من حلب إلى تدمر.. آثار سوريا المدمرة تبعث من جديد

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

كانت البلدة العتيقة في وسط حلب مثل أعجوبة، وشاهدا على تعدد الثقافات والحضارات التي تركت بصمتها على المدينة في صورة صروح من المعمار، كما كانت تجسيدا للثروة المادية والثقافية التي جعلت من سوريا ذات يوم واحدة من أكثر الأماكن حظا وتحضرا على وجه الأرض.

وتنعم حلب بمناخ جيد وأرض خصبة وجمال مادي، بالإضافة إلى موقعها بين البحر المتوسط وطريق الحرير إلى الشرق.

“ولايتي الجميلة”، هكذا أطلق عليها الإمبراطور البيزنطي هرقل في القرن السابع، كما قال أثناء انسحابه من الفاتحين المسلمين في سوريا: “يا لها من جنة للعدو!”

ويعدد الكاتب روان مور، في تقرير نشرته صحيفة “الجارديان” البريطانية، ما كان في حلب من مشاهد، حيث القلعة على تلها الحصين، والأسواق العتيقة، وشبكة ضخمة من الأزقة والشوارع المغطاة، ومساحات تشتهر بمنتجاتها وحرفها اليدوية بقدر ما تشتهر بمعمارها وآثارها، وحركة للناس وأصوات الباعة وسط زخارف الأرابيسك والمباني التي تعود لقرون وأسلاك الكهرباء ووحدات التكييف.

ويشير الكاتب إلى الجامع الأموي الكبير، الذي بني في القرن الثامن الميلادي، وهو أحد أكبر وأقدم المساجد في حلب، ويقع المسجد في حي الجلوم في المدينة القديمة، والتي أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي عام 1986، حيث أصبح الجامع جزءاً من التراث العالمي، وهو يقع بالقرب من سوق المدينة، وهو يشبه إلى حد كبير في مخططه وطرازه الجامع الأموي الكبير بدمشق، وبنيت مئذنته في عام 1090 ميلادي، ودمرت في أبريل 2013 نتيجة للمعارك التي اندلعت هناك.

وتمثل الآثار القديمة التراث الأكثر إثارة للإعجاب خارج سوريا، ويقول ستيفان ويبر، مدير متحف الفن الإسلامي في برلين: “يمكن إصلاحه في أي وقت لاحق، وهو يستشهد بمثال كنيسة دريسدن فراونكيرش، والذي استغرق إعادة بنائها 60 عامًا بعد أن قصفت في عام 1945.

يقارن حلب ببرشلونة أو فلورنسا، اللتين تكمن عظمتهما في مجمل كل مدينة، ويقول: “لقد تميزت بتعدد الأديان وتراثها غير المادي وموسيقاها وطبخها، وما يميز هذه المدينة هو تراثها الثقافي الحي”.

تقول ديما ديوب، مهندسة معمارية من حلب تعمل الآن في برلين لصالح مبادرة التراث السوري: “الأولوية ليست الكنائس أو المساجد، بل أن يعود الناس، نحن بحاجة لمساعدة الناس على إعادة بناء منازلهم وسبل عيشهم، لذلك فإن الأسواق  والأحياء السكنية، التي تحول بعضها إلى حفر بسبب القنابل، هي الأكثر أهمية”.

يقول تييري غراندين، مهندس معماري يعمل في صندوق الآغا خان للثقافة، إن ترميمهم لبعض الأسواق قد ترافق مع جهود لضمان عودة أصحاب المتاجر الأصليين، كما أنهم يساعدون البنائين المحليين على تطوير تقنياتهم، وتدريب الناس بحيث تستمر المهارات وفرص العمل في المستقبل.

في عملية استغرقت حتى الآن خمس سنوات، تمت إعادة بناء 650 مترًا من السوق، من إجمالي 9 كيلومترات، ويقول غراندين إن الأمر سيستغرق “10 إلى 20 عامًا على الأقل”.

 تضيف ديوب: “بالنظر إلى الخبرة والتمويل المتاحين الآن، فإنني أحيي كل ما يحاول الناس القيام به، ولكن على المستوى الفني يمكن تحسينه، وفي الوقت الحالي لا توجد استراتيجية شاملة، فقط جهود الأفراد والوكالات، والتحدي الأكبر هو استعادة أفضل روح لبناء المدينة السورية”.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا
وتمثل آثار سوريا التي تم بناؤها على مدى آلاف السنين، كمدينة تدمر ذات التأثير الروماني، ومساجد وقصور الأمويين والعباسيين والعثمانيين، والقلاع الصليبية، أروع معمار في التاريخ، كما شهدت العديد من الثقافات والأديان، غالبًا ما تعيش في تسامح وتعاون، إلى أن حُبست في قفص الحدود القبيح الذي نصت عليه اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916.

يقول الكاتب: إن الإرث المعماري السوري كان ضحية معروفة وأداة دعائية للحرب الأهلية، فقد عُرف تنظيم الدولة “داعش” بتفجير المعابد والمقابر البرجية في تدمر، التي اشتهرت بما تحتوي عليه من رسومات ومنحوتات دقيقة، كما دمروا مدينة دورا أوروبوس القديمة المطلة على نهر الفرات، في بحثهم عن نهب أثري.

 لكن فيما يتعلق بجرائم “داعش” ضد البشر، كان الغرب مفتونًا بشكل غير متناسب بأهوالهم، على الرغم من أن عدد ضحايا الأسد فاق عدد ضحايا داعش بعشرة أضعاف.

وتفوق الخسارة البشرية والثقافية لتدمير حلب، التي غالبا ما يُقال إنها أقدم مدينة مأهولة بالسكان في العالم، أكثر بكثير من الخسائر الناجمة عن تدمير مدينة تدمر، ولكن الضوء سُلّط بصورة أكبر على تدمر لأن من دمرها هو تنظيم الدولة “داعش”، بينما انهارت حلب في هجمات لقوات النظام على المعارضة المسلحة، بحسب “الكاتب”.

وفي مواجهة الكثير من الدمار، سيكون رد الفعل الطبيعي هو اليأس، فالحرب مستمرة، والكارثة الاقتصادية تفاقمت الآن بفعل العقوبات وكذلك انتشار جائحة كورونا ومع ذلك، تتم إعادة الإعمار، في الغالب بتمويل خارجي.

ويقول الكاتب إنه على سبيل المثال يدعم صندوق الآغا خان للثقافة إعادة بناء بعض أسواق حلب، كما يجري ترميم عدد من الكنائس بمساعدة جماعات أجنبية، وفي بعض الحالات، بذلت الشركات والهبات والتبرعات الفردية ما في وسعها للترميم والإصلاح وإعادة الفتح.

يجري ترميم الجامع الأموي ومئذنته، التي دمرت في عام 2013، بتمويل من قبل الحكومة الشيشانية، كما أن متحف الفن الإسلامي في متحف بيرغامون في برلين، الذي تضم مجموعاته غرفة خشبية منحوتة من حلب وقطعة كبيرة من القصر الأموي تبرع بها السلطان العثماني عبدالحميد الثاني إلى القيصر فيلهلم الثاني، يقوم بدوره أيضًا، حيث جمعت مبادرة التراث السوري التابعة له أرشيفًا من 200 ألف صورة لمواقع سورية التقطت قبل الحرب من أجل إعادة الإعمار، وقد وثق المباني التاريخية والأضرار التي لحقت بها.

تقوم مبادرة التراث السوري، بتحليل أشكال وتخطيطات الأحياء السكنية، بحيث تتبع إعادة البناء أنماطها، ودعت السوريين لتسجيل قصص عن حياتهم وعملهم، لإيجاد رابط بين المجتمع العلمي الدولي والسكان المحليين، والعلماء الذين يتشاركون المعرفة التاريخية والمجتمع المحلي ليشاركون ذكرياتهم في أماكن تاريخية معينة من أجل إعادة الإعمار.

ربما يعجبك أيضا