واشنطن تهدد الشركات المتعاملة مع إيران .. ماذا تخسر أوروبا؟

يوسف بنده

رؤية

يرى جون ألترمان المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، أن الاتفاق أعطى الولايات المتحدة فرصة غير مسبوقة وإجماعا دوليا منقطع النظير لاحتواء وإنهاء البرنامج النووي الإيراني.

ويضيف أن قرار ترامب لن يخدم مصالح الولايات المتحدة، بل سيدفع شركاءها الأوروبيين للدخول فى اتفاق مع إيران، وهو ما سيفتح الباب واسعا لتعزيز مصالح دول أخرى مثل روسيا والصين، ناهيك عن إيران نفسها.

وفي الوقت الذي يتمنى ألترمان تمكن إدارة ترامب من التوصل إلى اتفاق مع إيران، إلا أنه يقول “لست متأكدا من إمكانية حدوث ذلك، فبعد أن كنا نمتلك اتفاقا قويا قد نعود فى نهاية الأمر بلا اتفاق”.

ويعزي ألترمان ذلك الاحتمال إلى صعوبة إقناع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق – روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا – في التوسط بين الولايات المتحدة وإيران من أجل إبرام اتفاق جديد يلغي الآخر الذي يتمسكون به بشدة.

وتسارع دول الاتحاد الأوروبي لإيجاد سبل للحفاظ على صفقاتها التجارية الضخمة مع إيران بعد القرار الأمريكي بالانسحاب مع الاتفاق النووي مع طهران.

وقررت واشنطن إعادة فرض عقوبات صارمة على إيران كانت قد رفعت بموجب الاتفاق الذي وقع عام 2015 للحد من طموحاتها النووية.

ومنذ سريان الاتفاق عام 2016، سارعت شركات أوروبية كبرى لعقد صفقات تجارية بالمليارات مع إيران، لكن آلاف الوظائف باتت الآن مهددة بالإلغاء.

ويخشى عدد كبير من تلك الشركات تضرر أنشطتها التجارية مع الولايات المتحدة إذا ما استمرت في صفقاتها مع إيران بعد انقضاء مهلة أخيرة لها في نوفمبر/تشرين الثاني.

اقناع الأوروبيين

وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أمس الأحد، أن واشنطن لا تزال راغبة في العمل مع شركائها الأوروبيين بشكل “وثيق” للتوصل إلى اتفاق جديد لمواجهة “سلوك إيران المؤذي”، بعد انسحاب البيت الأبيض من الاتفاق النووي الحالي.

وصرح بومبيو لتلفزيون فوكس نيوز “آمل أن نستطيع في الأيام والأسابيع المقبلة التوصل إلى اتفاق ناجح فعلا يحمي العالم من سلوك إيران المؤذي ليس فقط بشأن برنامجهم النووي ولكن كذلك بشأن صواريخهم وسلوكهم السيء”، مضيفا “وسأعمل بشكل وثيق مع الأوروبيين لمحاولة تحقيق ذلك”.

ولم يستبعد جون بولتون، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، فرض عقوبات أمريكية على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، ما يجعل أوراق الضغط الأوروبية لإنقاذ الاتفاق ومواصلة العمل به دون الولايات المتحدة صعبا.

وقال بولتون”إن فرض عقوبات أميركية على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي محتمل”، مضيفا أن “هذا أمر محتمل، يتوقف على سلوك الحكومات الأخرى”.

وفشلت محاولات أوروبية جرت خلال عامي 2016 و2017 للبحث عن طريقة ما يتم من خلالها فصل الشركات الأوروبية العاملة في إيران عن العقوبات الأميركية، وهو ما دفع طهران إلى الشكوى مرارا خلال الثلاثة أعوام الماضية من رفع معدلات الاستثمار الأجنبي في البلاد، وفقا للاتفاق النووي، لم يترجم على أرض الواقع.

وإلى جانب صادرات إيران النفطية، التي تحاول الولايات المتحدة تقليصها قدر الإمكان وفقا لبرنامج العقوبات الجديد، يبدو ترامب أكثر استعدادا من رؤساء أميركيين سابقين لاستهداف الشركات الأوروبية بإجراءات قاسية. وكان وزير المالية الفرنسي برونو لومير قد صرح الجمعة، أن فرنسا وحلفائها الأوروبيين يعتزمون تقديم مقترحات للمفوضية الأوروبية تهدف إلى تعزيز قدرة أوروبا على الدفاع عن مصالحها الاقتصادية.

ما الذي يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي؟

حسب تقرير شبكة بي بي سي، ثمة تشريع منذ عام 1996 كان يهدف يهدف إلى مواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة على كوبا. ويقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي إنهم يعكفون على تعديل هذا التشريع من جديد لتفادي العقوبات الأمريكية الأخيرة على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران.

وفرضت السلطات الأمريكية غرامات طائلة على بنوك لإدارتها معاملات مالية مع إيران، من بينها بنوك “تستاندرد تشارترد” و”إتش إس بي سي” و”لويدز” التي تقع مقارها في بريطانيا.

وقالت كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إنهم مستمرون في الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران والعلاقات التجارية المتنامية ما دامت إيران ملتزمة بتعهداتها.

ما حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران؟

قبل فرض العقوبات على إيران عام 2012 كان الاتحاد الأوروبي أكبر شركاء إيران التجاريين. وفي عام 2011 كان لإيران فائضا تجاريا كبيرا مع الاتحاد الأوروبي. وشهد عام 2012 تراجعا كبيرا في التجارة بين البلدين، لكنها شهدت ازدهارا كبيرا من جديد منذ عام 2016.

وفي عام 2017، بلغت قيمة إجمالي الصادرات الأوروبية إلى إيران من البضائع والخدمات 10.8 مليارات يورو (12.9 مليار دولار)، بينما بلغت الواردات من إيرادات إلى الكتلة الأوروبية 10.1 مليارات يورو. وبلغت قيمة الواردات ضعف أرقام عام 2016 تقريبًا.

وكانت غالبية واردات الاتحاد الأوروبي من إيران منتجات مرتبطة بالطاقة، إذ تجاوز المنتجات البترولية وغيرها من أنواع الوقود 75 في المئة من الواردات.

وكانت الصادرات الأوروبية إلى إيران في الأساس من آلات وماكينات ومعدات النقل، تليها المنتجات الكيمائية.

ووفقا للمفوضة الأوروبية، تشكل التجارة مع إيران 0.6 في المئة فقط من إجمالي التجارة العالمية للاتحاد الأوروبي، بينما كانت الإمارات العربية والصين الشريكان التجاريان الرئيسيان لإيران، إذ يشكلان 23.6 في المئة و22.3 في المئة من إجمالي التجارة الإيرانية.

ما الصفقات الكبرى المعرضة للخطر؟

منذ رفع العقوبات أبرمت صفقات تجارية كبرى بين الاتحاد الأوروبي وإيران، من بينها:-

شركة توتال (فرنسية) أبرمت عقدا بقيمة 5 مليارات دولار لمساعدة إيران في تطوير أكبر حقل غاز في العالم، حقل جنوب بارس.

ساغا للطاقة (نرويجية) عقدت صفقة بقيمة 3 مليارات دولار لبناء محطات لتوليد طاقة شمسية.

شركة إيرباص توصلت لصفقة تبيع بموجبها 100 طائرة ركاب إلى شركة إيران إير.

شركة التوربينات الأوروبية “إيه تي آر” (وهي شراكة بين شركتي ليوناردو الإيطالية وإيرباص الأوربية) وافق على بيع 20 طائرة إيران.

سيمنز الألمانية وقعت عقودا لتحديث شبكة السكك الحديدية الإيرانية وإعادة تزويدها بـ 50 قاطرة.

شركة إف إس الإيطالية المملوكة للدولة عقدت صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار لبناء خط سكك حديدية فائق السرعة بين مدينة قوم وأراك.

رينو الفرنسية عقدت صفقة لتنفيذ مشروع مشترك، بما في ذلك إنشاء مركز هندسي ومصنع إنتاج لتعزيز القدرة على إنتاج سيارات رينو في إيران إلى 350 ألف حافلة سنويا.   

ربما يعجبك أيضا