إحياء الاتفاق النووي الإيراني وحسابات القوى الكبرى

علاء بريك

تدخل مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران مرحلةً حرجةً خاصةً مع تغير الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومن أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط وزيادة الطلب عليه، فضلًا عن تغير نهج الإدارة الأمريكية في سياستها الخارجية.


بعد وصول جو بايدن إلى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، انشغلت إدارته بتحويل السياسة الخارجية من نهجها الترامبي المتمثل بممارسة أقصى الضغوط إلى سياسةٍ تُعزّز بموجبها دورها القيادي في العالم.

ومع بداية العام الحالي دخلت مفاوضات فيينا بشأن الاتفاق النووي مرحلةً حرجةً، بسبب اشتراط إيران ضمانات لمتابعة المفاوضات، أبرزها ضمان عدم الانسحاب مستقبلًا من الاتفاق مثلما حدث في 2018، وهو ما لا يمكن ضمانه من جانب الرئيس الأمريكي.

إحياء ولكن

في الاجتماع الفصلي لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ أيام، قالت الولايات المتحدة: “لم يتبق سوى وقت قليل جدًّا أمام الدبلوماسية كي تضعنا على المسار الجماعي للعودة إلى مسار مشترك للتنفيذ الكامل لخطة العمل المشتركة الشاملة”، لكن مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا تعقدت المفاوضات.

سياسة أمريكا الجديدة جعلت إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم في 2015 من أولويات سياستها الخارجية، بحسب موقع بلومبرج، وقد استضافت العاصمة النمساوية فيينا المحادثات المتعلقة بإحياء الاتفاق، وكانت تتقدم بوتيرة مبشرة، لكنها تعثرت نتيجة الاشتراطات الإيرانية.

الحرب الروسية

تشارك روسيا بوصفها طرفًا في المفاوضات الجارية في فيينا، ووقفت خلالها إلى جانب الإيرانيين. ومع بداية الحرب الروسية الأوكرانية تعقدت الحسابات تدريجيًّا. ومن جهتها امتنعت إيران عن التصويت على قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الاجتياح، وبهذا فهي لم تؤيده ولم تندد به.

وقال السفير الروسي في طهران للصحفيين، فيما يخص ما يجري في أوكرانيا، إن عليهم الإشارة إلى ما يجري لا بوصفه حربًا أو اجتياحًا، بل عمليةً عسكريةً خاصةً، تماشيًا مع الاصطلاح الروسي، لكنه في الوقت نفسه استخدم شعار الإيرانيين إبان الحرب مع العراق “حرب، حرب، حتى النصر”، ليماثل بين ما جرى في إيران وما جرى في بلاده.

مكاسب اقتصادية

على الصعيد الاقتصادي تجاوزت أسعار النفط الـ100 دولار للبرميل الواحد، ما يَعِد إيران بعوائد مجزيةٍ تدعم بها موازنتها، إلى جانب فرض الغرب لعقوبات على روسيا وبحثه عن مصادر بديلة لشراء النفط والغاز بعد تزايد الطلب عليهما نتيجة التخفيف من قيود كورونا.

وقد تستفيد إيران من هذه التطورات وتعود إلى ساحة النفط والغاز الدولية بحسب ما أورده تقرير على موقع بلومبرج، وما زال من المبكر الحديث عن رفع كامل العقوبات، أو عودة رسمية لإيران إلى السوق الدولية قبل إنهاء المسائل العالقة في فيينا مع الولايات المتحدة بالأساس.

وتظن القيادة الإيرانية أنَّ حظوظها التفاوضية أعلى بكثير من أي وقتٍ مضى، وأنَّ الإدارة الأمريكية متحمسة بشدة لإتمام الاتفاق النووي بأي ثمن، خاصةً بعد ارتفاع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، والمخاطر الاقتصادية الناجمة عن التضخم، وإمساك روسيا بورقة الطاقة باعتبارها سلاحًا فعالًا يشرذم خصومها ويعطيها مجالًا للتنفس.

مخاوف مفاوضات فيينا

حذَّر المحلل السياسي الإيراني، رضا نصري، في وقت سابق، من أنّه لو أسفرت الأزمة الأوكرانية عن كارثة إنسانية، ومواجهة عسكرية بين الغرب وروسيا، ستنخفض احتمالات التعاون والتنسيق بين الأطراف المتفاوضة في فيينا.

وفي تصريحٍ لموقع خبر الإيراني، نقله ميدل إيست آي، قال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة: “لقد قلت سابقًا إنَّ الروس لن يدعوا المحادثات (في فيينا) تصل إلى أي نتيجة قبل الهجوم على أوكرانيا، فالروس يهندسون سياساتهم الدولية، بما في ذلك الموقف من الاتفاق النووي، على أساس المسألة الأوكرانية، صاحبة الأولوية في السياسة الخارجية الروسية”.

روسيا على خط المفاوضات

من جانبه عقَّد وزير الخارجي الروسي، سيرجي لافروف، المفاوضات بطلب بلاده ضمانات مكتوبة بأن العقوبات المفروضة على بلاده، نتيجة اجتياح أوكرانيا، لن تمنعها من التبادل التجاري والتنسيق الأمني والعسكري مع إيران، وهذا المطلب لن تسمح به أمريكا وأوروبا، بحسب ما قال موقع بلومبرج، لأنه سيمكّن روسيا من تخفيف العقوبات عليها.

كان المطلب السابق كافيًا لتعطيل المفاوضات، وهو ما أرادته روسيا. وبحسب بلومبرج، فإنه بتأجيل إحياء الاتفاق النووي تُبعِد روسيا أيدي الغرب عن النفط والغاز الإيراني، ومع هذا الإبعاد سيظل الضغط على أوروبا والاقتصاد العالمي ورقة ضغط رابحةً في يد روسيا، ويعزّز في الوقت ذاته الموقف الإيراني سواء بتخفيف العقوبات عنها لقاء الغاز والنفط، أو مضيها ببرنامجها النووي بخطى متسارعة.

ربما يعجبك أيضا