محاكمة هجمات باريس تعيد استفزازات “شارلي إبدو” للواجهة

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

محاولة استفزازية جديدة من مجلة “شارلي إبدو” الفرنسية للإساءة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عبر نشرها رسوما كاريكاتيرية مسيئة، تزامنًا مع بدء محاكمة المتهمين في الهجوم الذي تعرضت له المجلة قبل أكثر من خمس سنوات وأوقع قتلى، لتؤكد استمرارها في سياستها التي أثارت موجة غضب في العالم الإسلامي، كل ذلك يأتي مع تصريحات مثيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد فيها أنه لن يندد بمعاودة نشر الرسوم المسيئة دفاعًا عن حرية التجديف وتضامنًا مع شارلي إبدو التي تعرضت للهجوم، الذي ندد به المسلمون حينها من مختلف أنحاء العالم تعبيرًا عن رفضهم للإرهاب.

استفزاز جديد لـ”شارلي إبدو”

تعاود مجلة شارلي إبدو الفرنسية الساخرة نشر رسوم مسيئة بحق النبي أثارت موجة غضب في العالم الإسلامي، وذلك مع بدء محاكمة المتهمين في الهجوم الذي تعرضت له المجلة عام 2015 وأسفر عن مقتل 12 شخصًا من بينهم أشهر رسامي الكاريكاتير في فرنسا.

من جهته، كتب رئيس التحرير لوران سوريسو في مقال سيصاحب الرسوم التي ستنشر على غلاف المجلة اليوم الأربعاء “لن ننحني أبداً. لن نستسلم”.

ومن المقرر أن تعيد المجلة نشر رسوم مسيئة قد نشرتها من قبل صحيفة دنماركية في عام 2005 أثارت موجة غضب من العالم الإسلامي، الذي أعرب عن رفضه للعنصرية والاضطهاد الذي تشنه بعض الصحف ضد الدين الإسلامي والمسلمين، لتعود وتتهمهم بالإرهاب في المقابل.

وبعد نحو خمس سنوات على الحادث، اعتبر كتب فريق التحرير أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لإعادة نشر الرسوم و”ضروري” مع بدء المحاكمة.

وسينظر البعض إلى قرار إعادة نشر الرسوم باعتباره بادرة تحد دفاعًا عن حرية التعبير. لكن آخرين قد يعتبرونه استفزازًا جديدًا من المجلة التي أثارت لوقت طويل الجدل بهجومها الساخر على الدين.

هجمات باريس 2015

بدأ الهجوم صباح يوم 7 يناير 2015، حين اقتحم الأخوان شريف وسعيد كواشي مقر صحيفة “شارلي إبدو” الأسبوعية الساخرة، في الدائرة 11 شرق باريس، وأطلقا الرصاص عشوائيا ليقتلا 11 شخصًا غالبيتهم من هيئة التحرير، ثم لاذا بالفرار بعد أن قتلا الشرطي أحمد مرابط البالغ من العمر 42 عامًا.

وتمكنت قوات خاصة تابعة للشرطة الفرنسية في 9 يناير، من القضاء على الإرهابيين المهاجمين، بعد يومين من المطاردة، وذلك في مطبعة دخلاها في دامارتان-أون-جول بشمال شرق باريس، حيث احتجزا رهينة جرى تحريرها دون أن تتعرض لأذى.

الاعتداء الثاني جرى في 8 يناير، وقتل حينها، الإرهابي الجهادي أميدي كوليبالي، شرطية تدعى كلاريسا جان فيليب عمرها 27 عاما، كانت في طريقها لمعاينة حادث مروري عادي في بلدة مونروج.

وفيما كانت القوات الخاصة التابعة للشرطة الفرنسية تحاصر في 9 يناير الأخوين كواشي، اقتحم كوليبالي المتجر اليهودي “إيبر كاشير”، قرب حي فانسين بشرق باريس، واحتجز رهائن ثم قتل أربعة منهم جميعهم يهود، وتمكنت الشرطة من القضاء عليه في نفس المكان.

“اعتداءات باريس” هزت الرأي العام في فرنسا والعالم، وسار الملايين في 11 يناير 2015 في شوارع العاصمة الفرنسية، بينهم عدة رؤساء دول وحكومات تنديدا بها.

وكانت تلك الهجمات بداية لسلسلة من الاعتداءات الإرهابية في فرنسا، منها هجمات 13 نوفمبر في باريس والضواحي الشمالية، التي خلفت 130 قتيلاً وأكثر من 350 جريحًا.

محاكمة تاريخية

واليوم تنطلق في باريس محاكمة 14 شخصًا متهمين بالتورط في اعتداءات إرهابية في باريس نفذت مطلع يناير 2015، وأسفرت عن مقتل 17 شخصًا.

 ووصفت وسائل إعلام فرنسية هذه المحاكمة التي ستستمر 50 يومًا بـ”التاريخية”، مشيرة إلى أنها الأولى من نوعها في فرنسا منذ عام 2017، وهي أيضًا أول محاكمة من نوعها سيسمح بتصويرها، بسبب “أهميتها للأرشيف القضائي”.

ويشتبه في أن المتهمين الأربعة عشر قدّموا دعمًا لوجستيًا لمرتكبي الهجمات، وسيحاكم ثلاثة منهم غيابيًا بينهم صديقة كوليبالي، حياة بومدين، والأخوان محمد ومهدي بلحسين اللذان فرا قبل الهجمات مباشرة إلى العراق أو سوريا، فيما رجحت تقارير غير مؤكدة بصورة رسمية مقتل الثلاثة، إلا أنهم لا يزالون ملاحقين بمذكرات توقيف.

ووجه القضاء تهمة “التواطؤ” في جرائم إرهابية، تحت طائلة السجن المؤبد، ضد محمد، أكبر الأخوين بلحسين، وضد علي رضا بولات الصديق المقرب لكوليبالي والذي سيكون من بين المتهمين، في حين يشتبه في أن بولات، لعب دورًا رئيسيًا في التحضير للهجمات، وخاصة توفير الأسلحة.

أما باقي المتهمين، فسيحاكمون بشكل أساسي بتهمة “تشكيل جماعة إرهابية إجرامية”، ويواجهون عقوبة السجن لمدة عشرين عامًا، فيما يمثل شخص واحد فقط طليقا تحت الرقابة القضائية بتهمة “الارتباط مع مجرمين”، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن عشر سنوات.

ووفقًا لما ذكرته “إذاعة فرنسا الدولية” فإن عدد المدعين في القضية بلغ 200 شخص، كما سيحضر المحاكمة عدد من الناجين من الهجوم، للإدلاء بشهاداتهم.

يذكر أن المحاكمة كانت مقررة في مارس الماضي، ولكنها تأجلت بسبب انتشار فيروس كورونا. ويتوقع أن تستمر إلى شهر نوفمبر.

ماكرون يثير الجدل

من جهته، رفض الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التنديد برسوم كاريكاتير مسيئة للرسول (ص) بمجلة “شارلي إبدو” الفرنسية الساخرة، لافتًا إلى أن بلاده تتمتع بحرية التعبير وحرية العقيدة، ومن ثم فعلى المواطنين الفرنسيين إظهار الكياسة واحترام بعضهم وتجنب الانسياق وراء حوار الكراهية- على حد قوله.

وقال ماكرون: “غداً سيذهب تفكيرنا جميعاً إلى النساء والرجال الذين قُتلوا بطريقة جبانة” في الهجوم المسلّح الذي استهدف مقرّ شارلي إيبدو في باريس في يناير 2015 وأوقع 12 قتيلاً من أفراد هيئة تحرير الصحيفة الساخرة.

جدير بالذكر أنه بعد  نشر الرسوم في عام 2006، حذر متشددون على الإنترنت من أن المجلة ستدفع ثمن سخريتها. ورداً على الرسوم قال المجلس الفرنسي للدين الإسلامي على تويتر “حرية الرسوم الكاريكاتورية وحرية كراهيتها مكفولتان ولا شيء يبرر العنف”.

وفي عام 2007، رفضت محكمة فرنسية ما ذهبت إليه جماعات إسلامية من أن نشر الرسوم حرض على كراهية المسلمين.

لا شك أن الإصرار على إعادة نشر هذه الرسوم المسيئة، يحرض على الكراهية ويؤجج مشاعر أتباع الدين، وهو ما بدا في إدانات الأزهر الشريف ودول العالم الإسلامي، ويقف حائط صد نحو خلق بيئة صحية يعيش فيها الجميع على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم، ويعد استفزازًا غير مبرر لمشاعر ما يقارب الملياري مسلم حول العالم، كما أنه كفيل بأن يعرقل جهودًا عالمية قادتها كبرى المؤسسات الدينية على طريق الحوار بين الأديان، بلغت ذروتها بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين أكبر رمزين دينيين في العالم، خلال فبراير العام الماضي.
   

ربما يعجبك أيضا