في التكية السليمانية.. غبار الزمن يمحو جزءًا من التاريخ المصري

هدى اسماعيل

عاطف عبداللطيف – هدى إسماعيل

لافتة أرهقها الصدأ وتراكم عليها تراب الزمن، معلقة على يمين الشارع العتيق بـ”القاهرة التاريخية”، نقش عليها بخط لا يزال جميلًا “شارع السروجية” هناك في حي الدرب الأحمر، تنظر أمامك تجد سوقًا يحتوي كل ما لذ وطاب.

حارة بسيطة تشبه الكثير من الشوارع والحواري المصرية، ولكن المختلف فيها أنها تحتوي على العديد من الآثار والمعالم تبكي في صمت على ما يحيط بها، طمست وشوهت تحت مرأى ومسمع من المسؤولين دون أن ينتفض أحد لحماية جزء هام من تراث مصر.

دعونا نلقي نظرة عن قرب على أول ما يلفت الأنظار إنها التكية السليمانية في القاهرة والمسجلة أثرًا برقم “225”، تم إنشاؤها منذ ما يزيد على 400 عام، والمعروف أن التكايا في الدرب الأحمر أكثر من أي مكان آخر في العالم الإسلامي.

تنابلة السلطان

عرفت “التكايا” بأنها المكان الذي يسكنه الدراويش من الأغراب والذي يقيم فيه الفقراء أو المسافرون أو حتى لرعاية المحتضرين الذين ينتظرون وفاتهم، وعادة ما يتم الإنفاق عليها من قبل جهات أو منظمات دينية.

والتكية عبارة عن خانقاه مخصصة للدراويش، وجمعها تكايا، وأنشئت في العصر العثماني في مصر لتحل محل الخانقاه (مكان مخصص لعبادة الصوفية)، وإن كانت تختلف عنها كثيرًا في تخطيطها المعماري، وكان من المعتاد أن يلحق بكل تكية مسجد صغير وسبيل للشرب، وجرت العادة أن يدفن الدراويش في التكية، مثلما كان متبعًا من دفن الصوفية في حوش الخنقاوات، كما أنها تحولت في كثير من الأحيان إلى مأوى للمتسكعين والعاطلين والكسالى ممن يطلق عليهم “تنابلة السلطان”.

الوالي العثماني

النقش الموجود فوق باب المدخل للتكية يستحوذ على كل اهتمامك، ويجرك جرًا إلى سنوات من الرقي والجمال الغابر، ونقش على النص التأسيسي: “هذه المدرسة الشريفة أنشأها دولة السلطان الأعظم الخاقان المعظم مولى ملوك العرب والعجم كاسر رقاب الأكاسرة قامع أعناق الفراعنة الغازي في سبيل الملك المجاهد في إعلاء كلمة الله فخر سلاطين آل عثمان السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان أيد الله دولته وأيد شوكته… مولانا الوزير الأعظم سليمان باشا”.

وسميت التكية بالسليمانية نسبة إلى الوالي العثمانى “سليمان باشا الوزير”؛ فهو من قام بإنشائها عام 950هـ -1543م، فخلال ولايته على مصر، قام بحصر لجميع الأراضي والقرى، بهدف تحديد الموارد المالية، وخصص لكل جهة دفترًا خاصًا بها، وقد عرفت هذه الدفاتر باسم “دفاتر التربيع”.

عمر “سليمان باشا” التكية لإيواء المتصوفة المنقطعين للعبادة، ويذكر المؤرخ “علي باشا مبارك” فى كتابه الخطط التوفيقية” التكية السليمانية بشارع السروجية بأنها الواقعة شمال الذاهب إلى الصليبة وعمّرها الأمير سليمان باشا، وكان أصلها مدرسة تعرف بمدرسة سليمان باشا ثم صارت تكية، بها ضريح الشيخ رسول القادري وضريح الشيخ إبراهيم القادري”.

محراب متعدد

يبلغ ارتفاع مدخل التكية قرابة الطابقين، وحظي المدخل المعقود بكثير من الزخارف الهندسية والنباتية والكتابية البديعة، ولكن أهمها بلاطات القيشاني التي تكسو طبلة العقد العاتق التي يطلق عليها اسم (النفيس) ويؤدي المدخل إلى دركاة تحتوي على فتحتين إحداهما توصل إلى صحن التكية والثانية مقابلة لها وتؤدي مباشرة إلى منزل شيخ التكية.

تتكون التكية السليمانية من مبنى مستطيل الشكل يتوسطه صحن مكشوف تحيط به الغرف من جميع الجهات عدا الجهة الجنوبية، حيث يوجد إيوان عميق بعض الشئ يتصدره محراب مجوف، وملحق بالضلع الغربي للتكية ميضأة ودورة للمياه، وكذا مطبخ لإعداد طعام المقيمين بالتكية كما تنص على ذلك وقفية سليمان باشا.

يعلو الدور الأول من التكية طابق ثان يحتوي على مجموعة من الغرف والخلاوي تحيط بالصحن من جميع الجهات عدا جهة القبلة التي يرتفع عقد إيوانها بحيث يشمل ارتفاع الطابقين، يتقدم الغرف العلوية جميعها ممر يفصل بينها وبين الشرفات التي تطل على صحن التكية في الطابق الثاني، وغطيت غرف الطابق الثاني بقباب ضحلة، ولعل هذه التكية هي أول عمارة عثمانية تغطي غرف الطابق العلوي بقباب ضحلة.

كسيت القباب الضحلة للتكية ببلاطات ذات لون أخضر وفقًا للطراز المملوكي، فيما اندثرت معظم هذه البلاطات ولم يتبق إلا أجزاء قليلة جدا في عدة مواضع بهذه القباب.

واقع مأساوي

الوضع الحالي كارثي فهناك العديد من الأسر الفقيرة تقيم داخل التكية منهم من يطلق سراح طيوره وحيواناته المنزلية ترتع في أروقه التكية التاريخية كيفما تشاء، إضافة إلى انتشار أسطوانات الغاز التي يمكن أن تضيع جزءًا من التاريخ في لمح البصر مع افتقار المنطقة إلى أبسط إمكانيات الأمان والتصدي للحرائق وحالة العشوائية والفوضى المسيطرة على المنطقة التي تحولت إلى عشوائية مفرطة أضاعت بهاء ورونق التكية وأفقدتها بريقها التاريخي.

ناهيك عن وجود عدد من المحال التجارية سيطرت على الطابق الأرضي للتكية، حتى تواجدنا بداخل التكية كان مراقب فبعض المقيمين رفضوا فكرة دخول أحد من الباب رغم أنها منطقة آثرية متاحة للجميع ولكنها في النهاية “تكية” ولكن ليس لها صاحب.
 

ربما يعجبك أيضا