في طريقه لولاية ثالثة.. شي جين بينج يخطط لتأسيس نظام عالمي جديد

علاء بريك

لم يكن الطريق سهلًا إلى السلطة أمام شي جين بينج ولا يبدو أنه سيكون سهلًا في الأعوام المقبلة.


انعقد، اليوم الأحد 16 أكتوبر 2022، المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، وسط تحديات محلية وإقليمية ودولية تواجه الصين ورئيسها شي جين بينج.

وعلى رأس هذه التحديات يقف تحدي استعادة النمو الاقتصادي، فبعد سنوات من النمو السريع بات نموذج التنمية الصينية أقل فاعلية بسبب جائحة كورونا والإغلاقات لتزيد من الصعوبات، إضافة إلى المنافسة الإقليمية والعالمية بين الصين وأمريكا وحدة التوترات، وبات أمام الرئيس الصيني طريق وحيد إلى الأمام.

سلم السلطة

لم يصل شي إلى قمة هرم السلطة في الصين بين ليلة وضحاها، ولم يفرض نفسه ديكتاتورًا عبر الانقلاب على السلطة الشرعية، بل سلك الطريق المعتاد عبر الترقي من منصبٍ إلى آخر أعلى، واكتساب خبرة العمل السياسي والحزبي، ختمها أخيرًا بالوصول إلى منصب الرئاسة الصينية، ليكون سادس رئيس للصين وأول رئيس يولد بعد الثورة الثقافية.

في عمر الرابعة عشرة، بحسب ما نقلت صحيفة “نيويوركر“، أرسل شي إلى الريف، ليعيش حياة المزارعين ويرى الفقر عن قرب، وبعد تدرجه في عدة مناصب إدارية بين المقاطعات الصينية، وصل شي إلى الرئاسة في عام 2013، ولا يزال إلى اليوم، وقد اتسمت فترة حكمه بمحاربة الفساد والسعي إلى جعل الصين قوة عظمى.

عصر جديد قيادة جديدة

تشير مدير الدراسات الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية، إليزابيث إيكونومي، في مادتها المنشورة بمجلة “فورين أفيرز“، إلى أن الصين قبل عصر شي كانت تدار بطريقة فيها شيء من المشاركة في اتخاذ القرارات والقيادة الجماعية الموزعة بين عدة لجان ومسؤولين حكوميين، لكن شي جعل السلطة كلها بيديه وشغل رئاسة جميع اللجان القيادية.

وبالفعل لم يصل أحد من القادة الصينيين إلى ما وصل إليه شي سوى ماو تسي تونج ودينج شياو بينج، لكنه إذا حصل على الولاية الثالثة في المؤتمر الوطني العشرين سيتفوق على جميع من سبقوه، إضافة إلى الولاية الثالثة من المتوقع أن يحصل شي على لقبٍ جديد لم يحمله أي من القادة الصينيين من قبل بتسميته “زعيم الشعب”.

الاشتراكية بخصائص صينية

بدأت الصين مع دين شياو بينج مرحلة من الانفتاح الاقتصادي والإصلاحات تحت مظلة الاشتراكية بخصائص صينية، وبحسب صحيفة “الصين اليوم“، ذكر الحزب الشيوعي الصيني أنه مستمر في عملية تطوير النظام الاقتصادي وفق هذه العقيدة القائمة على إفساح المجال أمام القطاع الخاص والاستثمار العام، لقيادة عجلة الاقتصاد تحت مظلة الرؤية الحزبية العامة.

تضيف الصحيفة الصينية أن هذه العقيدة قد تبدو نهجًا من مناهج الرأسمالية تديره الدولة، لكنها تستدرك بأن هذه الملاحظة تخرج من عينة من المتابعين أسيرة تصورات قديمة وجامدة، لأن هذه العقيدة لا تزال تعتمد الماركسية أيدلوجية لها، وتضع الأهداف الاجتماعية في صدارة أولويات الدولة الصينية بدلًا من الربح، وقد أثبتت العقيدة نجاحها تنمويًّا.

التحديات أمام شي

في 31 أغسطس 2022، عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني اجتماعًا ترأسه الرئيس الصيني، وخلاله ألقى كلمة أوضح فيها أن الحزب تواجه مهام ومتطلبات جديدة لعصر جديد، ومرحلة جديدة يتعين عليه التعاون مع الأحزاب الأخرى، وتدعيم جبهة موحدة لأجل بناء الدولة الاشتراكية، بحسب صحيفة “الشعب اليومية“.

وبحسب تقرير نشرته وكالة “أسوشييتد برس” في 15 أكتوبر 2022، فإن التحدي الاقتصادي يمثل أبرز التحديات أمام الرئيس الصيني الحالي، ولا يقتصر هذا التحدي على إعادة معدلات النمو إلى مستوياتها العالية كما في السابق، بل ينطوي على تقليل الفجوة بين الأثرياء والفقراء وبين المقاطعات الفقيرة بالموارد والأخرى الغنية بها.

التنافس مع الولايات المتحدة

وصفت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، الصادرة قبل أيام، الصين بأنها التهديد الأبرز والأوحد للولايات المتحدة، وأن واشنطن لن تدخر جهدًا لتحقيق التفوق على بكين في جميع الميادين، وحفظ القيادة العالمية لنفسها، وإبقاء النظام العالمي على حاله

وأشارت إلى أنها بالمقابل ستسعى إلى إبقاء هذه المواجهة في حدود التنافس، وعدم الانجرار إلى حرب مباشرة، والقيادة الصينية من جانبها دأبت على رفض المواجهة العسكرية أو تكرار الحرب الباردة.

الولايات المتحدة تطوق الصين

في إطار هذه المنافسة، عادت واشنطن بقوة إلى المحيط الإقليمي الحيوي حول الصين عبر عدة اتفاقيات وشراكات وتعزيز علاقاتها مع دول منطقة الهندوباسيفيك، والدول الجزرية في الباسيفيك، لتشكِّل طوقًا إقليميًّا يحيط بالشاطئ الصيني من أقصاه إلى أدناه.

وأظهرت إدارة بايدن عزمًا على دعم تايوان ضد أي عمل عسكري، وعلى الصعيد الاقتصادي فرضت إدارة ترامب مجموعة من القيود على الصادرات إلى الصين، ولم تعمل إدارة بايدن لاحقًا على إزالتها.

أشباه الموصلات وتقويض الصناعة الصينية

في دراسة نشرها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في معهد كارنيجي، أشار إلى وجود مسارين لصعود الصين إلى مصافي القوى العظمى، وكان أحدهما مسار الهيمنة الاقتصادية التكنولوجية، وبالفعل حققت الصين هيمنة تكنولوجية في عدة قطاعات، وأزاحت الولايات المتحدة عن عرش الصدارة العالمية فيها.

وقد أصدر مشروع الدراسات التنافسية في أغسطس الماضي تقريرًا يرصد التأخر الأمريكي، ويقترح عدة خطوات لتصغير الفجوة بين البلدين واستعادة الريادة الأمريكية.

الإدارة الأمريكية تهدف إلى شل الصين صناعيًّا

اتخذت الإدارة الأمريكية خطوة لا تهدف إلى التفوق على الصناعة الصينية فقط، بل إلى شلها عبر تقييد الصادرات التكنولوجية إليها، وبالتحديد ما يتعلق بها بصناعة أشباه الموصلات، وقد أوعزت بتنفيذ هذه الإجراءات التنظيمية الجديدة على الفور.

وقد وصفت رويترز هذا التحول الأمريكي بأنه الأكبر في السياسة الأمريكية تجاه الصين منذ التسعينات، لا سيما أنها تتضمن تخيير حاملي الجنسية الأمريكية العاملين في هذا القطاع في الصين بين البقاء في الصين والتنازل عن الجنسية طوعيًا أو العودة إلى الولايات المتحدة.

الطبقة الوسطى الصينية

بحسب تحليل للصحفية المختصة بالشأن الصيني، لورا هي، نشرته شبكة “سي إن إن“، في 14 أكتوبر 2022، فإن تباطؤ النمو الاقتصادي وحملة القيادة الصينية على بعض كبرى شركات القطاع الخاص قد ألحقت آثارًا سلبية بالطبقة الوسطى الصينية، وجعلها غير سعيدة مع أوضاع الحالية مقارنة بالسنوات الماضية.

وقد وصف الباحث في مركز جون ثورنتون للدراسات الصينية، ديفيد دولار، حال الطبقة الوسطى الصينية بأنها باتت اليوم تشعر بالخيبة.

أزمة تراكم الديون

يرجع التباطؤ الصيني إلى وصول نموذج النمو الصيني المدفوع بالاستثمار إلى حدوده القصوى وانخفاض فعاليته مع تراكم جبال الديون، وقد انعكس هذا بدايةً في قطاع العقارات، أحد أبرز القطاعات المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

وترتب عليه بروز أصوات ناقدة، ورفض بعض مشتري العقارات سداد دفعات الرهن العقاري، وبالتالي وصلت إرهاصات الأزمة إلى البنوك، ما يهدد الاستقرار المالي للبلد.

ولاية ثالثة شاقة

أمضت الصين العقد الماضي تحصد التقدم والنمو، وتكبر الأمل في الداخل بنهوضٍ صيني عالمي، يبعث التنين مجددًا بعد سنوات من الغفوة، لكن السنوات الأخيرة وبخاصة من بعد 2019 بدأت تشهد نوعًا من التشكك والقلق على المستقبل الصيني، ومواصلة تنفيذ الخطط الموضوعة لتحقيق الأهداف المئوية.

وقد زادت الحرب الروسية الأوكرانية الضغوط الدولية على الصين لاتخاذ موقف حازم ضد خطوة الرئيس الروسي، وترافق ذلك مع حملة إعلامية ودبلوماسية أعادت قضية تايوان إلى طاولة النقاش عالميًّا.

الرئيس الصيني على علم بالتحديات ويدعو للاستعداد للنضال

يدخل الرئيس الصيني المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي وهو على علمٍ بكل هذه التحديات، بحسب ما نقلت صحيفة “الشعب اليومية”، وقد دعا في وقت سابق كوادر الحزب إلى الاستعداد للنضال.

وبهذا قد لا تكون الولاية الثالثة على غرار الولايتين السابقتين، حين ساد التقدم والنمو والحضور العالمي المتزايد، بل يبدو أنها ولاية تبدأ من يومها ما قبل الأول شاقة ومليئة بالتحديات والعقبات الصعبة، وقد تحمل مع المستقبل تحولًا في شكل النظام العالمي.

ربما يعجبك أيضا