“فيزياء الكم”.. هل تسمح لـ”الصين” بالسيطرة على العالم؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

لم تعد القوة العسكرية وسيلة الهيبة والسيطرة على العالم في هذا العصر الذي تحتل فيه المعلومات العابرة للحدود مكانة غير مسبوقة، لذا ليس مستغربًا أن تنخرط دول عظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا في سباق تسلح ضخم لتطوير وامتلاك أسلحة الحرب الإلكترونية، من الفيروسات القادرة على اختراق الهواتف والحاسبات الشخصية أو الحكومية إلى تكنولوجيا جديدة تعتمد على فيزياء الكم لحماية المعلومات من أي اختراق محتمل، إذ لم تعد طرق التشفير التقليدية كافية لحماية المعلومات، فحتى اللجان الانتخابية في أمريكا كانت عرضة للقرصنة من المخابرات الروسية، في فضيحة كانت نتيجتها بحسب تقارير باتت شبه أكيدة وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 2016.

تقول “نيوزويك” في مقال نشرته أخيرا، خلال الحرب العالمية الثانية اعتبر النازيون أن تقنيات الاتصالات السرية هي مفتاح الهيمنة على العالم، فكان شعب الدبابات الإلمانية يعتمد في انتصاراته على الدعاية السوداء من جهة وآلة كهروميكانيكية من جهة أخرى، عرفت باسم “آلة إنجما” كانت تسمح لقادته بتبادل رسائل إذاعية بطريقة سرية، وبمرور الوقت تمكنت بريطانيا وتحديدا مؤسس علم الحاسوب آلان تورينج، من كسر سرية هذه الرسائل لتسطر الانتصار لصالح الحلفاء، ومن وقتها عكف علماء الرياضيات والحاسبات على تطوير آليات التشفير الرقمي التي تعتمد بشكل أساسي على خلق الألغاز الرياضية، لكن هذه الآليات لا تبدو كافية الآن في عصر الانترنت الذي يُمكن حتى الهواة من القراصنة من اختراق أي جهاز في العالم عن بعد وبدون عناء يذكر.

الآن بفضل تقنية “التشفير الكمي”، حلم الاتصالات الآمنة تماما تحول إلى واقع، ففي 29 سبتمبر الماضي تمكن فريق من الباحثين في الأكاديمية الصينية للعلوم من إجراء مكالمة فيديو لمدة نصف ساعة مع نظرائهم في فيينا باستخدام هذه  التقنية التي تجعل من المستحيل اختراق الاتصال، الجديد في هذه المكالمة بحسب “نيوزويك” هو مفتاح تشفير آمن تم إنشاؤه في جهاز تم تركيبه في قمر صناعي صيني، يجعل من السهل الكشف عن أي محاولة لكسر التشفير.

يقول أرتور إكيرت، الاستاذ بجامعة أكسفورد، ومخترع النموذج الذي استند إليه الصينيون في نظامهم، التشفير المعتمد على فيزياء الكم هو أقرب إلى الأصفار غير القابلة للكسر، ويحمي الرسائل بالفوتونات المتشابكة وهي عبارة عن جزئيات أصغر من حجم الذرة جرى تعديلها بحيث تعتمد بعض خصائصها الرئيسية على بعضها البعض، مضيفا على العكس من الأنظمة الرياضية، يعتمد التشفير الكم على قوانين الفيزياء التي لا يمكن كسرها.

علاوة على ذلك يعكف فريق من العلماء الصينيين في الوقت الراهن على إنشاء شبكة أرضية تستخدم الاتصالات الكمية لحماية الرسائل والاتصالات من الاختراق بالاعتماد على الأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات القائمة على الليزر، ويقول جيانوي بان، كبير الباحثين في المشروع الصيني، إن معدلات نقل البيانات الممكنة في الأقمار الصناعية تزيد قدرتها بنحو 20 درجة كابلات الألياف البصرية، وذلك على سبيل المثال، يلبي الحاجة إلى إجراء مكالمة تليفونية آمنة تماما أو إرسال كمية كبيرة من البيانات المصرفية بشكل آمن.

ويرى تشارلز كلارك، استاذ الفيزياء بجامعة ميريلاند، أن أي دولة تمتلك التكنولوجيا ستكون لديها ميزة رئيسية في المستقبل تعزز موقعها السياسي، وأن هذا ما قاله “جيانوي بان” للمسؤوليين الصينيين ليقنعهم بتمويل أبحاثه بعدة مئات من ملايين الدولارات، وإطلاق قمر ميشيس المزود بتقنيات فيزياء الكم في 2015، فضلا عن بناء محطات إرسال في شمال غرب التبت على ارتفاع 15 ألف قدم لتقليل فقدان الإشارات من الغلاف الجوي للأرض وكذلك فى أقصى غرب الصين وشينج لونج بالقرب من بكين.

ويقول الخبراء إن الصين قطعت شوطا كبيرا في تطوير تقنيات التشفير المعتمدة على فيزياء الكم، بفضل الإرادة السياسية التي تعتبر الأمر تحديا في سباقها للسيطرة على العالم، أما في أمريكا وأوروبا فلا زال الأمر قاصرا على الجهود العلمية لبعض باحثي الجامعات وبعيدا عن أي دعم من الحكومات، ما يجعل بكين متقدمة في هذا المجال بفارق كبير.

هذه التقنيات الجديدة التي قد تضع نهاية لحيل التجسس التقليدية والقرصنة الإلكترونية، قد تبدو تقنية “تخريبية” هائلة، تقول إميلي تايلور، المتخصصة في أمن المعلومات، “التشفير الكمي” تقنية جيدة للحكومات وأجهزة المخابرات، أما في حال أصبحت متاحة للإرهابيين والمجرمين في المستقبل، فقد تمكنهم من التواصل بسرية مطلقة.

لكن إميلي أكدت أنه من الصعب أن تصبح جميع الاتصالات الإلكترونية البشرية آمنة بشكل تام، قائلة: بغض النظر عن مدى كمال “التشفير الكمي”، فلا يزال اثنين من البشر يتحكمان في إرسال واستقبال المعلومات، وهو ما يعني وجود فرضية الاختراق.

وإلى أن يطور العالم تقنية أفضل من “التشفير الكمي” لحماية أمن المعلومات، سيظل المستقبل منحازا لـ”بكين”.. فمن يملك المعلومات يسيطر على العالم بسهولة.

ربما يعجبك أيضا