ما حجم نفوذ الولايات المتحدة على إسرائيل؟

ستيفن والت: الأزمة الحالية في غزة تضر بصورة الولايات المتحدة حول العالم

آية سيد
ما حجم نفوذ الولايات المتحدة على إسرائيل؟

إن السبب الرئيس الذي جعل الرؤساء الأمريكيين السابقين يمتلكون نفوذًا أقل مما يفترضه البعض هو قوة اللوبي الإسرائيلي، الذي جعل التهديد بتخفيض الدعم الأمريكي مخاطرة سياسية.


واجهت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، انتقادات لاذعة بسبب فشلها في وقف العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.

وبينما يظن النقاد أن بايدن يمتلك نفوذًا هائلًا على إسرائيل ويمكنه بكلمة واحدة أن يجبرها على تغيير مسارها، أشار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، ستيفن والت، إلى أن هذا الافتراض ليس صحيحًا، وأن الكثير من الدول الأضعف ترفض الامتثال للمطالب الأمريكية.

مقاومة الضغوط

في تحليل بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، اليوم الخميس 21 مارس 2024، ضرب والت أمثلة لعدد من الدول التي قاومت الضغوط الأمريكية، ومنها صربيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا تحت حكم نيكولاس مادورو، وسوريا تحت حكم بشار الأسد.

وهؤلاء القادة استطاعوا تحدي الضغط الأمريكي لأنهم لم يكونوا معتمدين على الدعم الأمريكي، وكل واحد منهم اعتقد أن خسارته إذا امتثل ستكون أكبر من خسارته إذا تمسك بموقفه. ويقاوم الحلفاء المقربون الضغوط الأمريكية في بعض الأحيان، مثل ألمانيا التي واصلت بناء خط أنابيب “نورد ستريم 2” رغم الاعتراضات الأمريكية.

والأمر ينطبق أيضًا على بعض الدول التي تعتمد على الولايات المتحدة بشدة، مثل أفغانستان، التي رفض قادتها تطبيق الإصلاحات التي طلبها المسؤولون الأمريكيون، وأوكرانيا، التي رفضت النصيحة الأمريكية عند التخطيط للهجوم المضاد الصيف الماضي. وبالمثل، قاوم القادة الإسرائيليون الضغوط الأمريكية في عدة مناسبات.

من أين يأتي النفوذ؟

أوضح والت أن تزويد الدول العميلة بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية، والحماية الدبلوماسية، وغيرها من المنافع، توفر للدولة الراعية قدرًا كبيرًا من النفوذ عندما تكون شبه محتكرة لهذه المساعدات.

وتهتم الدولة الراعية بنفس قدر اهتمام الدولة العميلة بالقضايا المطروحة، ولا توجد عراقيل داخلية أمام التلاعب بمستوى المساعدات للضغط على الدولة العميلة كي تمتثل.

لكن هذا النفوذ يقل إذا استطاعت الدولة العميلة الحصول على مساعدات مماثلة من دولة أخرى، أو إذا كان اهتمامها بالقضايا محل النزاع أكبر بكثير من الدولة الراعية وبالتالي تكون مستعدة لدفع ثمن تراجع الدعم، أو إذا كانت الدولة الراعية لا تستطيع تقليل الدعم بسبب قيود داخلية أو مؤسسية.

العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

استعرض الأكاديمي الأمريكي الوضع الحالي للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل لتوضيح إلى أي مدى يمكن أن يصل النفوذ الفعلي لبايدن. ولفت إلى أن إسرائيل لا تزال معتمدة بشدة على الأسلحة الأمريكية.

الدعم الأمريكي لإسرائيل

الدعم الأمريكي لإسرائيل

ورغم أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تنتج أسلحة متقدمة، وإسرائيل نفسها لديها صناعات دفاعية متطورة، فإن إعادة تزويد قواتها في حالة قطع الدعم الأمريكي ستكون عملية صعبة ومكلفة.

ونظرًا للحماية الدبلوماسية الأمريكية لإسرائيل، سواء في صورة الفيتو بمجلس الأمن أو الضغط على الدول الأخرى للامتناع عن انتقاد إسرائيل، سيكون من شبه المستحيل استبدال الدعم الأمريكي. ولهذا السبب يعتقد الكثير من المراقبين أن كل ما يحتاج بايدن إلى فعله هو التهديد بتخفيض الدعم ولن يملك بنيامين نتنياهو خيارًا سوى الامتثال.

اهتمامات مختلفة

رغم أنه من الصعب الضغط على الدول العميلة الأضعف عندما تهتم أكثر بالقضايا على المحك، قال والت إن توازن العزم قد يتغير الآن بطرق تعزز يد الولايات المتحدة.

ورغم أن شعبية نتنياهو تتراجع في إسرائيل، يدعم الرأي العام الحملة العسكرية في غزة، وحتى أقرب المنافسين السياسيين لنتنياهو لا يزالون متمسكين به حتى الآن.

وإضافة إلى هذا، فإن معارضة نتنياهو لحل الدولتين أو أي نوع من السلام العادل مع الفلسطينيين، ورغبته في تجنب الملاحقة القضائية بتهم الفساد، واعتماده على أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة للبقاء في السلطة، تعني وجود قائد إسرائيلي قد يتحدى التهديد الأمريكي العلني بحجب المساعدات.

التناقضات الأمريكية

أشار والت إلى أن الأزمة الحالية في غزة تضر بصورة الولايات المتحدة حول العالم وتجعل إدارة بايدن تبدو عديمة الرحمة وغير فاعلة، بسبب تناقضات السياسة الأمريكية. فواشنطن تنفذ عمليات إنزال جوي للغذاء على سكان غزة النازحين والجوعى، في حين تزود إسرائيل بالسلاح.

صفقات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل منذ بدء العدوان على غزة

صفقات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل منذ بدء العدوان على غزة

وهذا الوضع قد يعرّض فرص إعادة انتخاب بايدن للخطر، ما يمنح البيت الأبيض سببًا آخر لاتخاذ موقف أكثر صرامة. وهكذا فإن توازن العزم يميل لصالح واشنطن.

القيود الداخلية

إن السبب الرئيس الذي جعل الرؤساء الأمريكيين السابقين يمتلكون نفوذًا أقل مما يفترضه البعض هو قوة اللوبي الإسرائيلي، الذي جعل التهديد بتخفيض الدعم الأمريكي مخاطرة سياسية. لكن هذا الوضع قد يتغير بالتدريج، حسب والت.

وظهر هذا في خطاب السيناتور الأمريكي، تشاك شومر، أحد أشرس المدافعين عن إسرائيل، الذي صرّح فيه أن سياسات نتنياهو تضر إسرائيل. وكذلك تشهد التوجهات داخل الجهاز السياسي الأمريكي تحولًا، خاصة في أوساط الشباب.

ورغم وجود عقبات سياسية هائلة أمام جعل الدعم الأمريكي مشروطًا بسلوك إسرائيل، فإن الأمر ليس مستبعدًا كما كان قبل سنوات.

ما حجم نفوذ واشنطن؟

خلص والت إلى أن واشنطن لديها قدر كبير من النفوذ المحتمل هنا، والحواجز أمام استخدامه أقل مما كانت عليه في الماضي. لكن لأن عزم قادة إسرائيل الحاليين بشأن القضية يظل مرتفعًا، فإن التهديدات الموثوقة بتخفيض الدعم الأمريكي قد لا تدفعهم إلى تغيير المسار.

وليس من الواضح كذلك إذا كان بايدن أو مستشاروه قادرين على إجراء التكيف العقلي اللازم للانتقال من نهجهم الفاشل الحالي إلى نهج أكثر فاعلية.

ربما يعجبك أيضا