مصالح متقاطعة..موقف روسيا من الهجوم التركي على الشمال السوري

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي 

منذ دخولها الحرب السورية، تصر روسيا على قلب موازين الحرب لصالحها، بعدما قطعت قوات المعارضة شوطًا كبيرًا لهزيمة الأسد بمساعدة الولايات المتحدة، بينما انقلبت الحرب رأسًا على عقب بدخول موسكو، إذ ألقت بكل ثقلها لمناصرة النظام السوري، وبالتالي هزيمة واشنطن وحلفائها، فتعاونت موسكو على كافة الفواعل الإقليمية للتخلص من النفوذ الأمريكي.

تكمل روسيا اليوم دورها في إضعاف النفوذ الأمريكي داخل سوريا، بالموافقة الضمنية على الهجوم التركي الذي أعلنت عنه أنقرة بضرورة القضاء على إقامة أي “ممرات إرهابية” على الحدود الجنوبية لها؛ ويقصد بذلك تمركزات قوات سوريا الديمقراطية، ذات أغلبية كردية، التي ترتكز في مدن الشمال السوري، وترى تركيا أنها تهدد أمنها القومي.

تتبع روسيا سياسة واضحة منذ دخولها الحرب السورية عام 2015؛ وهي إعادة ميزان القوى لصالح نظام الأسد، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية تحت نظام الأسد. بعدما وصلت المعارضة السورية إلى مشارف العاصمة دمشق قبيل دخول روسيا الحرب، باتت اليوم معظم الأراضي ضمن نفوذ الأسد، وترحيل كافة المعارضة السياسية إلى محافظة إدلب. وفي إطار تلك السياسة، كيف يُفهم موقف روسيا من العملية العسكرية التركية الأخيرة “نبع السلام”؟

أعلن بوتين، أنه يٌقيم الأوضاع بـ”حذر” كي لا تتضرر الجهود التي توصلت لها كل من أنقرة وطهران وموسكو في مبادرة أستانة لحل الأزمة السورية. حسبما أعلنت “سي إن إن”. ومن المرجح أن تتقاطع مصالح أنقرة وموسكو بشأن سماح الأخيرة بشنّ عملية نبع السلام، وذلك لعدة أسباب نرصدها في:

تفريغ الدعم الأمريكي

إبان الإعلان عن الانسحاب الأمريكي، هاجمت دول أوروبية قرار ترامب بتخليه عن دعمه للأكراد، وبل وقوبل بهجوم من أعضاء الحزب الجمهوري نفسه، ووجدت القوات الكردية نفسها أمام طعن أمريكي لها قبيل تجهيز الجيش التركي للدخول إلى المدن المتخامة للحدود الجنوبية. وقد تستفيد أمريكا من تلك الخطوة في اظهار التخبط الأمريكي والمتزعزع، ولا سيما في الأطراف الإقليمية المعتمدة عليه، إذ لم تجد أمامها سوى روسيا لضرورة التحالف معه، ومن ثم إضعاف للدور الأمريكي بالمنطقة. 

من جانبه، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن موسكو تدعو للحوار بين حكومة النظام السوري والأكراد بشأن الوضع في الشمال الشرقي من البلاد. وأضاف لافروف “من المهم تجنب زيادة التوتر في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا”.  إلى ذلك، حذر من أن السياسات الأمريكية في سوريا قد “تشعل” المنطقة برمتها.

تعزيز العلاقات مع أنقرة

تعززت العلاقات بين البلدين بشأن التوصل لتفاهمات مشتركة حول مصالهما في سوريا وعلى أثرها دخلا في اتفاقات مثل أستانة وسوتشي مع  الجانب الإيراني لضمان التوصل لتسوية مستقبلية بشأن الصراع السوري، علاوة على ذلك ترغب روسيا في إخراج تركيا، على الأقل تحييدها، من المعسكر الغربي، ولا سيما لكونها ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، كما تكللت العلاقة بنجاح صفقة الدفعات الروسية لأنقرة بحصول الأخيرة على صواريخ “S 400” برغم تحذيرات واشنطن بوقف صفقاتها بشأن طائرات “F 35″، وكان الأمر تعزيزا للقوة الروسية في منطقة الشرق الأوسط، بجانب ترويجها لأسلحتها داخل معسكر الناتو.

بجانب علاقة الطرفين السياسية والأمنية، تلاقت مصالحهما الاقتصادية بشأن تغيير روسيا لسير الغاز الطبيعي الخاص بها ليمر عبر الأراضي التركية بدلًا من الأوكرانية، عقب انضمام شبه جزيرة القرم إليها بعام 2014، ذات الأمر الذي تسانده تركيا ليضيف إليها ثقل دولي في مواجهة الدول الأوروبية الرافضة لدخولها الاتحاد الأوروبي، وبالتالي ورقة ضغط إضافية بعد ملف اللاجئيين السوريين.

بروز سياسة الفاعل الوحيد

بخروج أمريكا من سوريا، تكون روسيا هي الفاعل الوحيد داخل سوريا، عبر تجميع كافة التضادات والمصالح الإقليمية تحت رايتها، إذ كان الملف الكردي هو الوحيد الذي كان خارج سلطتها، كما كانت قبضتها ضعيفة داخل الشمال السوري، ولذا جاءت “المناطق الآمنة” التركية تحقيق للإرادة الروسية في خروج أمريكا من سوريا، وبدء مناشات سورية- كردية بدعم روسي بعيدً عن الإملاءات الأمريكية.

وختامًا، من المرجح أن تقيم روسيا مناوشات ثائية بين كل من النظام السوري وتركيا حول حدود المناطق الآمنة، ومن ناحية أخرى مناقشات بين النظام السوري والأكراد حول أماكن تمركزهم، مثلما أشارت أنباء أعلنها المرصد السوري اليوم عن وجود اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وروسيا لتسليم عين العرب (كوباني) ومنبج للنظام السوري والسماح لهم بالدخول إليهما.

ربما يعجبك أيضا