قمة سوتشي.. دوافع روسيا للتواجد داخل القارة السمراء

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي  

يتجه العالم لنظام دولي جديد ليشكل بنية متعددة الأقطاب لا تهمين عليه دولة كبرى، ويبدو أن فترة ما بعد الحرب الباردة، بسقوط الاتحاد السوفيتي، وهيمنة الولايات المتحدة على تشكيل السياسية العالمية لم تعد مقبولة.

منذ وصول الرئيس الروسي بوتين لسدة الحكم عام 2000، يضع على رأس أولوياته استعادة الدور المحوري الروسي، وبدا ذلك واضحًا من الحرب على جورجيا 2008، وضم شبه جزيرة القرم 2014، ناهيك عن تعزيز النفوذ الروسي بمنطقة الشرق الأوسط بالتدخل في الحرب السورية عام 2015.

واليوم يطل علينا بوتين، بسياسة أكثر توسعًا داخل القارة السمراء، إذ عقد أمس قمة روسية أفريقية في مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود بحضور عدد كبير من القادة الأفارقة، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة حول دوافع موسكو لتدشين تلك القمة وتعزيز وجودها داخل أفريقيا، والأكثر إثارة وتعجبًا، بدا كحسن نية، هو إعفاء الدول الأفريقية من ديونها الروسية.

دوافع الوجود الروسي

تعددت الأهداف الروسية للتوجه نحو القارة السمراء، والتي أصبحت وجهة الدول الكبرى الاقتصادية على رأسها العملاق الصيني، وبغض النظر عن محفزاتها الاقتصادية، فلدى روسيا أهداف أخرى تتمحور حول إعادة ثقل روسيا وتعزيز مكانتها داخل الساحة الدولية، وفيما يلي نرصد دوافعها:

العزلة الغربية: إبان ضم جزيرة القرم إلى روسيا، تعرضت موسكو لسياسة غربية عقابية، أثرت بالفعل على الاقتصاد الروسي نتيجة انخفاض أسعار النفط، الذي يعد سلعة أساسية في إيرادتها الخارجية، ولذا ترى موسكو أن تعزيز علاقتها مع دول تمثل ثلث الكتلة التصويتية لأصوات أعضاء الأمم المتحدة سيرد لها بثقل دولي ودعم كبير لسياستها. كذلك، يبدو أن الدول الأفريقية، في الوقت الراهن، قد سئمت من تبعيتها للدول الغربية ومن تدخلها في تشكيل سياسته، ورأت في التنافس الدولي المتعدد عليها قد يدر عليها مزيدًا من الاستثمارات والاستقلالية في صناعة قرارها، ولا سيما بدخول دول كبرى بحجم روسيا أو الصين.

محفز اقتصادي: بالطبع، لدى روسيا قدر لا يستهان به من الثروات الطبيعية، إذ إن أفريقا تمتلك ثلث احتياطي العالم من المعادن، وحوالي 12% من موارد الطاقة، وأكثر من ثلثي الأراضي الزراعية غير المستغلة، ناهيك عن كونها سوق كبير للمنتجات الصناعية. وبالتالي تسعى كافة الدول الكبرى والصاعدة، للتوغل داخل أفريقا من أجل المواد الخام، والاستثمارات الصناعية كذلك منفذ لبيع المنتجات الصناعية. وهنا قد تقف روسيا لأنها ليست دولة صناعية بالدرجة الأولى، مثل ألمانيا أو الصين، ولكنها تتطلع في المستقبل لتقليل اعتمادها على الإيرادات النفطية؛ والتي تشكل خطرًا على اقتصادها في حالة انخفاض الأسعار.

سوق للسلاح الروسي:  تعد روسيا الدولة الثانية عالميًأ بعد الولايات المتحدة في تصدير الأسلحة، ويمثل السلاح الروسي مكانة متميزة لدى ممتلكيه، وفي الوقت الراهن تسعى موسكو لترويج ترسانتها من الأسلحة، وجدير بالذكر أن السوق الأفريقي يمثل 40% من صادرات السلاح الروسي، يأتي على رأسها الجزائر ومصر اللتين تتصدران قائمة الدول الأفريقية في صادرات روسيا من الأسلحة.

أعلن ألكسندر ميخيف مدير مجموعة “روسوبوروناكسبورت” الروسية العامة المكلفة بيع الأسلحة  في قمة سوتشي “تمثل إفريقيا 40% من مجمل الطلبات التجارية الحالية من ناحية القيمة ومختلف أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية التي جرى تسليمها”. وأضاف أن حوالي “80% مما تشتريه أفريقيا منا هي معدات جوية : مروحيات قتالية وطائرات وأنظمة (دفاعات جوية) تور وبوك واس-300”.

ورقة ضغط على الغرب:  ناهيك عن بواعثها الاقتصادية والعسكرية، ترى موسكو أن حضورها داخل القارة السمراء سيمثل ورقة ضغط على الدول الغربية، بما لدي الأخيرة من مصالح اقتصادية داخل أفريقيا. وعلى عكس الصين التي ترتكز على النفوذ الاقتصادي، تسعى موسكو لاستخدام أفريقيا كساحة منافسة ضد الدول الغربية كونها تمثل ورقة ضغط كبرى في حالة تشديد العقوبات الغربية مرة أخرى. ومن المرجح أن روسيا ترى أن وجودها داخل القارة الأفريقية قد يكون عائقًأ أمام المساعي الأوروبية لتقليم أظافر روسيا داخل دول أوروبا الشرقية، إذ ترى أن تلك الدول امتداد للأمن القومي الروسي. 

وختامًا، تبقى أفريقا ساحة مفتوحة أمام الدول الكبرى لتقوية عضلاتها في مقابل بعضها البعض، لما لها من موارد طبيعية لا محدودة، وسوق كبير أمام المنتجات الصناعية، وهذا يفسر الاهتمام الغربي بالدول الأفريقية بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية، إضافة لكونها حاضنة لكثير من النزاعات المسلحة ما شجع موسكو لعرض أسلحتها أمام القادة الأفارقة في القمة.

ربما يعجبك أيضا