كيف تحول فضاء “الشنغن” إلى ثغرة أمنية في جدار الاتحاد الأوروبي؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

تواجه دول “الشتغن” الآن تحديًا كبيرًا في مجال الامن ومواجهة الجماعات المتطرفة، بكل أنواعها، والتي تستغل حرية الحركة كثيرًا، وهذا ما صعد من حراك الاستخبارات الأوروبية بإيجاد تعاون أفضل في تبادل المعلومات وتعقب المطلوبين، وفي نفس الوقت صعد من الأصوات التي تطالب بتعديل اتفاقية “الشنغن”.

ما زالت أوروبا تشهد تهديدات قائمة من الجماعات الإسلاموية المتطرفة واليمين المتطرف، فالهجمات التي شهدتها عواصم أوروبية ما بعد هجمات باريس نوفمبر 2015 ولحد الآن، مثلت حوادث إرهابية أثارت الكثير من التساؤلات حول الثغرات الأمنية التي ينفذ منها الإرهابيون في أوروبا.

اتفاقية شنغن

دخلت اتفاقية شنغن حيز التنفيذ في 26 مارس عام 1995، أخذت اسمها من بلدة “شنغن” الصغيرة في لوكمسبورج حيث تم توقيع الاتفاقية بتاريخ 14 يونيو 1985 من قبل خمس دول (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، لوكسمبورغ)، والآن وصل عدد الدول الأعضاء بالاتفاقية (27) بلدا، وكانت الحدود بين الدول الأوروبية قبل العمل بالاتفاقية، تخضع لحراسة ورقابة شديدة ويتم فحص جوازات السفر على المعابر الحدودية.

تسمح “اتفاقية شنغن” بالتنقل بحربة بين دولها، حيث تضمن حرية التنقل بين البلدان الأطراف فيها، إذ لا يحتاج المرء لتأشيرة دخول ولا يخضع  للتفتيش أو السؤال عن جواز سفره، غير أن الحالة الوحيدة التي يتوجب فيها إظهار وثيقة السفر في منطقة شنغن هي عند دخول أول بلد في شنغن، الذي يعرف باسم الحدود الخارجية للمنطقة، حيث يصدق جواز السفر بختم  صادر عن هذا البلد الذي دخله، وعند عبور حدود إضافية داخل منطقة شنغن، لن يتم التحقق من أي وثائق، أو وضع أختام، لكن بعض الدول أعادت الرقابة على حدودها بسبب أزمة اللاجئين وخطر الإرهاب.

وينص “اتفاق شنغن” على السماح للدول الأعضاء بإعادة تطبيق عمليات الرقابة والتفتيش الحدودية بشكل مؤقت لمدة تصل إلى ستة أشهر لأسباب أمنية، كما يمكن تمديدها إلى مرتين عند مواجهة تحديات كبيرة مثل أزمة اللاجئين، ومن ناحية أخرى تأمل المفوضية الأوروبية بإنهاء التمديد مع انخفاض تدفق المهاجرين الملحوظ.

فضاء “الشنغن” ثغرة أمنية

يعتبر ضعف تبادل المعلومات بين وكالات الاستخبارات، والنظام المهلهل في تتبع المشتبه بهم عبر الحدود المفتوحة، والقائمة الطويلة بالمتطرفين المحليين المفترض مراقبتهم، أعطى فرصة لتنفيذ الهجمات على الأراضي الأوروبية.

ويعتبر التنسيق بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية ضئيلا، في ظل عدم وجود قائمة شاملة ومشتركة بالمتطرفين المشتبه بهم، لذلك استطاع المهاجمون التنقل بحرية وبشكل متكرر عبر حدود الاتحاد الأوروبي غير الخاضعة للحراسة، مع سفر المتشددين إلى سوريا وعادوا مجددا، بل كانوا حريصون على عدم إبراز أنفسهم أو إعطاء القانون ذريعة لإلقاء القبض عليهم، وتعكس هذه المعضلة الأمنية في أوروبا افتقار السلطات إلى الوصول إلى قواعد بيانات مشتركة بشأن الإرهابيين المشتبه بهم.

ويقول ”جوليان كينغ“ مفوض شؤون الاتحاد الأمني “لدينا مجموعة من قواعد البيانات لمساعدتنا على مكافحة الإرهاب وإدارة الحدود، ولكن النظم المتوفرة يمكن أن تكون أقوى وأكثر فعالية من خلال المعلومات التي يتم تغذيتها بها، ومعالجة الطريقة التي يتم بها حاليا توفير المعلومات من أجل الوفاء بالتزاماتنا بتوفير أنظمة قوية وذكية للأمن والحدود”.

يذكر أن من بين الدول الأخرى التي فرضت إجراءات تدقيق على حدودها فهي النمسا وألمانيا والدنمارك والسويد والنرويج. لكن هذه الدول أوضحت أنها فعلت ذلك بهدف الحد من التدفق الكثيف للمهاجرين، ما أدى إلى فوضى على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

مراقبة فضاء الشنغن

تشرع دول الاتحاد الأوروبي في تنفيذ مراقبة الحدود الخارجية لمنطقة شنغن من خلال مقارنة بيانات المسافرين مع قائمة المبحوث عنهم. فهل يضر ذلك بحرية التنقل؟

يقول عضو البرلمان الأوروبي “إلمار بروك” إنه يؤيد مراقبة حركة التنقل في أوروبا، كرد فعل على الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها أوروبا، ويمكن أن تدخل المراقبة حيز التنفيذ على الحدود الخارجية لمنطقة شنغن أيضا، الرقابة على مواطني دول الشنغن والقادمين من الخارج أيضا.

وافق البرلمان الأوروبي 25 أكتوبر 2017 على قرار يقضي بتزويد الدول الأوروبية في فضاء شنغن نظامًا معلوماتيًا موحدًا لتسريع عمليات التدقيق على حدودها الخارجية، ولتحسين سبل مكافحة الإرهاب. وبموجب هذا النظام الجديد “الذي سيدخل حيز التنفيذ” بحلول العام 2020 سيتم جمع أسماء وأرقام جوازات سفر وبصمات وصور كل الذين يعبرون حدود فضاء شنغن من غير الرعايا الأوروبيين. وسوف يتيح هذا النظام التحقق بشكل أدق مما إذا كان الأجانب غير الأوروبيين يتقيدون بمهلة الحد الأقصى الممنوحة لهم في إطار “إقامة قصيرة” في أوروبا، والبالغة 90 يومًا موزعة على فترة من 180 يومًا في المجموع، وما إذا كانت تأشيرات دخولهم قد انتهت.

تبقى مراقبة الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، ضمن مسؤولية وكالة فرونتكس، في مسك الحدود الخارجية، ودور الشرطة الوطنية لدول الاتحاد بمراقبة الحدود الداخلية للاتحاد.

تعزيز التعاون الامني هو الحل لمواجهة “ثغرة” الشنغن

إن حركة المطلوبين بحرية داخل فضاء الشنغن، منح العناصر المطلوبة للسجلات الجنائية و الإرهاب بالتنقل وتنفيذ عملياتهم، مستغلة في وقتها تأخر اجهزة الاستخبارات بالتعامل مع المعلومات للمطلوبين، لذا اعتمدت وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)، مطلع عام 2016، موقع اليكتروني جديد بهدف تعزيز التعاون الامني ما بين اليوروبول وأجهزة أمن دول أوروبا.

ويبقى فضاء الشنغن ثغرة أمنية داخل الاتحاد الأوروبي، اعترفت به المفوضية الأوروبية، مما دفع بعض الدول الأوروبية إلى غلق حدودها مع دول أخرى، علما ان المفوضية الأوروبية، لا تسمح بغلق الحدود اكثر من ثلاثة أشهر يمكن تمديدها لمرة واحدة أو مرتين، وهذا ما يعتبر تحديا لأجهزة الأمن الوطني لدول أوروبا.

ربما يعجبك أيضا