“أغاني المهرجانات والتقليد الأعمى” خطر يهدد حياة الأطفال.. متخصصون يوضحون

عاطف عبداللطيف

كتب – عاطف عبداللطيف

تعددت وقائع الاعتداء وارتفع منسوب العنف بين الأطفال خاصة في مصر، في السنوات الأخيرة مع انتشار ألوان معينة من الأغاني الشعبية، وكلمات وموسيقى ما يعرف بالمهرجانات ما زاد التوتر والقابلية للعنف لدى الصغار والمراهقين مع حب التقليد والشعور بالزعامة في مرحلة عمرية يغلب عليها طاقة وعنفوان وفراغ.

وأخذت المشاجرات في السنوات الأخيرة، شكلا مختلفا عن ذي قبل، إذ ارتفعت وتيرة العنف بشكل كبير بين فئة المراهقين، وتطورت بالدرجة التي وصلت إلى استخدام الأسلحة البيضاء في المشاجرات، بعدما كان التلاسن ثم التشابك بالأيدي هو الثمة الغالبة على مشاجرات هذه الفئة العمرية، فمجرد مشاجرة بين طالبين بسبب تعدي أحدهما على فتاة، انتهت بمقتل أحدهما ودخول الثاني إلى السجن وهو في مقتبل العمر.

وتعد قضية الشاب راجح، وأصدقائه، إحدى أبرز قضايا العنف التي أثارت الرأي العام المصري خلال الآونة الأخيرة حتى وقت قريب، والتي راح ضحيتها الشاب محمود البنا “شهيد الشهامة”، من المنوفية، بسبب دفاعه عن فتاة كان يعتدي عليها راجح، وغيرها من الجرائم التي اهتز لها الشارع المصري. بينما في العياط بالجيزة، اعتدى طالب على صديقه بسلاح أبيض، على خلفية مشادة وقعت بينهما، مما أسفر عن إصابته بجرح طعني، كاد يفقده حياته لولا تدخل العناية الإلهية التي أنقذته، بعدما نقله الأهالي إلى المستشفى، وألقوا القبض على الطالب وسلموه للشرطة، ووجهت له النيابة تهمة الشروع في القتل وحيازة سلاح أبيض، وأصدرت قرار بحبسه.

فيما سقط طالب في الصف الثالث الثانوي، ضحية على يد زميله في المنوفية، إثر مشادة كلامية وقعت بينهما، على أحد المقاهي، فسدد أحدهما طعنة نافذة للثاني، مما أسفر عن وفاته، ووجهت النيابة العامة تهمة القتل العمد للأول، وغيرها من الجرائم. في السطور التالية يجيب بعض المتخصصين عن تلك الظاهرة التي أرقت المجتمع المصري وما زالت:

سيطرة فاسدة

يقول، صلاح عبدالمتعال، أستاذ علم الاجتماع، والخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر، إن عصر السماوات المفتوحة بات هو المسيطر على عقول الكبار قبل الصغار، يجب أن تكون هناك رقابة مشروعة على الأبناء دون الوصاية المتجبرة أو العنيفة والتي تسوق للأبناء النصح والإرشاد في تجنب الاستماع إلى الضار من الأغاني أو الفن الهابط بوجه عام، خاصة أن الرقابة التي يصحبها العنف أو الوصاية المتجبرة يتبعها تهرب ولجوء إلى المثيرات التي يحاول الأباء تجنيب بنيهم إياها أو التعرض لها ومشاهدتها.

ويضيف عبدالمتعال، أن نشأة الأطفال في بيئة سوية خاصة ينجح فيه دور الأسرة والمدرسة، فضلاً عن البعد التعليمي والاجتماعي والصحي، يجنبهم الاحتكاك بالفن الهابط أو الأغاني التي يصاحبها مشاهد عنف على المدى البعيد، مشيراً إلى أن هناك أنماطًا من الفن لا يصاحبها مشاهد عنف أو إراقة دماء خاصة في الأغاني، وبالتالي لا يكون هناك خوف على الأطفال من تقليدها أو محاولة إتيان المشاهد، التي وردت بها كنوع من محاكاة وتقليد أبطال لأفلام أو مطربين بالأغاني، وعندما يكون المناخ العام حول الأطفال مسمماً ومنحدراً ويكون السلوك العام المحيط بهم اجتماعياً متراجعاً ومنحدراً للأسفل، تكون قابليتهم للعنف عن طريق الأغاني الهابطة أو التي يصاحبها عنف أو تقليد للعنف كبيراً.

خطر على الطفل

ويؤكد الدكتور إبراهيم عز الدين، الخبير الاجتماعي، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة 6 أكتوبر، أن القول بأن الأغاني الشعبية بشكل مطلق هي من تقف وراء ارتفاع منسوب العنف لدى الأطفال أو تنمي لديهم القابلية لارتكاب العنف، والإصابة بالتوتر أو التشنجات على عواهنه أمر غير وارد وغير صحيح، خاصة أن القابلية للعنف لدى الأطفال لا تزيد معدلاتها إلا عندما تحدث مشاهدة للعنف المصاحب للأغاني أو المثيرات الفنية أو الإعلامية.

وأضاف الخبير الاجتماعي أن الأغاني التي يكون في أغانيها ومشاهدها الفنية عنف وإراقة دماء ومشاجرات يتم فيها حمل السكاكين والأسلحة والمولوتوف والتشاجر بواسطة طلقات الخرطوش، وتدور فيها معارك دموية فهذا أخطر ما يكون على تنشئة الأطفال، وتعاملهم مع محيطهم الاجتماعي فيما بعد، ناهيك عن الألفاظ الخارجة التي تعج بها هذه الأفلام وكلمات أغاني المهرجانات المسيئة والخارجة والتي تحرض على العنف، وهو ما يؤثر سلباً على الأطفال وتربيتهم ونشأتهم، ويجعلهم غرساً يافعاً في حقل التقليد الأعمي، و”فرائس” سهلة لتلك النوعية من الفن الذي يجلب الوبال على المجتمع ككل فيما بعد.

شباك التذاكر

وتقول الدكتورة هالة إبراهيم، أستاذ التربية الخاصة للأطفال والعلاقات الأسرية، إن الأغاني الشعبية الهابطة أو ما يعرف بأغاني المهرجانات التي يصحبها عنف أو مشاهد إراقة دماء، ليست وحدها التي تسبب انحداراً وعنفاً سلوكياً ونفسياً لدى الأطفال، وإنما الأمر يرتبط وثيقاً بما تقدمه المضامين الإعلامية ككل من انحدار شديد في المضمون، والذي أصبح يرتكن في الكثير من الأحايين إلى تقديم الإثارة دون مضمون أو هدف حيوي، إلا جذب المشاهد والمتابع بقصد أو بدون قصد، وأصبحت الأفلام التي نشاهدها في الفترة الحالية تعمل على كسب الشباب ودفعهم إلى الذهاب إلى شبابيك التذاكر أو للمتابعة عبر الشاشات وكسب أموال الإعلانات عن طريق بيع تلك الأفلام والأغاني في قنوات خاصة تعرض لها.

وأشارت إلى أنه نتيجة لغياب دور الأهل والرقيب أو ما يعرف إعلاميا بدور “حارس البوابة”، في منع وإتاحة ما يشاهده الأطفال، الذين انكبوا في أعمالهم الخاصة وشغلتهم أموراً أخرى كجمع الأموال عن رعاية أطفالهم وأولادهم، دون الاهتمام بمتابعة اهتماماتهم وما يشاهدونه ليسهل توجيههم إلى ما يجب أن يشاهدوه أو ما لا يشاهدونه.

خلل نفسي

ويؤكد الدكتور هاني أبوطالب، استشاري الصحة النفسية، أن تكرار تعرض الأطفال للعنف خاصة المتضمن في الأغاني التي تعرض هذه الأونة باسم أغاني “المهرجانات الشعبية”، أو حتى في بعض الأفلام التي لها منتجون خاصون بها وممثلون “ملاكي” وقعوا على عقود احتكار للتمثيل في تلك الأفلام، وكلها منتجات فنية تساهم بلا شك في إحداث اضطرابات نفسية حادة لدى أجيال من الأطفال وتزيد قابليتهم طردياً للعنف بالتزامن مع زيادة تعرضهم لكميات من العنف المرئي والمسموع في تلك الأغاني والأفلام.

وأضاف استشاري الصحة النفسية أن العنف المتضمن في تلك النوعية من الأغاني ومشاهد الاعتداء والضرب والإيذاء أو البلطجة، والتي يتم تصويرها للنشء والشباب في مراحل عمرية صغيرة، على أنها بطولة وقوة، تسبب خللاً نفسياً في مخيلة صغار السن وتتعارض في داخلهم مع تبثه لهم المدرسة أو من قبل الآباء والأمهات عن المثل والقيم والأخلاقيات، وبالتالي تدور بداخلهم صراعات بين ما يجب أن يكونوا عليه وما يشاهدونه أو يتلقونه من جرعات عنف أقرب ما تكون إلى الإيذاء النفسي.

ربما يعجبك أيضا