نقص حاد في المستلزمات الطبية .. الضفة الغربية على شفا كارثة‎

محمود

كتب – محمد عبدالكريم

رام الله – لعل مشهد القرصنة في المياه الدولية التي تمارسها دول غنية في ظل النقص الحاد في المستلزمات الطبية لمواجهة فيروس كورونا المستجد يعكس حقيقة الجائحة التي تجتاح العالم بأسره.

فبعد أن أقدمت إيطاليا مثلا على سرقة باخرة تونسية محملة بكحول طبي بحسب ما أعلنه وزير التجارة التونسي، محمد المسيليني، وإقدام جمهورية التشيك على سرقة باخرة محملة بالكمامات والأقنعة الطبية وأجهزة تنفس، أرسلتها الصين إلى إيطاليا كمساعدات إنسانية، وحتى اعتراف الكيان الصهيوني بإرسال جهاز مخابراته أكثر من مرة لجمع مستلزمات طبية بطرق غير قانونية، مثل شرائح لفحص المشكوك بإصابتهم بالفيروس، حيث تحدث الإعلام العبري عن مئات الآلاف من هذه الشرائح، وعن آلاف أجهزة التنفس الصناعي، إضافة إلى تصريح كوريا الجنوبية بأن أكثر من 117 دولة طلبت منها العون في مكافحة الفيروس… هذه المؤشرات وأكثر تعكس كيف هي الأوضاع في الدول الغنية، فكيف الحال بمن يكافحون تحت نير الاحتلال كحال الشعب الفلسطيني؟

منذ أيام يشدد الناطق الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم على أن هناك نقصًا حادًّا في كافة المستلزمات الطبية في الضفة الغربية المحتلة، خاصة في شرائح الفحص التي كان آخر ما ورد إلى الضفة الغربية منها 600 شريحة فحص كمساعدة من المملكة الأردنية، عدا عن أن كل ما يوجد في الضفة الغربية من أجهزة التنفس لا يتعدى الـ100 جهاز تنفس صناعي، في وقت بدأت الحقيقة تظهر كيف أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تعزيز تفشي الوباء بين الفلسطينيين.

الخبير الفلسطيني في الأوبئة الدكتور عبدالسلام الخياط، قال: “نحن في فلسطين في مرحلة الخطر، خاصة في بعض المناطق، كما حصل في قرية بدو، وأصبحت العدوى محلية؛ ومصدرها ليس ممن يأتون من الخارج، والمخالطين بشكل مباشر، بل انتقلت إلى مرحلة مخالطة المخالطين، وهذا في حد ذاته يشكل خطرًا، كونه قد يخلق عددا كبيرا من الإصابات”.

 وأضاف: “إن ما يحدث يمكن تشبيهه بمجموعة حلقات متداخلة، تشكل كل منها مرحلة من الخطر في حال اتساعها وابتعادها عن المركز، باعتبار أن الشخص المصاب هو مركزها، والأشخاص المخالطين بشكل مباشر هم الحلقة الثانية، فيما تشكل الحلقة الثالثة الإصابات من مخالطة المخالطين، وهذه مرحلة مختلفة تمامًا، كما حصل في قرية بدو شمال غرب العاصمة القدس، والفرق سيكون واضحًا وبشكل كبير من حيث الإصابات والعدوى بينها وبين الحلقة الأولى والثانية”.

وأوضح الخياط أن هناك توقعات بظهور إصابات في أماكن أخرى؛ كون نسبة الفحص قليلة جدا، حسب وزارة الصحة لعدم توفرها. وقال: “إذا ما تم مقارنة نسبة الأربعة آلاف شخص الذين جرى فحصهم، مع عدد السكان -كون الكل معرضًا للإصابة وليس كما الأمراض الأخرى تستهدف فئة معينة- ستكون النسبة ما يقارب 1/ 1000 يتم فحصه”.

وأضاف “ردة الفعل على انتشار الوباء في العالم، يعتمد على عاملين، أولهما حجم الفيروس المسبب له، وطبيعته وطرق انتقاله، والثاني الإمكانيات المتوفرة لدى الدول، وفلسطين لا تملك الإمكانيات لتوفير العلاج، أو حتى إمكانيات الفحص بالطريقة المفروض التعامل بها، فمثلا كوريا الجنوبية تجري يوميا من 20 إلى 30 ألف فحص، وهنا يجب على الجميع تحمل المسؤولية من خلال الالتزام في المنازل والالتزام مع العقوبة لمن يخالف”.

وتابع: “حسب الملاحظ فإن المواطنين غير مدركين لحجم المشكلة والتأثيرات الناتجة عنها بالشكل المطلوب، خاصة التجار والاقتصاديين، نحن ندرك التبعات الاقتصادية للازمة الراهنة، لكن إذا لم يتم التعامل مع الأمر بصرامة أكثر ستكون التبعات الاقتصادية والاجتماعية أكثر من المتوقع”.

وأكد ضرورة التعامل مع الأزمة بصرامة أكثر، وإلا سيكون القادم جائحة بمعنى الكلمة، في حال لم يلتزم الناس بقرار حظر التجوال.
وقال: “يمكن تفسير ذلك، بأنه في حال وصل عدد الإصابات إلى 1000 مثلا، فإن 20% منهم بحاجة إلى علاج، ونحن في الضفة الغربية لا نملك سوى نحو 200 سرير عناية مكثفة، ومعظمها مشغولة لمرضى القلب والجلطات التي تعتبر نسبتها عالية مقارنة مع الدول الأخرى”.

وأضاف: إذا لم يتم السيطرة على الوضع من الآن سيكون هناك عدد من الوفيات وبنسب عالية، بسبب عدم استيعاب النظام الصحي للأعداد الكبيرة.

واستعرض الخياط ثلاثة سيناريوهات متوقعة لكل منها تفاصيل معينة وخصوصية، أولها هو ضبط الأمور وبقاؤها على ما هي عليه، بحيث يكون انتشار المرض في بؤرة معينة، ويجري علاجها بطرق الإغلاق الحصار أو العزل أو المسح وغيرها من الأمور، وهو ما سيساعد في تركيز الجهود والخدمات الصحية في مناطق معينة دون تشتيتها.

 وأشار إلى أن السيناريو الثاني، يتمثل بتفشي الفيروس في أكثر من بؤرة، ليصل لثلاث مناطق، ما يعني زيادة العبء على النظام الصحي وإرهاقه، بالتالي توقعات بأن يكون عدد الوفيات والإصابات مرتفعًا، فيما تكمن تفاصيل السيناريو الثالث في حال تحول معظم مناطق الضفة إلى بؤرة تفشى للفيروس، وهذا سيكون في غاية الصعوبة.

وبخصوص انتقال العدوى أوضح الخياط، أن الأرقام العالمية تؤكد أن كل شخص مصاب ممكن أن ينقل العدوى إلى ثلاثة أشخاص، وهذا الأمر يختلف من منطقة إلى أخرى وحسب الكثافة السكانية، إضافة للعادات والنسيج الاجتماعي والتواصل بين الناس، التي تلعب دورا في تفشي الفيروس، عدا عن استخدام المواصلات العامة، فالقطارات مثلا كانت أحد أسباب تفشي الفيروس في إيطاليا وأوروبا.

وقال: “إن الوعي المجتمعي والالتزام بالحجر المنزلي، سيكون عاملا مساعدا في التقليل من حالات الإصابة وانتشار العدوى، وفي حال عدم التزام المواطن بالتعليمات الحجر وحظر التجوال فهذا يعتبر جريمة أخلاقية وإنسانية ويجب أن يعاقب عليها القانون”.

وأكد الخياط أن نسبة كبيرة من المواطنين تعتقد أن الحجر المنزلي هو بعدم الذهاب للعمل، ولكنها تمارس حياتها الاجتماعية في اطر مغلقة كالزيارات والتجمعات، ولا تدرك أن منع التجول باعتباره حماية لكل مواطن من الآخر، موضحا أن الفيروس بحاجة إلى بيئة معينة لينتقل، وحتى اللحظة لا تتوفر معلومات دقيقة عن هذا الفيروس وكيفية البيئة الحاضنة له، رغم عمليات التعقيم للأسطح.

وقال: “إن الفيروس بحاجة أيضًا إلى شخص يحمله وهو مؤكد بشكل مطلق، ونحن عندما نخفف الاختلاط نقلل نسبة حمله من شخص لآخر، والحد من اتساع رقعة تفشيه”.

وأضاف، “نحن أمام أسبوع حاسم في التعامل مع الأزمة، والأرقام التي ترد إلينا تحدد إلى أين نتجه نحو الأمان أو الأسوأ، كون الغالبية العظمى من المواطنين عادوا من الخارج وجرى إغلاق المعابر، فإذا كان هناك من يحملون الفيروس ستظهر عليهم الأعراض خلال أربعة إلى سبعة أيام مقبلة”.

وشدد على أهمية تشديد إجراءات التنقل، وتبني سيناريوهات لتنظيم فتح محال البقالة والمواد الغذائية، بحيث لا تفتح ابوابها بذات الوقت، بل عبر جدول معين وحسب التجمعات السكانية، إضافة إلى توصيل الطلبات للمنازل، وتوفير الخبز فيها وعدم ذهاب المواطنين للمخابز.
ودعا  الخياط إلى ضرورة التعاون مع رجال الأمن وعدم استنزاف طاقتهم في المرحلة الحالية، يجب التعامل بصرامة في ظل اختراق نظام حظر التجوال، موضحا انه إذا ما حصل تفشي للفيروس سيتكون الحاجة لرجال الأمن بشكل اكبر.

وكان الناطق باسم الحكومة إبراهيم ملحم أعلن أن عدد الإصابات بفيروس “كورونا” ارتفع إلى 91 إصابة في فلسطين، بعد تسجيل 7 حالات جديدة.

وجدد ملحم دعوته للمواطنين للبقاء في منازلهم حفاظا على سلامتهم وسلامة عائلاتهم، مشيرا إلى أن ذلك من أفضل الطرق للوقاية من المرض ومن توسيع رقعة تفشيه.

ربما يعجبك أيضا