قانون القومية في إسرائيل .. دولة يهودية وعرب مستأجرون!

محمد عبد الدايم
رؤية – محمد عبدالدايم
لم يهدأ الجدل بعد حول قانون القومية، وغالبًا لن يهدأ الآن أو قريبًا، فهذه المرة لم تضع الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو قانونًا يتناول العلاقة بين المتدينين والعلمانيين، ويخضع لمواءمات سياسية بين أطراف الائتلاف الحاكم، أو قانونًا مضادًا للفلسطينيين فحسب، بل يتعدى ما يسمى بقانون “القومية” حدود العنصرية التي عفا عليها الزمن منذ قوانين الفصل العنصري والكولونيالية العالمية.
هذا القانون الذي ينص صراحة على يهودية الأرض وعبرنة اللغة بما يعني إبعاد كل ما لا يدين باليهودية ويتحدث لغة غير العبرية من الأرض التي تعود لهم في الأساس، ناهيك عن إعطاء حق تقرير المصير “القومي” على الأرض لليهود وحدهم، ليصبح قانون الأساس هذا نسخة جديدة من القوانين العنصرية التي تُفرق بين الهويات على أساس الدين واللغة تفريقًا يجعل من الآخر عدوًا، أو كائنًا غير موجود من الأساس.
جلسة ثرثرة لا طائل منها
يوم الأربعاء؛ عقدت الهيئة العامة للكنيست جلسة خاصة خلال العطلة الصيفية حول القانون العنصري، بعد أن استطاعت المعارضة تقديم طلب بهذا الشأن وقع عليه 25 عضوًا، وهو العدد الذي لا يُلزِم رئيس الوزراء بحضور الجلسة، ومن ثم غاب نتنياهو، ولم تتعد الجلسة بعض الشد والجذب بين تسيبي ليفني وبين ممثل عن الحكومة، فيما طالب يائير لابيد رئيس حزب ييش عاتيد وتسيبي ليفني زعيمة المعارضة بتقديم موعد الانتخابات.
استقالة احتجاجية باللغة العربية
لم تزد الجلسة عن كونها محاولات من المعارضة لتقديم نفسها من أجل انتخابات مبكرة، كما غاب عنها أعضاء القائمة العربية المشتركة، وتخلل جلسة الثرثرة التي لم يحضرها أكثر من 30 عضوًا تقديم وائل يونس، النائب عن القائمة العربية المشتركة، خطاب استقالة من الكنيست، قدمه مكتوبا بالعربية إلى رئيس الكنيست يولي ادلشطاين، فيما يعتبر احتجاجًا على القانون الذي استبعد اللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية لإسرائيل، بما يعني عدم الاعتراف بالمتحدثين بها، وبالفعل رفض رئيس الكنيست التوقيع على الخطاب لأنه ليس مكتوبًا بالعبرية.

ليست استقالة وائل يونس هي الأولى، بل سبقه النائب زهير بهلول، عن حزب هاعفودا والمعسكر الصهيوني، بإعلانه الاستقالة من الكنيست، مع بقائه في الحزب، بعد أن صرح أن هذا القانون “يزعجه ويضطهد الجمهور الذي أرسله إلى الكنيست” .
ربما لن تكون استقالة يونس وبهلول الأخيرة، بل قد تدفع لمزيد من الاستقالات، خصوصا بين نواب فلسطيني الداخل، والحقيقة أن هذا الأمر أبعد ما يكون عن إزعاج حكومة نتنياهو، فقد خرجت أصوات من هاليكود ومن صفوف الحريديم ترحب بإعلان زهير استقالته، واعتبرت الكنيست “بيت التشريع الإسرائيلي، وليس الفلسطيني” ردًا على تصريح سابق لبهلول قال فيه: إن “هويته الفلسطينية أقوى من الإسرائيلية”، لكن ربما لا يستطيع المزيد من النواب تقديم استقالاتهم، مع احتمالية حل الكنيست قبل نهاية العام وإجراء انتخابات جديدة، وهو الأمر الذي تحسبت له حكومة نتنياهو، فكان الإسراع بإقرار القانون بالقراءة النهائية قبل بدء العطلة الصيفية.
وزيرة القضاء تهدد المحكمة
في بداية هذا الأسبوع، وجهت وزيرة القضاء أييلت شاقيد، عضو الكنيست عن الحزب اليميني هابيت هايهودي، تصريحًا حاداً إلى المحكمة العليا بإسرائيل، على خلفية الالتماسات التي قدمها معارضون لقانون “القومية” من أجل تعديله أو إلغائه، وقالت شاقيد: “إن تدخل المحكمة في تعديل أو إلغاء القانون إنما يهدد بحرب بين السلطات، فليس من حق المحكمة ولا من سلطتها إلغاء أحد قوانين الأساس التي يوافق عليها أعضاء الكنيست” .
يأتي هذا التهديد من قِبل شاقيد بعد توترات بين الحكومة الإسرائيلية والمحكمة العليا، على خلفية تقديم نفتالي بينط ، وزير التعليم ورئيس هابيت هايهودي، وشاقيد مذكرة قانون التخطي الذي يفرض قيودًا على المحكمة تحول دون إلغائها قوانين إلا بأغلبية 9 قضاة وبموافقة الأغلبية منهم، (انظر إلى تقرير سابق بعنوان هل تسعى حكومة نتنياهو لتقييد المحكمة العليا لصالح سياسات اليمين؟).
تثبت شاقيد يومًا بعد الآخر أنها قوة ضاربة في معسكر اليمين الذي يحكم إسرائيل، وتزيد من رغبة هاليكود لاستعادتها مجددًا لتكون خليفة نتنياهو في زعامة الحزب.
مساع لإسكات الدروز
على جانب آخر، جاء تأكيد الطائفة الدرزية على رفضها للقانون في صورة رسائل غاضبة للحكومة، ومظاهرة كبيرة خرجت في تل أبيب، مع إصرارهم على إلغاء القانون المجحف، لكن نتنياهو من جانبه رفض بالطبع أية محاولة لتغيير بنود القانون أو إلغائه، وفي المقابل حاول نتنياهو استمالة الدروز عبر الإعلان عن تقديم مزيد من المخصصات لهم، خصوصًا وأن بعضهم ينخرط في القوات الإسرائيلية، مع الإعلان عن مجموعة من “التفاهمات” بين الحكومة وممثلي الدروز، تنص على دعمهم دينيا وثقافيا، والاعتراف بمشاركاتهم في الدفاع عن إسرائيل.
جاءت ردود الفعل، من نتنياهو أو نفتالي بينط أو ميري ريجف وغيرهم، لتبدو أكثر ودا مع الدروز، مع مخاطبتهم بـ”الأحبة” و”الأخوة في الوطن” و”الشركاء”، وخرجت منشورات وتصريحات من أعضاء بحزب هاليكود تبارك الوصول لهذه التفاهمات مع الدروز، وتهلل لما أسموه بـ”الشراكة”، وهذا فقط في محاولة لاحتواء غضب الطائفة التي ينخرط أبناؤها في الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن، لكن المؤكد أنه لا نية لدى نتنياهو وعصبته للتخلي عن بند واحد من بنود قانون العنصرية.
على جانب آخر شنت المعارضة هجومًا على الحكومة وقانونها، ورغم أصوات الاحتجاج والرفض من أحزاب المعسكر الصهيوني وميرتس وييش عاتيد، فإن المعارضة الإعلامية بدت أكثر شراسة من المعارضة السياسية.
صحيفة هآرتس المحسوبة كمعارضة لسياسات نتنياهو وحكومته شنت هجمات إعلامية كبيرة على القانون، على سبيل المثال اعتبر الكاتب والمحلل حامي شاليف أن القانون “أحد التصرفات الفاسدة في تاريخ إسرائيل”، والأكثر من ذلك، ساوى الكاتب تسفي برئيل بين قانون “القومية” وبين قانون مواطنة الرايخ الألماني في الفترة النازية.
أما الكاتب الصحفي ألكسندر يعقوبسون فتحدث في مقاله عن “دولة نتنياهو وبينط اليهودية”، وتساءل في مقاله عن الإشكالية الكبيرة التي يطرحها القانون، وهي يهودية الدولة، حيث قال:
“هناك إشكالية جدية ضد المصطلح “دولة الشعب اليهودي”، ومن هنا يجب التعامل معه، رغم أنه من الأسهل مناقشة هذه التصريحات الكثيرة المرتبطة بهذا الموضوع، الإشكالية تتلخص في: إذا كانت الدولة “خاصة” بالشعب اليهودي، أليس هذا معناه أنها ليست “خاصة” بكل من هو غير يهودي؟ بمعنى آخر؛ إنها ليست دولة المواطنين غير اليهود؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل يمكن لهؤلاء أن يصبحوا مواطنين بكل ما تعنيه الكلمة؟ وكيف يُتوقع من مواطن أن يكون مخلصًا “لدولته” إذا كانت تقول له إنها ليست “دولته”؟”

إسرائيل ليست دولة طبيعية
يقدم الكاتب أمثلة لقوانين أساسية تتعلق بالقومية في دول عدة: “كرواتيا، على سبيل المثال، دولة قومية، قومية للغاية، دولة عرفت صراعًا أهليًا وتوترًا قوميًا كبيرا، وليس أمرًا جيدًا وجود صربي في كرواتيا، مثل وجود العرب بإسرائيل، لكن افتتاحية دستورها تقول: “كرواتيا هي الدولة القومية للشعب الكرواتي ودولة الأقليات القومية (وجاء ذكر 23 قومية بما فيها اليهود) وبقية المواطنين، الذين يتمتعون بمساواة كاملة في الحقوق مع أبناء القومية الكرواتية”، إذن فقائمة الأقلية هنا تؤكد على شمول الجميع تحت لواء الشعب الكرواتي.

صربيا، وفقا لدستورها، هي: “دولة الشعب الصربي وكل المواطنين الذي يعيشون فيها، وتستند إلى سلطة القانون، العدل الاجتماعي، وأسس الديمقراطية المدنية، وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات”. لاتفيا كذلك تحدد في دستورها أنها: “دولة ديمقراطية، اجتماعية وقومية، تستند إلى سلطة القانون وإلى احترام الإنسان وحريته، وتعترف بحقوق الإنسان وتحترم الأقليات العرقية”.

العرب مستأجرون مؤقتون
هذه القوانين كلها واضحة، بصيغ مختلفة لكنها دائما مُفسرة بوضوح، ما يرفض اليمين الإسرائيلي قوله هو أنه لا داعي لتفسير الطابع القومي للدولة كأنما الأغلبية فيها بمثابة مُستأجرين في البيت المشترك، وليسوا شركاء في كامل الدولة.
إسرائيل دولة نتنياهو وبينط

أما إسرائيل نتنياهو ونفتالي -من منظور الكاتب- بينط فتقول في قانون القومية أنها “دولة يهودية يهودية يهودية يهودية ويهودية، فلم يستنكر إخوتنا الدروز الأمر؟ بينما من الواضح أنهم -من بين المستأجرين جميعًا- الأحب إلى قلب صاحب البيت”.

ربما يعجبك أيضا