قبيلة “الموسو” في الهيمالايا.. عندما تكون الكلمة العليا للنساء فقط!

حسام السبكي

حسام السبكي

من أعلى سفوح جبال الهيمالايا الشهيرة في الصين، اتخذت واحدة من أعرق القبائل وأندرها في العالم مقرًا لها، والتي تصنف كونها أبرز مجتمع “نسوي” أو “أمومي” في التاريخ، ألا وهي قبيلة “الموسو” المثيرة!.

ومن ضفاف بحيرة “لوغو” قرب حدود مقاطعتي “يونان” و”زيتشوان” الصينيتين، يتواجد سكان القبيلة، التي تُمنح فيها النساء الأفضلية في كافة المواقع الاجتماعية والاقتصادية، والذي على الأرجح أدخلهم في حيز العزلة الدولية، بل وامتنعت الصين عن منحهم ميزة الحكم الذاتي، على غرار إقليم التبت ومنطقة شينجيانج.

قبيلة للنساء فقط!

شهد العالم وجود مجتمع نسوي بشكل كامل، يكاد يهيمن فيه الجنس الأنثوي، على كافة مقاليد الحياة!

فقبيلة الموسو، تمتلك هيكلًا اجتماعيًا تهيمن فيه النساء على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، أي أن شؤونها لا تزال تدار وفق النظام الاجتماعي الأمومي أو ما يعرف في علم الاجتماع “ماترياشي”، وهو المجتمع الذي تحكمه الإناث.

في هذا النظام، وعلى عكس النظام الأبوي الذكوري، ينتظر من النساء أن يلدن فتيات، توافقًا مع الاعتقاد السائد لديهم بأن الأمهات مسؤولات عن استمرار نسب القبيلة، وانتقالها من جيل إلى جيل.

على الجانب الآخر نجد الرجال مهمشين لأقصى حد، حيث لا توجد لهم أية مسؤولية أو حقوق في الملكية والمواريث، كما أن نسب القبيلة يستمر من خلال النساء لا الرجال.

أفراد كل عائلة من عائلات الموسو، يعيشون جميعًا معًا في بيوت واسعة وكبيرة، ورب كل عائلة هو أكبر سيدة فيها، ويحصل الأطفال حديثو الولادة على ألقاب الأمهات لا الآباء؛ لذلك يقولون إن نسب القبيلة يستمر عبر النساء.

أما عن الميراث لدى شعوب الموسو، فهو ينتقل من شخص لآخر عن طريق النساء اللاتي يملكن الكلمة داخل العائلة، فهو من حق الأخت الكبرى أو من هن دونها من البنات فقط.

من غرائب هذه القبيلة أيضًا، أن الرجال يمكثون في منازل أمهاتهم مدى الحياة.

المثير للاهتمام في حياة شعب الموسو، أن مفهوم الزواج غير معترف به هناك، فعندما يقع رجل في حب امرأة، يزورها ليلا في بيتها، من خلال نوع من أنواع الزواج يطلق عليه اسم “زواج المسيار”؛ وعند بزوغ الفجر يغادر الزوج المنزل.

ووفق عادات الزواج هذه، يحق للمرأة أن تقبل بالزوج الذي أتاها ليلًا، أو أن تطرده من منزلها، فالعواطف والروابط لا مكان لها في مجتمع يُحرّم مشاعر الألفة والمودة في الرباط الشرعي بين الزوجين، لكي لا تسيطر عليها مشاعرها فتعود لحكم الرجل.

تستمر الإثارة مجددًا، مع الطباع الغريبة لدولة الموسو، فالرجل لا تقع عليه أية مسؤولية بخصوص رعاية الطفال، إذ أن خال العائلة على سبيل المثال هو من يلعب دور الأب بالنسبة للأطفال، كما أنه لا يعول على الرجال أية مسؤولية بشأن معيشة العائلة، فالنساء هن من يقمن برعاية شؤون المنزل، وعلى الرجال تسليم ما يكسبون من أموال لـ”ربة الأسرة”.

ورغم أن النساء في تلك القبيلة يملكن في أيديهن القوة بأسرها، فإن هذا لا يعني أنهن يعشن حياة مريحة للغاية، لأنهن مضطرات للقيام بأشغال كثيرة من طبخ للطعام، وتنظيف، وعمل بالحقل، فضلا عن اشتغالهن بالحياكة والنسيج، أي أنهن يعشن حياة بشكل مرهق.

ورغم أن الرجال مهمشين، إلا أنه تتم استشارتهم بخصوص القرارات التي تتخذ في الموضوعات والشؤون السياسية، وهؤلاء الرجال يعملون في رعي الغنم، وصيد الأسماك، وذبح الحيوانات.

لا وجود للأب في القبيلة!

ومع تلاشي العواطف والمشاعر في قبيلة الموسو، فتلاشى معه مصطلح “بر الوالد”، لتكون من شقها الثاني “بر الوالدة” فقط، ويتضح هذا من لغة القبيلة.

فاللغة المحلية التي يستخدمها السكان، وكذلك المعاجم، لا وجود فيها لكلمات ومفاهيم مختلفة مثل الأب، والعم، والصهر، والعروس، والحماة.

يتضح ذلك أكثر، من تصريح لإحدى المواطنات من شعب الموسو، التي ذكرت أنه لا توجد في حياتهم مشكلات كتلك التي تعاني منها الشعوب الأخرى، مثل الصراع بين العروس والحماة، والنزاع على الميراث، فضلًا عن مسألة الطلاق”.

وشددت “موري صارلاشي” على أن المجتمع الذي يعيشون فيه أكثر هدوءًا واستقرارًا، مضيفة “في ظل المجتمع الأمومي، انخفضت لأقصى حد، كثير من الجرائم مثل العنف، والسرقة، والاغتصاب”.

على الجانب الآخر، قال رجل من نفس القبيلة يدعى “آفا آرطا”: إن “النساء يملكن القوة بأيديهن، لكن هذا الوضع يمنح الذكور مزيدًا من الحرية والراحة، وأنا شخصيًا لا أرى في هذا الوضع أي مشكلة”.

الصين لا تعترف بـ “السومو”

على الرغم من التعداد الكبير لسكان الصين، والذي وصل وفق إحصاء للبنك الدولي في عام 2017 إلى 1.386 مليار نسمة، وتتعدد معه القوميات والعرقيات والديانات، إلا أن الحكومة الصينية رفض الاعتراف بـ “السومو” كإحدى القوميات الـ 56 المعترف بهم رسميًا ضمن الجمهورية الشيوعية.

وقبيلة موسو التي يبلغ تعدادها 25 ألف نسمة، تعتبر فرعًا من قومية “ناشي” التي يبلغ عددها ما يقرب من 300 ألف نسمة، غير أن هناك اختلافات كثيرة للغاية بينهما.

فبينما قبيلة الموسو مجتمع أمومي، نجد على الجانب الآخر قومية “ناشي” على النقيض من ذلك تمامًا، وتؤمن الأولى بمعتقدات البوذية التبتية (طائفة دينية تنتشر بالتبت)، أما الثانية فلديها معتقد يقدس الضفادع. فضلا عن أن اللغات المحلية المستخدمة من قبل الجانبين، مختلفة تمامًا عن بعضها البعض.

عزلة دولية

تعد قبيلة الموسو، معزولة بشكل شبه كلي عن العالم المحيط بهم، وهذا وإن كان جانبًا سلبيًا، إلا أنه وكما يُقال “رب ضارة نافعة”، فبعتزلهم، تمكن شعب الموسو من الحفاظ على ثقافاته وعاداته المثيرة من تأثير الثقافة الشعبوية.

لكن نظرًا للجمال الطبيعي الذي تتميز به منطقتهم، فإن السياح صاروا يتوافدون بكثرة عليها، بتشجيع مباشر من المسؤولين الصينيين.

وخلال الأعوام الأخيرة، بدأت تُشاهد المطاعم والمقاهي، وكذلك الفنادق على ضفاف بحيرة “لوغو”، التي يعيش فيها شعب الموسو منذ قرون، الأمر الذي من شأنه تعزيز الوضع الاقتصادي للمنطقة.

غير أنه كان من اللافت أن أغلبية هذه المشاريع تدار من قبل صينيين من قومية “الخان” السائدة في البلاد.

على الجانب السياسي، ونظرًا لأن الحكومة الصينية لا تعترف بشعب الموسو كقومية مختلفة، فإنه لا يمكنهم الاستفادة من هيكل الحكم الذاتي المعمول به في المناطق التي توجد فيها بكثافة بعض الأقليات العرقية في البلاد.

من المفيد هنا، أن نشير إلى أن هناك مجتمعات أمومية أخرى منتشرة حول العالم مثل قبيلة “سامبورو” في كينيا، و”تاشي سانجمو” في نيبال، وسكان “بريبيس” في كوستاريكا، إضافة إلى مجموعة “المينانغكابو” العرقية في جزيرة سومطرة بإندونيسيا، وقبيلة “ودابي” في نيجيريا، إلا أن ثقافاتهم من حيث هيمنة المرأة وسيطرتها ليست سائدة كتلك التي لدى شعب الموسو.

ربما يعجبك أيضا