشل سلاح العقوبات الغربية ضد روسيا، كان من نجاعة وفعالية التخطيط الاقتصادي في أروقة موسكو، فضلاً عن عوامل أخرى دولية وإقليمية


منذ نهاية الحرب الباردة، وتربع الولايات المتحدة على عرش النظام الدولي، استخدمت واشنطن العقوبات الاقتصادية كوسيلة للإكراه وكآلية تُفرض على “الأعداء” بهدف تحقيق مكاسب محددة. 

وبسبب حربها في أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات غير مسبوقة ضد روسيا في محاولة لردعها وتقويض قدرتها على مواصلة “عملياتها العسكرية”، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة، ما يعني فشل العقوبات الأمريكية والغربية في تحقيق مآربها، فيما أخفق كذلك الهجوم الأوكراني المضاد، ما يعني أننا قد نكون أمام طريق مسدود أو حتى نصر روسي. 

سلاح العقوبات 

قالت صوفيا امبجكاريان، في مقال بمجلة “ريسبنسبول ستيت” كرافت الأمريكية التابعة لمعهد كوينسي، إن فشل العقوبات المفروضة على روسيا يعكس تاريخًا طويلاً وسلسلة ممتدة من مثل هذه الإخفاقات، في أماكن أخرى من العالم مثل، كوبا وإيران، والعراق، وكوريا الشمالية.

ذكر المقال أنه بحلول عام 2021، كانت الولايات المتحدة فرضت بالفعل أكثر من 8000 عقوبة على الأفراد والشركات مستهدفة قطاعات إقليمية في مجموعة من البلدان في جميع أنحاء العالم، وفي العامين الماضيين، شهد هذا العدد زيادة هائلة.

وبحسب قاعدة بيانات جامعة كولومبيا، يفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) في الولايات المتحدة عقوبات شاملة على 6 دول و3 مناطق، تمتد عقوبات التصدير المستهدفة إلى 19 دولة، بما في ذلك بيلاروسيا وأفغانستان وليبيا والسودان وزيمبابوي، وتحظر بموجب القانون الفيدرالي الأمريكي أي علاقات مالية وتجارية مع الشركات أو الأفراد المعينين، حسب ما نقلت صوفيا.

عقوبات تاريخية

أما عن مردود تلك العقوبات، فقد تبين أنها تفرض أعباءً كبيرة على الفقراء (في الدول المستهدفة)، وتعرقل التحول الديمقراطي، وفي أسوأ الحالات وأكثرها خطورة تقود إلى تفاقم الأزمات الإنسانية “في انتهاك للقانون الدولي، بحسب لمقال. 

وفي الأيام التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية أواخر فبراير 2022، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن سلسلة من حزم العقوبات المنسقة مع الحلفاء والتي تستهدف صناعة الأسلحة الروسية وصادرات التكنولوجيا والأصول الأجنبية والبنوك وشركات الطاقة ورجال الأعمال الأثرياء. 

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد قامت الدول الغربية بعد ذلك بعزل روسيا تماما عن الأسواق المالية العالمية (نظام سويفت)، لم يكن الهدف إفشال القدرات العسكرية والحربية لروسيا فحسب، بل تقويض دعم بوتين داخل روسيا، ومن ثم انهيار نظامه، وهو هدف يرى خبير الشؤون الدولية، أحمد طارق، أنه بعيد المنال، بل ويمكن وصفه بأنه “حالم” على حد تعليقه في تصريحات أدلى بها لشبكة رؤية الإخبارية.

ماذا حققت العقوبات؟  

إلا أنه بعد مرور ما يقرب من عامين على الحرب، لم يؤد فرض بايدن حزم عقوبات جديدة كل شهرين منذ فبراير 2022 إلى إسقاط النظام الروسي أو دفعه إلى الموافقة على المطالب الغربية بالانسحاب من أوكرانيا، وفي تجلي لذلك، تخصص روسيا نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع، حيث بلغ أعلى مستوى له، ما يشدد على “هذه الحقيقة غير السارة (بالنسبة للأمريكيين)”، على حد وصف المقال.

ورغم أن الاقتصاد الروسي، ليس في أفضل أحواله، إلا أن هذا لا يقترب على الإطلاق من نقطة الانهيار، المزاعم التي تردد في هذا الصدد عادةً ما توجه للناخبين في الغرب الذين يعانون من الآثار الجانبية للعقوبات على روسيا في ظل ارتفاع أسعار الطاقة وتدهور مستويات المعيشة.

ما سبب فشل العقوبات؟

أما عن أسباب فشل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، فتتركز في عدم الالتزام بها من قبل دول الجنوب العالمي في ظل تعقيد سلاسل التوريد والثغرات الموجودة في صادرات السلع ذات الاستخدام المزدوج (عسكري ومدني على سبيل المثال)، وأيضًا إحجام الشركات عن وقف كامل أعمالها في السوق الروسي.

 ومن الواضح أيضاً أن المخططين في أروقة العواصم الغربية، قللوا إلى حد كبير من موقف باقي دول العالم (بما في ذلك الشركاء الغربيون مثل الهند) الرافض للعقوبات، حيث فتحت الكثير من الدول أبوابها أمام شحنات النفط الروسية.

دور صانع القرار الاقتصادي الروسي 

ليس هذا هو العامل الوحيد، يُنسب كثير من الفضل أيضًا إلى نجاعة التخطيط الاقتصادي الروسي في تخفيف وطأة العقوبات، ففي بداية الحرب، ردت الحكومة والبنك المركزي على الفور بفرض قيود على التدفق الحر لرأس المال وزيادة بنسبة 20٪ في أسعار الفائدة.

وفي غضون شهرين فقط بعد الحرب شهدت البنوك عودة 90% من الأموال المسحوبة إلى الحسابات الروسية.

ويُظهِر الناتج المحلي الإجمالي نموًا مرنًا بنسبة 2.2% هذا العام، مع قيام صندوق النقد الدولي مؤخرًا فقط بتغيير توقعاته للنمو لعام 2024 من 2.8% إلى 1.1%،  ورغم هروب قدر كبير من رؤوس الأموال فقد ارتفع فائض الحساب الجاري الروسي لـ 16.6 مليار دولار في الربع الثالث من هذا العام، وهو ما يعكس زيادة كبيرة في التجارة الخارجية رغم العقوبات.

ومؤخرًا، فرضت الحكومة تدابير جديدة تجبر المصدرين الروس في مجالات الطاقة والمعادن والقطاع الزراعي على تحويل عائداتهم من العملات الأجنبية إلى الروبل، كما أصدرت رسومًا جديدة على المصدرين غير النفطيين، وفق المقال. 

آثار سلبية

في العموم، كانت الخطط المناهضة لهيمنة الدولار ومقايضات العملات سببًا في دفع روسيا إلى الاقتراب من دول مثل الصين وإيران وتركيا، والتي يشترك بعضها في هدف الحد من النفوذ المالي للولايات المتحدة، ما يسلط الضوء حسب المقال على خطر آخر يكتنف آلية العقوبات فبدلاً من أن تردع الأعداء وتعزز قوة واشنطن عالميًا، فإنها في الواقع تحفز الدول الأخرى على تقليل اعتمادها الاقتصادي على الولايات المتحدة.

ولذلك يبدو أن الغرب قد يضطر إلى إعادة النظر في سياسة العقوبات التي يتبناها، ومع بدء كل طرف من طرفي الصراع في فهم إمكانية التوصل إلى حل غير عسكري، يتعين على الدول الغربية أن تواجه الحقيقة الصعبة المتمثلة في أن العقوبات (وديون روسيا السيادية المجمدة) قد تصبح “تضحية ضرورية” في المفاوضات المستقبلية (حال حدوثها).

ربما يعجبك أيضا