معركة الدراما التاريخية.. هل يتفوق الحشاشين على أرطغرل؟

الحشاشين vs القيامة.. من ينتصر حسن الصباح أم أرطغرل؟

أحمد العشري
المصري vs التركي.. معركة الدراما التاريخية تشعل المنافسة بين الحشاشين وأرطغرل

على مدار السنوات الماضية، احتوت الدراما العربية على الكثير من الأعمال التاريخية، سواء كانت دينية أو سياسية، أو الاثنين معًا، ومع كل عمل تنشأ العديد من التساؤلات التي لم تنته، وفي نفس الوقت لا تقتصر على مدى مصداقية تلك الأعمال ومدى توافقها مع حرية الإبداع والخيال واحترام الحقائق التاريخية، بل أصبح الأمر يتعلق بطبيعة المغزى السياسي من وراء استخدام التاريخ في هذه الأعمال، التي لا يخلو بحسب كثير من المتابعين والنقاد من ترميز متعمد للواقع.

وعلى مدى عقود، كانت الدراما التاريخية العربية تقدم أعمالًا مهمة لم تحاول إثارة بها الجدل بشأن طبيعة الأفكار السياسية أو التوظيف السياسي، خاصةً وأنها كانت تركز فقط على تقديم سير لشخصيات ليست محط خلاف سياسي أو أيديولوجي كبير، وتسلط الضوء فقط على الجانب الديني، مثل: «الإمام الشافعي»، و«عمر بن عبدالعزيز»، و«الرسول محمد صلى الله عليه وسلم»، و«خالد بن الوليد»، وغيرهم.

الأعمال التاريخية في الدراما العربية

حتى عندما استحضرت الدراما المصرية شخصيات مثيرة للجدل مثل عمرو بن العاص أو الخليفة العباسي هارون الرشيد، تمحورت تلك الأعمال بشكل أساسي حول البعد الإنساني لتلك الشخصيات، مع التركيز على جوانبها الإنسانية والدينية دون التركيز بشكل كبير على الجوانب السياسية.

ولكن تغيرت الكثير من الأمور في السنوات الماضية خاصةً مع انتشار بعض الأفكار والجماعات، وأصبح الجميع يتحدث عن كل عمل تاريخي يطرح، من منظور خاص حول أبعاد التوظيف الدرامي، سواء كان مرتبطًا بالسياسة أو الرسائل الموجهة لتلك الأعمال، وذلك ينطبق على حسب الدولة الطارحة للعمل.

وأصبح الجمهور يعتقد بأن استخدام التاريخ في هذه الأعمال يحمل أهدافًا أبعد من سرد قصص الشخصيات المعقدة والمثيرة للجدل السياسي والفكري، بل يسلط أيضًا الضوء على فترات تاريخية وأحداث مختارة بعناية من خلال إسقاطات ذات مغزى على الواقع الراهن.

الأعمال الدرامية الدينية التاريخية

الأعمال الدرامية الدينية التاريخية

الحشاشين أم قيامة أرطغرل؟

هذا العام وخاصةً في السباق الرمضاني الجاري لعام 2024، طرح في مصر والوطن العربي مسلسل «الحشاشين»، الذي يطرح في ظاهره القصة التاريخية لواحدة من أشهر وأقوى الطوائف الدينية التي مرت على التاريخ الإسلامي وهي طائفة الحشاشين، أو طائفة حسن الصباح، والتي لقبت بعد ذلك بالطائفة التي أرعبت العالم.

وأخذت طائفة الحشاشين هذا الوصف، بعدما أرهبت أوروبا والشرق في القرون الوسطى، ودخلوا في عداء مع المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وقتلوا رموزهم باغتيالات كانت الأدق والأكثر ذكاء في التاريخ، فلذلك جاء وصفهم في التاريخ مرتبطًا بالرعب للجميع.

طائفة الحشاشين

طائفة الحشاشين

وبعيدًا عن الأفكار المطروحة في مسلسل الحشاشين وما ورائها من أبعاد، إلا أن بعد النجاح الكبير والجدل المطروح على الساحة أدخل البعض العمل في مقارنة «غير منصفة» مع المسلسل التاريخي الشهير قيامة أرطغرل، العمل الذي ناقش تأسيس الدولة العثمانية، ودوافع التأسيس من خلال استعراض سيرة حياة الغازي أرطغرل بن سليمان شاه، الذي كان قائدًا لقبيلة آل كايي من أتراك الأوغوز المسلمين، ووالد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية، وعرض على 5 أجزاء متوالية ابتداءً من نهاية عام 2014.

المصري vs التركي.. معركة الدراما التاريخية تشعل المنافسة بين الحشاشين وأرطغرل

المصري vs التركي.. معركة الدراما التاريخية تشعل المنافسة بين الحشاشين وأرطغرل

إنتاجيًا

يعتبر مسلسل الحشاشين كبداية وجزء أول، إنتاجيًا أعلى من مسلسل قيامة أرطغرل، خاصةً وأن الأخير بدأ بطريقة بسيطة وتكلفة إنتاجية متوسطة، ولكن ما كان يميزه قليلًا عن الأول أحداثه المشوقة جدًا، والتي جذبت شريحة كبيرة من الجمهور، وحقق نجاح منقطع النظير خلال عرض الموسم الأول، لدرجة أنه قنوات إسرائيلية أذاعت حلقاته، رغم اختلاف معتقدات المسلسل مع أفكارهم.

أما الحشاشين، فيبدأ أولى مواسمه بتكلفة إنتاجة ضخمة جدًا، فحسب مهندس الديكور الخاص بالعمل أحمد فايز، وتصريحاته الإعلامية، فقام بتنفيذ ديكورات المسلسل أكثر من 600 عامل، من مهندسين، وعمال، وحدادين، ونجارين وغيرهم، عملوا عليه لمدة سنة كاملة، اهتموا فيهم بتفاصيل حضارات مختلفة، سواء كانت الفاطمية، أو الفارسية، أو العباسية والعثمانية، وأجزاء من الحضارة الهندية ومدينة أصفهان، وهو أيضًا ما كان في قيامة أرطغرل، ولكنه لم يكن بنفس الدقة.

وقام صناع المسلسل ببناء كل المدن بتفاصيلها داخل مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية، وتم تصوير مشاهد العمل بنسبة 90% بداخلها، والتصوير الخارجي كان في مدينة كازاخستان، وجزء كبير من الطبيعة والمياه والمراكب كان في مالطا، وهو ما كلف صناع العمل ملايين الجنيهات حتى يخرج بهذا الشكل.

المشاهدات

على مدار مواسم مسلسل أرطغرل، اهتمت الدولة التركية بالعمل، وفتحوا الأبواب أمام الميزانية تدريجيًا، وأصبح تنفيذ القلاع لها شكل أقوى من بداية الموسم، بجانب استعانتهم بمقاتلين وأحصنة أكثر عن بداية انطلاق المسلسل، حتى وصلت التكلفة الإنتاجية للمسلسل بأنها تكون الأضخم والأكبر في التاريخ التركي وفي الشرق الأوسط وقتها، إذ وصلت إلى 400 ألف دولار في الحلقة الواحدة.

أما المشاهدات، فانتشر المسلسل بشكل كبير وفي وقت قياسي، وعكس توقع الدولة له، لدرجة أنه حقق مليارات المشاهدات، في 2019 فقط وصلت إلى 2 مليار مشاهدة ومثلهم في 2020 رغم انتهاء فترة عرض العمل، وذلك حسب موقع The Ranking لقائمة أعلى المسلسلات مشاهدة، وهذا لأنه كان يعرض في أكثر من 71 دولة، ومترجم لأكثر من لغة، وذلك بجانب دبلجته في 25 دولة، فالمقارنة بينه وبين الحشاشين من هذا الجانب ستكون ظالمة بكل تأكيد، خاصةً في بدايات المسلسل المصري.

مسلسل قيامة أرطغرل

مسلسل قيامة أرطغرل

الجودة الفنية والإخراجية

في قيامة أرطغرل، العمل كان يركز على الحياة اليومية للقبائل التركية بشكل مميز جدًا، لدرجة أن المشاهدين كانوا يشعرون من الملابس والخيام والأسواق التي يستعرضها العمل، أنهم يعيشون في القرن الثالث عشر الميلادي، بجانب أن المسلسل كان يركز بشكل كبير على المعالم الطبيعية في تركيا، بجانب تصميم المعابد، التي كانت تعكس مدى الاهتمام بالطابع الديني في تلك الحقبة، خاصةً وأن العمل كان يركز بشكل كامل على الجانب الديني البحت.

مسلسل قيامة أرطغرل

مسلسل قيامة أرطغرل

لكن من جانب مسلسل الحشاشين، فهو يهتم أيضًا بناحية الملابس والخيام والأكواخ والقصور بشكل صريح جدًا وأفضل من أرطغرل، حتى أنه يتميز عنه في الصورة والكادرات الجمالية والإخراجية، وذلك نظرًا لتطور طرق التصوير والإبداع الفكري والتكنولوجيا الحديثة، وذلك مع التركيز أيضًا على الصراع السياسي والطائفي بين حسن الصباح أو الحشاشين والدولة السلجوقية ونظام الملك وقتها، مع تسليط الضوء على أفكار ومعتقدات الباطنيين، وما كانوا يرسخونه في عقول مريديهم.

الموسيقى التصويرية

استخدم صناع مسلسل أرطغرل موسيقى تصويرية قوية، جعلت المشاهدين يتعايشون في الأحداث، ومن أبرزها الموسيقى التي ظهرت مع الشامان المغولي، والموسيقى التي لازمت البطل عند قيامه بعمل بطولي.

أما عن موسيقى الحشاشين، فهي لا تقل إبداعًا عن أرطغرل، بل من الممكن أن تكون في بعض الأوقات أفضل، خاصةً وأن صناع العمل لجأوا فيها إلى الموسيقار التونسي أمين بوحافة، الذي يمتلك رصيدًا كبيرًا من المشاركة بعدد من الأعمال المهمة في مشواره المهني، منها «ونوس»، و«جراند أوتيل»، وله شعبية كبيرة في الدراما المصرية.

وحسب تصريحات أمين بوحافة الإعلامية، فإن التجهيز للموسيقى التصويرية تطلب منه أشهرًا عدة، وتطلب الكثير من البحث لكيفية تقديم موسيقى تتناسب مع ملامح شخصية حسن الصباح، والشخصيات الأخرى مثل السلطان والوزير وأيضًا الموسيقى التي ارتبطت بالأماكن التي دارت حولها الأحداث مثل قلعة ألموت، وكذلك التفكير في الآلات المستخدمة والأصوات والأناشيد والأدعية.

وكشف عن تسجيلهم الموسيقى في أكثر من بلد واستعانا بأصوات مميزة، وكذلك الأوركسترا التي فاقت الـ90 عازفًا والكورال الذي تكون من أكثر من 45 منشدًا، بجانب استخدام آلات إيرانية وتركية وعربية، وإنشاد صوفي، وآلات شرقية وأوركسترا سيمفوني، ومزجوا كل هذه الأنواع من الآلات والموسيقى مع بعضهم.

هل يحقق مسلسل الحشاشين نجاح أرطغرل؟

من أهم أسباب النجاح الكبير الذي حققه أرطغرل، أنه كان يلعب على المشاعر الدينية الإسلامية، وكيف أن استطاع البطل المسلم أن يهزم المغول والصليبيين، رغم قوتهم في تلك الحقبة الزمنية، ورغم المعاناة التي تعرض لها البطل والقبائل التركية، إلا أنهم استطاعوا أن ينتصروا في النهاية، ويمهدوا الطريق لقيام دولة إسلامية قوية.

ولذلك هناك اختلاف كبير بين العملين من ناحية الرسالة التي يحملها والأفكار التي يبثها ومتبنيها، وهو ما ساعد في نجاحه، أما الحشاشين فيركز على الصراع السياسي والأفكار الفلسفية وهو ما يستهدف فئات معينة من المشاهدين، ويحد من انتشاره ونجاحه بشكل ساحق وكبير، ولكن من المتوقع أيضًا أنه سيفتح الباب بعد ذلك أمام الجميع للقيام بأعمال ذات إنتاج عالي بجودة فنية تليق بالجمهور.

وهو ما قام به قيامة أرطغرل، بعد أن فتح الباب على مصراعيه أمام الدولة التركية لإنتاج المزيد من المسلسلات التاريخية، خاصةً وأنه نقل القوة الناعمة في تركيا بشكل كبير، لدرجة أن هناك دول طالبت استضافت أبطاله لتكريمهم أمام شعبها.

الاستمرارية مفتاح النجاح

نجاح أرطغرل الكبير أجبر صناع المسلسل على الاستمرار في عرضه لـ150 حلقة، على مدار 5 مواسم، الحلقة الواحدة متوسط وقتها يصل إلى الساعتين، فهذه الاستمرارية التي وصلت إلى 5 أعوام هي من أكدت النجاح الكبير للعمل على كافة الأصعدة، واستطاعت من خلاله الدولة التركية ترسيخ مفاهيمها بجانب التأكيد على قوة الدين والدولة الإسلامية.

لذلك يأتي السؤال، هل هذه الاستمرارية ستطول مسلسل الحشاشين، ويذاع صيته كما حدث مع قيامة أرطغرل، أم سينتهي بانتهاء سباق الموسم الرمضاني؟ هذا ما سنعرفه خلال الأيام المقبلة.

ربما يعجبك أيضا