واشنطن وأنقرة .. أنفاس يتطاير منها الشرر

مجدي سمير

رؤية – مجدي سمير

         بين ليلة وضحاها تحول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب من “الصديق” حسبما أطلق عليه نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن قبل 20 يومًا فقط إلى “الرئيس الداعم للإرهاب” حسب وصف الإعلام التركي الموالي لأردوغان.

         الثامن من أكتوبر/تشرين أول الجاري كانت النقطة الفاصلة في العلاقات الأمريكية-التركية، وربما تكون “القشة التي تقصم ظهر العلاقات بين البلدين”، إذ أعلنت السفارة الأمريكية بأنقرة تعليق جميع التأشيرات الخاصة بغير المهاجرين في المصالح الدبلوماسية الأمريكية بتركيا، وأنها تقييم مدى التزام الحكومة التركية بتأمين البعثات الدبلوماسية الأمريكية داخل تركيا، وذلك بعد أربعة أيام من اعتقال المواطن التركي متينتبوز، موظف القنصلية التركية بإسطنبول بتهم المشاركة في أعمال تجسس وتهديد أمن البلاد والتورط في دعم جماعة “جولن” المصنفة إرهابية داخل تركيا. وبعد ساعات جاء قرار مماثل من حكومة “العدالة والتنمية” ليبدأ سيل من التصريحات الناقدة والمستهجنة بين الجانبين.

وتحول الإعلام التركي من النقيض إلى النقيض هو الآخر، إذ قالت صحيفة “تقويم” التركية في صدر صفحتها الأولى في 22 من سبتمبر/أيلول الماضي، تعليقًا على زيارة أردوغان لنظيره الأمريكي في واشنطن “لم تكن العلاقات من قبل بين البلدين بهذا المدى من القرب”، أما صحيفة “جمهورييت” فتقول تعليقًا على الأزمة الراهنة “العلاقات بين البلدين لم تكن يومًا أبعد من ذلك”.

وأكد مدير البحوث التركية بمعهد سياسات الشرق الأدنى بواشنطن سونرتشاغبتاي، أن الأزمة الراهنة التي تشهدها العلاقات بين أنقرة وواشنطن هي الأكبر خلال الـ50 عامًا الأخيرة. والأزمة الحالية صعب حلها في ظل تعنت أردوغان الذي كسب زعامة قوية عقب انتصاره في الانتخابات الأخيرة ولن يتراجع في موقفه، وكذلك الولايات المتحدة لا يبدو أنها ستتراجع عن موقفها هي الأخرى.

أسباب الأزمة

           للأزمة الراهنة العديد من الأسباب والدوافع التي أشعلت العلاقات بين البلدين، تتمثل أهمها في الآتي:-

– الدعم الأمريكي لعناصر وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا وتدريب عناصره وإمداده بالأسلحة الخفيفة والثقيلة وهو ما نددت به أنقرة ووصفته بالسياسة “غير المقبولة”، وأن تسليح جماعات إرهابية أمر يهدد أمن المنطقة.

– دعم وإيواء زعيم حركة “الخدمة” المصنفة إرهابية في تركيا، فتح الله جولن، المقيم في المنفى الاختياري بولاية بنسلفانيا منذ عام1999، ورفض طلبات الحكومة التركية المتتالية بتسليمه ومحاكمته في تركيا.

– اعتقال ومحاكمة رجل الأعمال التركي والإيراني الأصل رضا ضراب المقرب من أردوغان، والمتهم في قضايا غسيل أموال وتسهيل التجارة بين تركيا وإيران خلال فترة العقوبات الأمريكية على طهران.

– صدور قرار اعتقال بشأن ظافر تشاغيلان وزير الاقتصاد التركي السابق بحكومة العدالة والتنمية وأحد المتورطين في قضية الفساد الكبرى ديسمبر2013.

– إعلان واشنطن عدم بيع أية أسلحة للحرس الشخصي للرئيس التركي أردوغان، وقرارات اعتقال بشأن 19 من الحرس الرئيس التركي في قضية اعتداء حراس أردوغان على مواطنين أتراك أمام السفارة التركية بواشنطن.

– اعتقال القس الأمريكي أندرو برونسون الخريف الماضي في مدينة إزمير التركية بتهمة ممارسة أنشطة تبشيرية والارتباط بجماعة جولن داخل تركيا، ورفض الحكومة التركية طلب ترمب لإطلاق سراحه ومحاكمته في مايو/آيار الماضي.

– اعتقال المواطن التركي موظف القنصلية الأمريكية في إسطنبول في الرابع من أكتوبر/تشرين أول الجاري، ثم توقيف زوجته ونجله بتهم التجسس والارتباط بجماعة جولن الإرهابية، ما أدى إلى إعلان واشنطن تعليق منح التأشيرات للمواطنين الأتراك بالسفارة وكافة القنصليات الأمريكية بتركيا.

– إثارة الاستياء الأمريكي عقب نشر وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية في يوليو/تموز الماضي خارطة تفصيلية لمواقع القواعد الأمريكية وأماكن تمركز القوات الأمريكية في شمالي سوريا، وهو ما دفع البنتاجون إلى تقديم شكوى إلى الحكومة التركية آنذاك والتأكيد على أن هذه الخارطة شكلت خطورة على حياة القوات الأمريكية في هذه المنطقة.

ماذا بعد؟

        دفعت الأزمة الراهنة بعض الكُتًاب والمحللين إلى توقع تداعيات الأزمة وشكل العلاقات بين البلدين خلال المرحلة المقبلة، إذا يرى البعض أنه في حال تصعيد الأزمة فإن القرار الأمريكي بتعليق منح التأشيرات للمواطنين الأتراك قد يصدر مستقبلًا قرارات مشابهة من كندا وألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي مثل النمسا وهولندا وغيرهما ويتراجع تصنيف جواز السفر التركي عالميًا.

        كما تهدد الأزمة مصير الاتفاق الموقع مؤخرًا بين خطوط الطيران التركية والشركة الأمريكية المصنعة لطائرات بوينج، والتي تنص على شراء 40 طائرة مدينة من طراز بوينج بقيمة 11 مليار دولار، وذلك حسبما أوضح الكاتب التركي أحمد هاكان.

        ولم يتأخر المحللون في توقع ورصد التداعيات الاقتصادية لتردى العلاقات بين البلدين، إذ ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية من 3.61 إلى 3.85، وكذلك العديد من العملات الأجنبية. وفقدت البورصة خلال يومين 5 نقاط لتسجل أدنى مستوى لها منذ يناير/كانون ثان الماضي.

  ومن المتوقع أن تشهد التجارة البينية تراجعًا كبيرًا خلال الأشهر المقبلة، والتي سجلت وفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد التركية 5.7 مليار دولار قيمة الصادرات التركية إلى الولايات المتحدة خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي مقابل 7.9 مليار دولار قيمة الواردات خلال نفس الفترة.

ربما يعجبك أيضا