لماذا يلقى الإعلام الروسي رواجًا واسعًا في الشرق الأوسط؟

محمد النحاس

باحث بريطاني يقول إن المتعاطفين مع روسيا والموالين لها يعملون على ترويج أخبار زائفة يبثها الكرملين.. ما آليات عمل أذرع الكرملين الإعلامية؟


ينشر الروس روايات إعلامية خاصة بهم على نطاق واسع في الشرق الأوسط والعالم العربي، حيث تحظى بشعبية كبيرة.

وفي مقال نشرته مجلة بوليتيكو الأمريكية، يتناول الباحث في مؤسسة كارنيجي والزميل الأول في المعهد الملكي للخدمات الموحدة وجامعة كامبريدج، إتش آي هيلير، الأدوات الإعلامية التي يستخدمها الروس، وأسباب وتداعيات انتشار روايتهم بالشرق الأوسط.

حملات تضليل إعلامية؟

بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 من فبراير العام الماضي، اتخذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إجراءات سريعة وحاسمة لمواجهة الدعاية الروسية، وحظرت القنوات الرسمية التي يراعها الكرملين مثل وكالة سبوتنيك، وقناة آر تي، وفق المقال المنشور أمس الأول الجمعة 7 إبريل 2023. 

ويشير المقال إلى أنه رغم هذه الجهود، تشن روسيا “حملات إعلامية مضللة في الشرق الأوسط”، ولم تحظ بجهود قوية لمكافحتها، وقد ضجّ العام الماضي بالعديد من الأكاذيب المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، وفق الباحث البريطاني إتش إي هيلر.

تقارير إعلامية موجهة  

يدلل الكاتب على الرأي السالف، بأنه حال فحص مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر، سيجد المرء العديد من تقارير المنصات الروسية الإخبارية الموجهة للجمهور العربي على وجه الخصوص. 

من أمثلة ذلك، كما يسوق المقال، ما يتعلق بأزمة القمح العالمية، والتي ربطتها الأذرع الإعلامية الروسية بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بدلًا من “دور الحصار الروسي المفروض على الموانئ الأوكرانية”. 

تزييف المحتوى الإعلامي

خلال الأيام الأولى للحرب، أعلنت المنصات الروسية لجمهورها العربي أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي فر من كييف، وروجت مقطعًا مرئيًّا مزيّفًا باستخدام تقنية “الديب فيك” يُظهر الرئيس الأوكراني وهو يحث مقاتليه على الاستسلام وإلقاء السلاح، كما يذكر المقال.

وقول هيلر إن الإعلام الروسي الناطق بالعربية، بدوره، روّج لادعاءات مثل تطوير أوكرانيا لأسلحة بيولوجية في مختبرات سرية، وهي ادعاءات جرى دحضها.

زخم كبير للسيل الإخباري الروسي 

المقال المنشور في مجلة بلوتيكو الأمريكية، يصف ما يسميها “الأكاذيب الروسية” بأنها تولد زخمًا كبيرًا خاصًّا بها، وتكتسب قدرًا من المصداقية فقط لقدرتها على البقاء لفترة زمنية طويلة، بالأسابيع والشهور، مشبهًا هذه الأكاذيب بأنها “الصخرة التي تنحدر من فوق التل”.

ويشير المقال إلى أن المتعاطفين مع روسيا والموالين لها يعملون على ترويج هذه الأخبار الزائفة، التي تزيد مصداقيتها كلما زادت نسبة تداولها. ويعلق الكاتب: “ما عليك سوى مشاهدة الإعلام الروسي لتدرك ذلك”.

تزايد حضور الإعلام الروسي

تعمل قناة آر تي الروسية الناطقة بالعربية على مدار 24 ساعة، وتعد أحد أكثر القنوات مشاهدةً في المنطقة، وعلاوةً على ذلك فإن قناتها على يوتيوب من أكثر القنوات الإخبارية حصدًا للمشاهدات، وفقًا لما أورد المقال.

ويتابع هيلير في مقاله: “إجمالًا حصدت منصات التواصل الاجتماعي التابعة لروسيا اليوم، أكثر من 804 ملايين مشاهدة، ليسجل ارتفاعًا ملحوظًا منذ 24 فبراير 2022، أي منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية”. 

حضور متزايد على منصات التواصل الاجتماعي

الحضور الكبير لقناة “آر تي” الروسية الناطقة بالعربية، على مواقع التواصل الاجتماعي، يوجه بدوره الدعاية المؤيدة للكرملين، التي يبثها هذا الإعلام، على نحو خاص للأجيال الشابة في البلدان العربية، وفق الباحث والمحلل البريطاني إتش آي هيلير.

وغالبًا ما تنشر القناة الروسية بمعدل ضعفي أو 3 أضعاف ما تنشره هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أو القنوات الإخبارية الأخرى، ويرى كاتب المقال أن الهدف يكمن في إغراق مواقع التواصل بهذه “المعلومات المضللة” بغرض مزاحمة الأصوات المعارضة وإعادة النشر لها بما يحقق مزيدًا من الوصول، وفق المقال.  

دور خاص للمتعاطفين المحليين

لا يقتصر الأمر عند هذه “الشبكات الممولة من الكرملين”، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى وجود مجموعة وسائل إعلامية في الشرق الأوسط، تعمل كـ”متعاطف” مع الروس، تروج القصص الخاصة بهم، وتعيد نشرها للجماهير المحلية، وفقًا لما يشير مقال هيلير.

ويتابع: “لا يقتصر اختصاص هذه الوسائل الإعلامية على نشر تقارير كاذبة عن الحرب في أوكرانيا، بل إنها تعتبر التحركات والخطوات الروسية حصنًا ضد المخططات الغربية في المنطقة، وتتعامل مع روسيا على أنها المنتصر الحتمي في الصراع”. 

ما سبب انتشار روايات الكرملين؟

يفسر المقال ما يراه السبب الفعلي لقبول “الحجج الواهية” لما يسميه العدوان الروسي على الأراضي الأوكرانية، لدى الجمهور العربي، ويقول إن الكثير من العرب يشعرون بخيبة أمل كبيرة بسبب السياسة الخارجية الغربية على مدار العقود القليلة الماضية. 

وعلاوةً على ذلك، يشير الكاتب إلى أن الدعم الأمريكي لإسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية، يجعل الاعتراضات الغربية على احتلال روسيا للأراضي الأوكرانية تبدو بلا معنى، وذلك رغم إعراب أوساط كثيرة غربية عن تعاطفها مع الفلسطينيين، وفقًا لمركز جالوب لاستطلاعات الرأي.

ويشير الكاتب ختامًا إلى أنه رغم صعوبة تخيل ذلك، تنتشر الرواية الروسية في عدة مناطق بأنحاء العالم، معتبرًا أن ما طرحه من جوانب يمثل محاولة لتسليط الضوء على آليات عمل أذرع الكرملين الإعلامية.

ربما يعجبك أيضا