إيران أمام مرحلة جديدة من العقوبات .. حتمية المراجعة أو الانتحار!

يوسف بنده

رؤية

سجلت صادرات النفط الإيرانية انخفاضا بنسبة ثمانية في المئة خلال الشهرين الماضيين فقط، وخصوصًا مع ضغوطات واشنطن على حلفائها لوقف استيراد النفط الإيراني، وصولا إلى الصفر بحلول نوفمبر المقبل.

وفي وقت سابق، أكد المسؤول السابق في لجنة إعادة النظر بالصفقات النفطية الإيرانية سيد مهدي حسيني أن بلاده ونتيجة العقوبات الأمريكية ستخسر ما قيمته 15 تريليون دولار من ثروتها الوطنية على المدى البعيد.

وبدورها، خسرت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار الأمريكي منذ يناير الماضي، بسبب الأداء الاقتصادي الضعيف والصعوبات المالية في البنوك المحلية.

ويتوقع خبراء أن يواصل الريال الإيراني تدهوره، الأمر الذي سيؤدي تلقائيا إلى رفع أسعار السلع والخدمات بالنسبة للمستهلكين.

وتشير توقعات خبراء في شركة “بي أم آي” للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن يشهد الاقتصاد الإيراني انكماشاً بنحو 4 في المئة العام المقبل.

مرحلة تالية من العقوبات

قبل أشهر قليلة من سريان العقوبات الأمريكية، تعيش إيران على وقع أزمات داخلية متعددة ستزيد من الضغوط على السلطات التي تعجز عن تقديم الحلول وتكتفي بتفسير كل ذلك بنظرية المؤامرة.

هناك أيام قليلة تفصل النظام الإيراني عن سيف العقوبات الأمريكية الجديدة التي ستدخل حيز التنفيذ في أغسطس المقبل، بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

وتأتي العقوبات الأمريكية في وقت يعاني فيه النظام الإيراني من مشاكل اقتصادية عدة، وارتفاع معدل الفقر والبطالة.

وتواجه طهران أزمة مالية خانقة وانهيار في عملتها الوطنية، الأمر الذي تسبب في موجة مظاهرات بمناطق عدة في البلاد، وسط تصاعد المخاوف من أن تعاني نقصا إضافيا في السيولة حين تفرض الولايات المتحدة عقوبات على قطاعها المالي.

وتشمل المرحلة الأولى من العقوبات الأمريكية في بداية الشهر القادم، حظرا على المعاملات التجارية بالعملة المحلية الإيرانية، والذهب والمعادن النفسية، بالإضافة لقطاع السيارات.

وستأخذ المرحلة الثانية نطاقا أوسع بحلول نوفمبر المقبل، لتشمل قطاع تشغيل الموانئ والسفن، وأي تعاملات مالية ما بين مؤسسات أجنبية والبنك المركزي الإيراني، وكذلك قطاع الطاقة.

حالة يأس

كشفت صحيفة “الجارديان” البريطانية عن عمق الأزمة التي تمر بها إيران، ووصفت ما يحدث في إيران بأنها لحظات حرجة وكارثة اقتصادية ومالية وبيئية لم يشهدها تاريخ إيران، حتى وصل الحال بالإيرانيين إلى أنهم ينشدون تدخلاً عسكرياً سريعاً يُسقط النظام أو يعزل “خامنئي”.

وتصف الصحيفة ما يحدث في إيران بأنها مجموعة من العوامل تتراوح بين المظالم الاقتصادية وانعدام الحريات الاجتماعية والسياسية رافقتها ضغوط دولية وعقوبات وضعت البلاد تحت ضغط غير مسبوق. الآن يتفق العديد من الإيرانيين مع محمد على أن البلاد تواجه لحظة مفصلية.

وتضيف الصحيفة: لقد اندلعت احتجاجات متفرقة منذ أسابيع في أنحاء البلاد بسبب ندرة المياه، والرواتب غير المدفوعة وانخفاض قيمة العملة، إلى جانب الضغوط المتصاعدة من إدارة “ترامب”، والتي تريد أن تتوقف جميع الدول عن شراء النفط الإيراني بحلول 4 نوفمبر، الضغوط أيضاً تتزايد على الرئيس الإيراني حسن روحاني، وينظر إليه بشكل متزايد على أنه بطة عرجاء؛ لأنه يثبت أنه غير قادر على محاربة المتشددين ومتابعة أجندته. أحد التعهدات التي أعلنها -الصفقة النووية لعام 2015- الآن تتفكك بعد أن سحب دونالد ترامب الولايات المتحدة من الصفقة في مايو.

وتتابع الصحيفة: لقد دق جرس الإنذار حول البلاد، وهي إشارة إلى أن إيران متجهة نحو الهاوية السياسية والاقتصادية وحتى البيئية، ويخشى المحللون من تجاهل التحذيرات.

الشارع لم يعد يخاف القبضة الحديدية

وبالتوازي مع الاحتجاجات الاجتماعية، بدأت مجموعات انفصالية تنشط في الشرق والغرب بتحدي السلطات وتوجيه ضربات مؤلمة للقوات الإيرانية، كان آخرها هجوم أودى بحياة 11 عنصرا من الحرس الثوري على الحدود مع العراق، وذلك في أحدث اشتباك دموي في المنطقة التي تنشط فيها جماعات مسلحة من المعارضة الكردية.

ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية الإيرانية للأنباء عن بيان للحرس الثوري قوله إن العديد من “الإرهابيين” المهاجمين قتلوا أيضا في المعركة التي شهدت كذلك تفجير مستودع للذخيرة.

وقال حسين خوش إقبال المسؤول الأمني المحلي للتلفزيون الرسمي، إن 11 عضوا من متطوعي قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري قتلوا في اشتباك خلال الليل في منطقة ماريفان، وألقى بمسؤولية مقتلهم على مسلحين من حزب الحياة الحرة الكردستاني المعارض.

وأضاف “أحدث الأنباء هي أن الباسيج والحرس يلاحقون المهاجمين”.

وينشط حزب الحياة الحرة الكردستاني في المنطقة الحدودية إلى جانب جماعات مسلحة كردية أخرى مقرها شمال العراق. ويسعى الحزب المحظور إلى حكم ذاتي لأكراد إيران وله صلات بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا.

وقال الحرس الثوري هذا الشهر إنه قتل ثلاثة متشددين في عملية أمنية قرب الحدود مع العراق. كما وردت أنباء عن مقتل تسعة متشددين على يد الحرس الثوري الشهر الماضي في منطقة أخرى على الحدود.

ومنذ أيام لقي ضابط في حرس الحدود الإيراني، الأربعاء، حتفه في اشتباكات مع مسلحين بشتون جنوب شرقي البلاد، فيما كان ثلاثة من عناصر التعبئة الإيرانية لقوا حتفهم وأصيب آخرون في مواجهات مع مسلحين في المحافظة نفسها قبل أيام.

ويقول متابعون للشأن الإيراني إن تنوع الهجمات على الحدود يكشف عن تراجع القبضة الحديدية التي كان المحافظون المتشددون يمسكون بها الوضع في البلاد، وإن الشارع الإيراني لم يعد يخاف من هذه القبضة، لافتين إلى أن المجموعات الانفصالية المسلحة تستثمر هذا التراجع للمطالبة بحقوقها.
 
ويشير هؤلاء إلى أن السلطات قصرت تعاطيها في السابق مع مطالب المجموعات العرقية المختلفة على القوة، وهو ما حال دون تحسين شروط العيش في هذه المناطق المهمّشة والمغضوب عليها لاعتبارات مذهبية أو عرقية.
وفشلت إيران، خاصة بعد ثورة الخميني في 1979، في التعاطي مع مطالب الأكراد في بناء حكم ذاتي ومراعاة حقوقهم الثقافية والاجتماعية، وسعت إلى التنسيق مع تركيا لمواجهتهم، لكن ذلك شجع المسلحين على تصعيد عملياتهم ضد قوات الأمن بأجهزتها المختلفة.

ويعتقد مصطفى هجري، رئيس الحزب الديمقراطي الكردي الإيراني بي.دي.كا.آي، أن ثورة الخميني بدلا من أن تتجه نحو إقامة نظام ديمقراطي لكل الإيرانيين توجهت نحو الجانب الديني الطائفي والفارسي الإقصائي لباقي المكونات منذ 1979.

وقال إن حزبه فقد الأمل في النظام الحالي مما اضطره في بعض الأحيان للاشتباك مع القوات الإيرانية وقتل عدد منهم في الأشهر الأخيرة كوسيلة للدفاع عن النفس والحقوق.

ويقدر عدد الأكراد في إيران بين 6 و9 ملايين شخص، ويمثلون حوالي 9 بالمئة من مجموع عدد السكان في إيران.

حتمية المراجعة أو الانتحار

ويرى محللون أن السلطات الإيرانية ستجد نفسها مجبرة على مراجعة سياستها الخارجية لتستطيع أن تواجه مشكلات الداخل، مشيرين إلى أن الإنفاق الكبير على تدخلاتها في ملفات إقليمية مثل سوريا ولبنان واليمن حال دون رصد استثمارات لتطوير مناطق الأقليات المهمّشة وساعد على تغذية نزعات الانفصال وحمل السلاح لتحقيق ذلك.

ويلفت هؤلاء إلى أن بدء العقوبات الأمريكية المشددة في نوفمبر سيقلص هامش التحرك لدى السلطات ليس فقط في تمويل ميليشيات خارجية مثل حزب الله اللبناني أو الحوثيين، ولكن لإقامة مشاريع ولو محدودة لامتصاص غضب الشارع الإيراني بسبب أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متراكمة منذ ثورة 1979.

وقد أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري، أن لديه معلومات دقيقة، بأن الحكومة الأمريكية خططت لشن هجوم عسكري على إيران خلال العام ونصف العام الأخير، إلا أن قادة أمريكا منعوا التنفيذ. وهو ما يعني أن النظام الإيرانية يتوقع الدخول في أمريكا في أي وقت؛ وأن الحديث عن الحرب، يعني جدية الضغوط الأمريكية.

وقد المرشد الأعلى، خامنئي أمس، على تصريحات روحاني السابقة الذي هدد تلميحًا بإغلاق مضيق هرمز. بينما قال روحاني اليوم الأحد: “إننا نكفل حماية ممر الملاحة”، ما يعني أن إيران لن تقدم على خطوة إغلاق الممر إلا في الحالة القصوى، وهي حالات الحرب وتصرحات كل من خامنئي وروحاني هى للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية.

كذلك، قال خامنئي: إن حل المشكلات لا ينتظر المحادثات والعلاقات مع أمريكا، وهو تلاعب بالألفاظ؛ فهذا لا يعني رفض الحوار تمامًا، وإنما يحافظ على ماء وجه النظام، ويوجه رسالة لحكومة روحاني، بأن حل مشاكلنا لا ينتظر أمريكا.

كما صرح خامنئي، أن الجهاز الدبلوماسي هو الجهة الرئيسة للسياسة الخارجية؛ ما يعني أن خامنئي يريد التغطية على مهمات مستشاره “ولايتي” التي يقوم بها في الخارج، والتي من الممكن أن تكون مهمة للحوار مع واشنطن.

خاصة أن ترامب طلب أن تكون المحادثات المقبلة بشكل مباشر مع رأس النظام وهو “المرشد الأعلى”. أو أن خامنئي يرد بالرفض على الطلب الأمريكي، ويبعد طاولة الحوار عن مكتب القيادة والإرشاد.

كذلك، تصريحات روحاني اليوم، التي قال فيها أن بلاده تسعى لتصحيح العلاقات مع السعودية والامارات والبحرين. تأتي في إطار التحركات بصورة العامة، التي قامت بها إيران في الفترة الأخيرة؛ التي تعني أن إيران تستجيب للضغوط الأمريكية ولكن بشكل مناور وفي إطار المساوامات.

الضغوط الأمريكية تؤتي ثمارها، سيما أن تركيا الحليف المقرب من إيران، قد استجاب بشكل نسبي للعقوبات الأمريكية على طهران، وقام بخفض وارداته من النفط الإيراني. ولا يمكن أن تستمر طهران في الراهن على أزمات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، فالراهن على الصين وأزمتها الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ يعني أن مستقبل طهران سيترنح وفق مزاج الغاضبين من واشنطن.

وقد نجحت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في احتواء روسيا وكذلك كوريا الشمالية، وهو ما يتحقق حينًا ويفشل حينًا مع الصين، وكذلك هو ما تطمح تلك الإدارة في تحقيقه أيضًا مع إيران.

ربما يعجبك أيضا