ماذا يريد “داعش” من استراتيجيته الجديدة؟

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
استحوذت عمليات الذئاب المنفردة، التي ينفذها أنصار أو عناصر داعش، على اهتمام أجهزة الاستخبارات وكذلك وسائل الإعلام، لتقف هذه الأجهزة في أوروبا والغرب، عاجزة عن مواجهة هذه الظاهرة. وشخص تنظيم داعش  مدى حجم الأضرار التي ممكن أن تلحقها هذه الاستراتيجية، تحديدا ضد دول التحالف الغربي الذي انطلق في سبتمبر 2014 ، من أجل ايجاد ضغوطات على تلك الدول للتراجع عن مشاركتها بالحرب على داعش. وربما طفت هذه الظاهرة بشكل عنيف في أحداث باريس، نوفمبر 2015.
 
ضربت موجة ارهاب تنظيم داعش بعض العواصم الاوروبية منتصف هذا الشهر اوغست 2017،استهل هذه العمليات مغربى فى مدينة برشلونة بإقليم كاتالونيا ) يونس ايو يعقوب ) البالغ من العمر 22 علما، أعقبها حادث طعن فى فنلندا. أن الانهزام العسكري الذي تعرضت له داعش في معاقله في العراق وسوريا، دفعت التنظيم الى النشاط خارج معاقله، بتنفيذ عملياتٍ بسيطة لا تتطلب تخطيطًا كبيرا. وقد ظهر ذلك  بعدد من العمليات الإرهابية التي وقعت في أنحاء مختلِفة من أوروبا.
 
استراتيجية “الخيل المسومة”
 
اعلن تنظيم داعش استراتيجية جديدة اطلق عليها اسم ” الخيل المسومة” تقوم على فكرة تنفيذ عمليات على غرار الذئاب المنفردة، او اشخاص منفردين مرتبطين بالتنظيم، باستخدام وسائل غير محضورة، العجلات والسكاكين، والتي وصفت من قبل المعنيين ب “الارهاب الرخيص”.
 
وفي سياق جهود التنظيم لتعزيز معنوياته، وزع  منشورات  على بعض المناطق التي مازال يسيطر عليها في العراق، منها الحويجة وتلعفر شمال العراق، يتوعد التنظيم فيها الدول الأوروبية وألغرب بشن هجمات عن طريق ما أطلق عليه “مجموعة الخيل المسومة”. وكشفت المنشورات عن تجنيد عناصر أجنبية وشكل خلايا لاستهداف التجمعات والمراكز التجارية المهمة في تلك الدول، مبيناً أن المطبوع هدد باستهداف دول التحالف الدولي.
 
مايريده تنظيم داعش، من هذه الاستراتيجيات، انه مازال فاعلا.
 
استراتيجية “سمكة الصحراء”
 
اعتمد تنظيم داعش استراتيجة سمكة الصحراء، تقوم على انسحاب التنظيم من أماكن يتعرض فيها لضربات عنيفة ، إلى أماكن جديدة غير متوقعة من قِبل خصومه، ليُشكل بذلك منطقة نفوذ جديدة، يضمن فيها مزيدًا من الأتباع، ومزيدًا من الموارد المادية التي تساعده على استكمال أهدافه.تبني هذه الاستراتيجية جاء بطلب من المتحدث السابق للتنظيم قبل مقتله، في اعقاب تشديد الضربات على معاقله في العراق عام 2016. العدناني دعا خلالها انصاره الى التوجه الى دول خارج معاقله ابرزها غرب افريقيا وجنوب وشرق اسيا.
 
وكالة أعماق الإخبارية
 
تعتبر أشهر المواقع المرتبطة للتنظيم ، ومهمتها نشر أخبار التنظيم السياسية والعسكرية على مدار الساعة، وبثّ تسجيلات مصورة لمعاركه وما يتعلق بها، ورسومات بيانية إخبارية، توضح عملياته العسكرية على الارض. وكان اول ظهور لها عام 2014، الى جانب بقية المؤسسات الاعلامية التابعة للتنظيم. رغم ان التنظيم خلال السنوات الثلاث اتجه الى شبكة التواصل الاجتماعي ابرزها “تويتر” للاعلان عن عملياته، او الاعلان عن مصير مقاتليه. مايميز وكالة اعماق، هي انها لحد الان تتمتع ب “مصداقية” بنقل الاخبار”، واعلانها الى العمليات التي تبناها التنظيم في الغالب كانت صحيحية.  وتعود بداية نشأة الجهاز الإعلامي للتنظيم  الى عام 2006 حين أقام “مؤسسة الفرقان” وبعض المؤسسات الإعلامية الأخرى.
 
وكالة أعماق، سرعة نقل الخبر
 
الملفت للنظر، بان وكالة اعماق خلال الاشهر الاخيرة وتحديدا بعد خسارة معقله في الموصل، بدئت تعلن تبني تنظيم داعش للعمليات انتحارية خاصة في اوروبا. كانت وكالة اعماق ربما تحتاج الى اكثر من 72 ساعة للاعلان، لكن الان بدئت تعلن عن عمليات داعش في غضون 24 ساعة، وهذا ماينطبق على حادثة برشلونة 17 اوغست 2017 والتي تزامنت ايضا مع حادثة الطعن في فنلندا وكذلك في سيبريا الروسية.
 
ويقول الإخصائي في الحركات الاسلامية “ماتيو غيدير” في تصريحات صحافية نقلتها وكالة “فرانس برس”، أن مضاعفة عمليات التبني في الأيام الاخيرة تتماشى مع تكثيف وتيرة الهجمات. ويضيف غيدير أن إعلام “داعش” كان مركزياً وموضوعاً تحت رقابة القادة النافذين في ذروة “دولة الخلافة” التي أعلنت في سوريا والعراق. لكن الإعلام الآن لم يعد مركزياً وبالتالي أصبح نشر الاخبار أسرع. ويضيف: “باتت هناك طريقة جديدة معتمدة في التبني، قبلاً، كان يجب الحصول على موافقة القيادة المركزية، أما الآن وبما أن التنظيم يهزم على كافة الجبهات، فهناك مراسلون لأعماق لا يتبعون هيئة مركزية، مخولون بإصدار التبني باسم التنظيم”.
 
أن سرعة تناول الخبر من قبل وكالة اعماق ، يثير الكثير من التسائولات، حول مصداقيتها، وربما يكون سبب ذلك ان تنظيم داعش لم يبقى له غير الدعاية والاعلام، وبدأ يركز على الدعاية اكثر من عملياته العسكرية على الارض، لضمان بقائه. وممكن اعتبار ذلك انها محاولة من قبل التنظيم، ان ينقل صورة الى انصاره ومقاتليه وكذلك خصومه، بانه مازال فاعلا.
 
ماذا يريد تنظيم داعش من استراتيجيته الجديدة؟
 
مايريده هو استمرارالى العمليات الانتحارية، بعمليات الدهس والطعن، لكن الجديد داخل هذه الاستراتيجية، يكشف عن تبني عناصر جديدة بتنفيذ عمليات ارهابية. الدول الاوروبية، ضيقت الخناق على التنظيم، في عواصم غرب اوروبا ابرزها : برلين، بروكسل، باريس لندن وربما امستردام، وهذا يعني انه اعد خلايا جديدة في عواصم  اوروبية جديدة، جنوب اوروبا، وكانت بدايتها في برشلونة.
 
بدأ تنظيم داعش يعتمد على جيل جديد،  وفي اعمار مبكرة، مطلع العشرينيات، وهذا يعكس حقيقة، ان هذه العناصر لم تحصل ربما على الخبرات القتالية، او سافرت الى مناطق النزاع، وتم تجنيدها، داخل اوروبا من خلال الدعاية المتطرفة، او من خلال ائئمة التطرف على الا رض في بلدانهم.
 
يميل تنظيم داعش خلال هذه المرحلة، الى اعتماد شباب في اوروبا، لايوجد لهم سجل جنائي او في سجلات الارهاب لتنفيذ عمليات ارهابية في اوروبا. العلاقات الاجتماعية، ربما تكون معيار اخر باختيار عناصر خلايا داعش، من اجل الحفاظ على السرية.
 
لكن السؤال الاهم وهو: هل ان استراتيجيات داعش : (الذئاب المنفردة، سمكة الحراء والخيل المسومة)، تختلف عن بعضها، وهل جائت بجديد؟
الاجابة بالتأكيد لا، انها لم تأتي بجديد ابدا، وهي تكرار لعمليات “الذئاب المنفردة او المتوحدة”، التي تقوم على تنفيذ عمليات محدودة، لكن تحصل على الاستقطاب الاعلامي.
 
الاهم هو توقيت الاعلان عن هذه الاستراتيجية، الذي يتزامن مع خسارة تنظيم داعش في معاقله، وهذا يعني ان طرح داعش الى استراتيجيته الاخيرة، يهدف الى تسجيل حضوره في الساحات “الجهادية” ويعزز من قبضته على المناطق التي مازال يسيطر عليها، التي تعطي انطباع، بان تنظيم داعش مازال فاعلا. رغم ذلك فانه لايوجد شكك، بان التنظيم سيعود الى المناطق التي خرج منها في العراق وسوريا، مستغلا علاقاته ومعرفته في هذه المدن جغرافيا واجتماعيا، معتمدا “الكر والفر” بدل “التمكين”، ماعدا ذلك ان “الفكر المتطرف” لاينتهي بالعمليات العسكرية، وان محاربة الارهاب تحتاج الى مقاربات فكرية الى جانب ذلك، وهذا ماينبغي على الحكومات ان تضع سياسات وتراجع قوانينها، انبذ العنف والطائفية.
 
استراتيجية داعش الجديدة، لم تأتي بجديد، هي تكرار الى استراتيجياته السابقة، ومايقوم به تنظيم داعش، هي عملية تدوير بالاسماء والمسميات، لاشغال وسائل الاعلام واجهوة الاستخبارات.
 
المشكلة تكمن ايضا بتعامل وسائل الاعلام مع اعلان داعش الى استراتيجياته، “ناقل للخبر” تعطي داعش “هالة” جديدة لايستحقها، بعد تحليل هذه الاستراتيجية ومضمونها ومدى فاعليتها.
 
الدعاية المتطرفة، هي ماتبقى الى هذا التنظيم.
 
*باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات

ربما يعجبك أيضا