إحاطات ترامب الإعلامية.. عنوانها “كورونا” وهدفها أسهم الديمقراطيين

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

وسط رياح الفيروس التاجي التي عصفت ببلدان العالم أجمع، وسلبت أرواح الآلاف، يخرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كل يوم في إحاطة إعلامية من قلب البيت الأبيض، محاولا الدفاع عن إدارته، المتهمة بتراخي استجابتها في التعامل مع الجائحة، ما دفع بالبلاد إلى صدارة الدول الأكثر تضررا من فيروس كورونا المستجد، متفوقة على الصين التي كانت بؤرة المرض الأولى والرئيسية.

بالأمس فقط، سجلت أمريكا نحو 29980 إصابة جديدة بكورونا، و3700 حالة وفاة، ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 734 ألف حالة، والوفيات إلى أكثر من 38900، منها نحو 13157 وفاة في نيويورك وحدها، بحسب بيانات لجامعة “جونز هوبكنز”.

الهجوم أولا
أمام هذه الأرقام الضخمة وتقارير عدة تؤكد أن إدارة ترامب تأخرت كثيرا في استجابتها للأزمة ولم تتخذ خطوات استباقية كان من الممكن أن تجنب البلاد هذا الوضع السيء، لم يجد ساكن البيت الأبيض بدا من استراتيجية الهجوم خير وسيلة للدفاع.

ترامب استغل الإحاطة اليومية الخاصة بالإعلان عن تطورات الحالة الوبائية في البلاد، للهجوم على منتقديه وخصومه السياسيين من الديمقراطيين، كما حاول إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية وعلى الصين فيما يتعلق بتفشي الإصابات بالفيروس التاجي، في محاولة لتشتيت انتباه العامة عن الأزمة الأصلية، وما خلفته من انهيار اقتصادي.

ووصل الأمر بالرئيس الأمريكي، أول أمس، إلى الخروج بتصريحات يدعم فيها احتجاجات شهدتها ولايات مثل ميتشغان وتكساس وفيرجينيا ضد تدابير إغلاق البلاد والحجر المنزلي، ويصب غضبه على هذه التدابير التي فرضها حكام “ديمقراطيون”، وقال في إحدى تغريداته: “حرروا فيرجينيا، إنها تحت الحصار”، ويصر ترامب على إعادة فتح الاقتصاد في أسرع وقت ممكن، على الرغم من تحذيرات مسؤولي الصحة العامة ومعارضة بعض الجمهوريين وجانب من المسؤوليين بإدارته، وخلال الأسابيع القليلة الماضية دخل في اشتباك مباشر مع حكام الولايات حول موعد إعادة فتح البلاد، وقال -في إحدى الإحاطات- إنه يتمتع بالسلطة الكافية للإعلان عن هذا الموعد كما يشاء.

هجوم ترامب على الحكام الديمقراطيين كان موضع انتقاد كبير داخل أمريكا، لما فيه من محاولة لتسيس أزمة كورونا عوضا عن تكاتف الجهود لمواجتها والحد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.. لكن الرئيس يعد نفسه للفوز بولاية ثانية بعد أن أصبح المرشح الجمهوري الأول والوحيد، ويحتاج إلى الزخم الإعلامي وتسديد مزيد من الضربات للخصوم، بعد أن نالت الجائحة من جانب كبير من شعبيته والأهم من الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي سيحرمه من  المفاخرة بمعدلات النمو والوظائف، ومطلع الشهر الجاري شكلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لجنة للتحقيق في الطريقة التي تعاملت بها إدارة ترامب مع الأزمة، ما دفع ترامب لصب غضبه عليها في إحدى الإحاطات قائلا: أذكّر الجميع خصوصا الكونجرس أن هذا ليس وقت السياسة والتحقيقات الحزبية التي لا تنتهي، لقد كلّف الديمقراطيون بلدنا ما يكفي من أضرار في الأعوام السابقة.

في كلا الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”، هناك إجماع على أن أزمة الفيروس التاجي سيكون لها تأثير كبير على توجه الناخبين، لذا هي العنوان الرئيسي اليوم لتصريحات ترامب وأيضا نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي بات المرشح الديمقراطي المفترض للرئاسة، بالنسبة للأول حملته الانتخابية بحسب عدة تقارير صحفية قررت أن تشتيت انتباه الجمهور عن سوء إدارة الأزمة بتصعيد الهجوم ضد الصين باعتبارها المسؤول الأول عن تفشي الوباء، إذ أظهرت استطلاعات رأي أن نحو 70% من الناخبين لديهم الاعتقاد نفسه.

وفي الوقت الذي وجد فيه ترامب منبرا يوميا لمخاطبة الناخبين عبر الإحاطة الخاصة بكورونا، اضطر بايدن إلى بث مقاطع مصورة عبر الإنترنت لمواصلة حملتة المتواضعة تحت قيود الإغلاق، وركز المرشح الديمقراطي خلال الأيام الماضية أيضا على أزمة كورونا واتهم ترامب بأنه ترك البلاد مكشوفة للوباء بدون خطة استباقية، مذكرا بأن الرئيس تجاهل تحذيرات مسؤولي الصحة العامة وحتى المخابرات في هذا الصدد، وبالطبع لم يفته التذكير بأن الرئيس أنهى برنامج أوباما الخاص بالكشف عن الأمراض المعدية الطارئة، فضلا عن تخفيضه لميزانيات الصحة.

الصين ساحة مواجهة
الرئيس ترامب صعد هجومه ضد بايدن في إحاطة أمس قائلا: إذا فاز المرشح جو بايدن في الانتخابات المقبلة، فإن إيران والصين سوف تمتلكان الولايات المتحدة، مذكرا بالصفقات الكبيرة التي أبرمها مع الصين وكيف أجبرها على دفع مليارات الدولارات لخزينة البلاد.

وكتب ترامب عبر تويتر: “الصين تريد فوز الكسول بايدن بأي ثمن، فهي ترغب في استعادة كل تلك المليارات التي دفعتها للولايات المتحدة وأكثر من ذلك بكثير .. جو بايدن سهل المنال وهو المرشح الحلم بالنسبة لهم”.

وخلال إحاطة أمس، اتهم ترامب وزير الخارجية الأسبق جون كيري بعرقلة صفقة كانت قريبة مع طهران قائلا: الإيرانيون كانوا يودون التحدث وكنا سنعقد اتفاقا، إلا أن تدخل كيري مع الجانب الإيراني ساهم في عرقلة المفاوضات.

وأَضاف: جون كيري صاحب الاتفاق النووي الأغبى على الإطلاق منحهم 150 مليار دولار نقدًا، كان يخشى الإحراج من عقد صفقة أفضل وكان يحثهم على الانتظار حتى الانتخابات المقبلة حيث يأمل في فوز جو بايدن “النعسان” في الانتخابات المقبلة.

ترامب لا يعمل وحده ضد بايدن، فإلى جانب حملته الانتخابية وخطابها المعادي لبايدن والديمقراطيين عموما، قامت حملة داعمة لترامب تطلق على نفسها “أمريكا أولا”، بتخصيص 10 ملايين دولار لحملة دعاية ضد بايدن تركز على ولايات بعينها مثل بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، إذ تمثل ساحة مواجهة متوقعة في انتخابات نوفمبر، هذه الحملة حاولت التذكير بعلاقات بايدن الجيدة مع القيادات الصينية سواء كعضو بالكونجرس أو كنائب للرئيس في عهد أوباما.

بحسب “واشنطن بوست”، استطلاعات الرأي أظهرت ارتفاع شعبية بايدن خلال الأسابيع القليلة الماضية، خصوصا بعد أن أصبح المرشح الديمقراطي الوحيد بانسحاب ساندراز، ما دفع حملة ترامب للتفكير في أن الربط بينه وبين الصين سيكون مفيدا، للنيل من أسهمه لدى الناخبين.

بالنسبة للديمقراطيين رحبوا بهذا التركيز على الصين ومحاولة ربطها ببايدن!، لأنهم يعتقدون أن بإمكانهم قلب السحر على الساحر، عبر تسليط الضوء على جوانب القصور التي شابت أسلوب إدارة ترامب للأزمة، إلى جانب تصريحات ترامب منخفضة النبرة التي استخدمها في بداية الأزمة، لمواساة الصين ورئيسها.

المتحدث باسم حملة بايدن، أندرو بيتس قال: عندما كان ترامب يخطب ود الصين ويؤكد قدرتها على احتواء أزمة الفيروس التاجي، حذره جو بايدن علناً من تصديق الصينيين.. الشعب الأمريكي الآن يعاني واقتصادنا في حالة انهيار وهذا هو المهم.

غالبية الاستطلاعات الأخيرة في أمريكا، تؤكد أن افتقار ترامب إلى السيطرة على جائحة كورونا كلفه الكثير شعبيا، خاصة في الأسابيع الأخيرة، وفي الوقت الذي يسعى الديمقراطيون للاستفادة من هذا الوضع، فهم يواجهون معضلة أخرى تتعلق بحجم حملة ترامب الانتخابية التي تمتلك نحو 170 مليون دولار نقدا، وعدد كبير من المانحين، بما يمكنها من الوصول بشكل أفضل إلى ملايين الناخبين، فضلا عن أكثر من مليون مشاهد يستمعون إلى الرئيس يوميا خلال إحاطة كورونا، ونحو 75 مليون يتابعونه على “تويتر”، فيما يتابع بايدن نحو 4.6 مليون فقط.

 يبدو أن ترامب ما زال يتمتع بمميزات ترجح كفته أمام خصمه بايدن في السباق الرئاسي، ففي حال تمكن من إعادة فتح الاقتصاد قريبا وضخ مزيد من الأموال لدعم القطاع الخاص، فقد يستعيد جانبا كبيرا من أرضيته التي خسرها بفعل كورونا، وينطلق في نوفمبر المقبل بشكل أقوى من المتوقع.

ربما يعجبك أيضا