منافسة أمريكية روسية.. من يربح القوى الوسطى؟

منافسة أمريكية روسية.. من يربح القوى الوسطى؟

آية سيد
هدد بعواقب وخيمة.. ما خيارات بايدن بعد وفاة نافالني؟

تحاول القوى الوسطى تجنب التورط في منافسات القوى العظمى والاضطرابات العالمية، وفي بعض الحالات، تحاول استغلال منافسة القوى العظمى للنهوض بمصالحها.


رغم تسبب الحرب الروسية الأوكرانية في اتساع الفجوة بين الغرب وروسيا، إلا أن موسكو تمكنت من زيادة نفوذها في العديد من الدول المعروفة بـ”القوى الوسطى”.

وقال الزميلان غير المقيمين بمؤسسة بروكنجز، دانيال هاميلتون، وأنجيلا ستينت، إن التحدي أمام واشنطن هو مواجهة المعلومات المضللة الروسية، وإظهار أن الفرص المثمرة موجودة لدى الولايات المتحدة وحلفائها.

موقف القوى الوسطى

في تحليل نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، اليوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2023، أوضح الباحثان أنهما أجريا مجموعة من الحوارات مع عدد من الخبراء والباحثين وصناع السياسة من 7 دول شريكة للولايات المتحدة، وهي البرازيل، والهند، وإندونيسيا، وإسرائيل، والمكسيك، وجنوب إفريقيا، وتركيا.

وهدفت الحوارات إلى مناقشة القضايا الجوهرية في علاقات هذه الدول مع روسيا، وكيف تتعامل حكوماتها مع موسكو، ونظرتها للحرب الروسية الأوكرانية. وبوجه عام، وجد الباحثان عزوفًا عن الانحياز لجانب في ما اعتبره المتحدثون “صراعًا أوروبيًا بحتًا”.

وخلص الباحثان إلى أنه في عالم يشهد منافسة متجددة بين القوى العظمى، تبحث القوى الوسطى عن الفرص، وليس الانحيازيات، واستعرضا الطرق التي توسع بها روسيا نفوذها في هذه الدول.

الروايات الروسية

كانت الاستراتيجية الناجحة الأولى للكرملين هي نشر المعلومات المضللة، التي استطاع من خلالها إقناع جزء كبير من العالم بأن توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) يهدد وحدة الأراضي الروسية، وموسكو لم يكن لديها خيار سوى الدفاع عن نفسها عبر شن “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

ولفت الباحثان إلى أن موسكو بارعة في استغلال الحذر تجاه واشنطن في دول مثل البرازيل، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وجنوب إفريقيا. كما أن الرواية الروسية بشأن الحرب تستفيد من الاستياء المنتشر من الولايات المتحدة، ولذلك حققت المنافذ الإعلامية الروسية التي تنشر المعلومات والدعاية المضللة نجاحات في أنحاء العالم.

وتحت حكم فلاديمير بوتين، قدمت موسكو نفسها كمدافع عالمي عن القيم التقليدية في وجه المجتمعات الغربية الفاسقة التي تروج للإجهاض وحقوق المثليين، وتقمع الحرية الدينية، وتفرض تفضيلاتها الثقافية على الآخرين.

واستخدمت روسيا أيضًا الماضي السوفيتي، الداعم للحركات المناهضة للاستعمار الغربي، لخدمة أغراضها السياسية الحالية.

النفوذ الاقتصادي

الاستراتيجية الثانية للكرملين هي محاولة جذب الدول الأخرى إلى جانب روسيا، ورغم أن النفوذ الاقتصادي لروسيا يبدو ضئيلًا مقارنة بالغرب، فإن قدرة موسكو على الاستفادة من علاقاتها الاقتصادية واضحة، وفق الباحثين.

هل تصبح بريكس نسخة جديدة من حركة عدم الانحياز؟

قمة بريكس 2023

وتُعد الطاقة الأداة الرئيسة للنفوذ الاقتصادي، ورغم العقوبات الغربية، ووضع سقف لأسعار النفط، يستمر النفط الروسي في التدفق للأسواق العالمية.

وذكر الباحثان أن الهند هي المستفيد الأكبر، إذ تستورد 85% من نفطها من روسيا، وتستخدم موسكو كذلك صادرات الطاقة النووية، التي لم تخضع للعقوبات، لكسب النفوذ بالخارج.

وتأتي بعد ذلك الأسمدة والحبوب، التي تُعد ذات أهمية كبرى لإندونيسيا، وتركيا والدول الأخرى التي حللها الباحثان. وتستورد البرازيل رُبع أسمدتها من روسيا، ما يجعلها أكبر مستهلك للسماد الروسي.

الأسلحة والاستخبارات

تاريخيًا، سمحت مبيعات السلاح لموسكو بجمع الأرباح وبناء علاقات مع قادة الدول وجيوشهم، لكن دور روسيا في هذا المجال تراجع، حتى قبل بدء الحرب مع أوكرانيا، إلا أن الدفاع يظل حجر الزاوية لبعض العلاقات الثنائية، خاصة مع الهند، التي تُعد أكبر مشتري للسلاح الروسي.

منافسة أمريكية روسية.. من يربح القوى الوسطى؟

رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين

وتبذل روسيا جهودًا لاختراق أعلى دوائر السلطة في كل دولة من الدول التي خضعت للتحليل.

وأشار الباحثان إلى أن العمليات الاستخباراتية الروسية موسعة، وتشمل استخبارات بشرية، وسيبرانية، واستخبارات إشارات، إضافة إلى وحدات استطلاع وقوات خاصة، وتنتشر وحدات جمع الاستخبارات الروسية في مكسيكو سيتي بالتحديد، بسبب قربها من الولايات المتحدة.

ومن مصادر النفوذ الروسي أيضًا، وفق الباحثين، بناء علاقات وثيقة مع القادة والشخصيات المؤثرة، مثل علاقة بوتين والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وكذلك علاقات عملاء الكرملين الودية مع النخب السياسية بالخارج.

توسيع الخيارات

لفت الباحثان إلى أن أحد الأسباب المهمة وراء حفاظ روسيا على نفوذها هو توجهات السياسة الخارجية لتلك الدول. واقتبسا كلمات رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويليام برنز، الذي وصف هذه الدول بأنها قوى “وسطى متحوطة”، لأنها تهدف إلى “تنويع علاقاتها من أجل توسيع استقلالها الاستراتيجي وزيادة خياراتها”.

ومثل الولايات المتحدة وأوروبا، تمارس هذه الدول أشكالًا من “الحد من المخاطر” في وجه التيارات العالمية غير القابلة للتنبؤ. لكن الفرق هو أن القوى الوسطى تحاول تجنب التورط في منافسات القوى العظمى والاضطرابات العالمية الأخرى. وفي بعض الحالات، تحاول هذه الدول استغلال منافسة القوى العظمى للنهوض بمصالحها.

فرصة واشنطن

رغم نفوذ إدارة جو بايدن، تلتزم القوى الوسطى الحياد تجاه الحرب في أوكرانيا، وتحافظ على علاقاتها مع روسيا. لكن، حسب الباحثين، تستطيع واشنطن وحلفاؤها السعي من أجل تحقيق مكاسب متواضعة.

وقال الباحثان إن ذلك يشمل تعديل خطابهم لتقليل الدعم للتكتيكات والأهداف الروسية في أوكرانيا، وتجنب الإجراءات التي تستدعي اتهام الغرب بالنفاق، ومضاعفة السياسات التي تخاطب مصالح واحتياجات القوى الوسطى.

وحتى إذا أبقت هذه الدول على نهجها الحالي تجاه الحرب في أوكرانيا، يمكنها التعاون مع الولايات المتحدة في عدة قضايا أخرى.

ربما يعجبك أيضا