إيران قد تصبح الدولة الأكثر شيخوخة بالشرق الأوسط

هالة عبدالرحمن

كتب – هالة عبدالرحمن
تسببت سنوات الركود وارتفاع التضخم ونسبة البطالة، في تراجع معدلات الخصوبة داخل إيران، وحذرت السلطات الصحية، الشهر الماضي، من أن معدل النمو السكاني تراجع إلى أقل من 1% للمرة الأولى منذ 12 شهرا، بنهاية آذار/مارس، مما يهدد إيران بأن تصبح الدولة الأكثر شيخوخة في الشرق الأوسط بحلول 2050.

وسلطت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، الضوء على الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران، في ظل الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ما تسبب في وجود أزمة ديموغرافية مع تراجع معدلات المواليد.

وبلغ معدل المواليد 1.7 طفل لكل سيدة في إيران، وهو أقل من المعدل المطلوب، وهو 2.1 طفل للحفاظ على حجم السكان، وفقا للبيانات الرسمية الإيرانية، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يصل المعدل إلى 2.8 طفل لكل سيدة في عام 2018، وفقا للأرقام المتاحة الصادرة عن البنك الدولي.

وتشهد إيران حاليًّا، تغيرات جوهرية في هيكلها العمري بعد التراجع المستمر في معدل الخصوبة وزيادة متوسط العمر المتوقع، وهي تغييرات تحمل ملامح اقتصادية واجتماعية مهمة ترتبط بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية. تتحدث بعض المؤسسات الرسمية الإيرانية عن الحاجة إلى زيادة عدد السكان وتحذِّر من إحجام الإيرانيين عن الإنجاب معتبرة ذلك تهديدًا يزيد من حدة المخاوف مع تزايد نسبة الشيخوخة بين سكان إيران. وترسم هذه التحذيرات صورة مغايرة للمجتمع الإيراني، الذي يُصنَّف بأنه من المجتمعات الشابة، تُظهر إيران وقد شاخت وأصبحت عاجزة عن مواجهة التحديات. تبحث هذه الورقة أبعاد هذه القضية والنقاشات الداخلية الإيرانية بشأنها وتستعرض آثارها المستقبلية.

في أواخر 2013، نشرت الصحف الإيرانية نتائج دراسة أجراها مركز الإحصاء الإيراني وقارن فيها الوضع السكاني لإيران مع ثماني دول متقدمة ونامية، فوجد أن 3.8٪ من سكان إيران هم من كبار السن، لكن هذه النسبة مرشحة لتصبح في 2050 و2075 و2100 على التوالي: 23٪ و30٪ و28٪. وستتركز الشيخوخة بين النساء إذ تقول التوقعات: إن إيران مقبلة خلال خمسين عامًا القادمة على موجة من الشيخوخة تكون النساء سوادها الأعظم.

ووفقًا للدراسات التي أجراها مركز الإحصاء الإيراني، فإن إيران ستخطو بين عامي 2020 و2040 نحو عتبة كبار السن، لتدخل مرحلة الشيخوخة بين 2040 و2050، وفي عام 2050 سيكون أكثر من 21٪ من السكان هم من المسنين لتدخل مرحلة ما بعد الشيخوخة.

على مدى العقد الماضي بدأت أعداد الشبان الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا تتراجع في إيران، مع تزايد عدد الشبان في سنِّ العمل، وهو ما يطلق عليه مرحلة “التحولات العمرية”، ويبدو أن هذا التحدي لا يواجه إيران وحدها؛ إذ تشير المؤشرات الدولية إلى أن كبار السن (ممن تصل أعمارهم إلى 65 سنة فما فوق) هم الفئة العمرية الأسرع نموًّا في العالم. فعلى الصعيد العالمي، وللمرة الأولى، فاق عدد كبار السن في عام 2018 عدد الأطفال دون سن الخامسة، وبحلول عام 2050، سيفوق عدد كبار السن عدد المراهقين والشبان (من سن 15 إلى 24 عامًا). وفقًا للتوقعات السكانية العالمية لعام 2019 (الأمم المتحدة، 2019)، فإنه بحلول عام 2050، سيكون واحد من بين كل ستة أشخاص في العالم فوق سن الـ65 عامًا، في حين أن النسبة في عام 2019 هي واحد من بين كل 11 شخصًا.

في الوقت الحاضر، فإن نسبة الشبان التي تبلغ أكثر من 40٪ من السكان (من صفر إلى 14 عامًا)، وهي سمة من سمات البلدان النامية، قد بدأت بالتراجع. في عام 1975، كان هذا المؤشر في إيران 44٪ ويتجه ليكون أقل من 20٪ بحلول عام 2025. في المقابل، فإن نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا ستصل إلى أكثر من 20 بالمئة بحلول عام 2050. وفيما سيكون أكثر من 20% من سكان البلدان المتقدمة مثل ألمانيا والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا وكوريا ممن تزيد أعمارهم عن 65 عامًا عام 2025، فإن إيران وتركيا ستواجهان ذلك عام 2050 وباكستان في عام 2100.

ووفقًا للسيناريو المتوسط، سيزداد عدد سكان إيران من 75.5 مليون نسمة وفق إحصاء عام 2011 إلى 105 ملايين نسمة في مطلع 2051، وستشهد إيران نموًّا سكانيًّا يقارب الصفر في السنوات الخمس الأخيرة من هذه الدورة. ووفقًا لسيناريو الحد الأعلى الذي تطرحه الأمم المتحدة، سيزداد عدد سكان إيران من 77.3 مليون نسمة في عام 2011 إلى حوالي 128 مليون نسمة في عام 2051. وفي نهاية هذه الدورة ستشهد إيران نموًّا سكانيًّا يقل عن 1%.

خلال التعداد الأول للسكان في الجمهورية الإسلامية، عام 1986، جرى الإعلان عن معدل نمو سكاني بنسبة 3.9%، ووفقًا لتعداد عام 2016، انخفض المعدل إلى 1.24%، أي أقل من ثلث النسبة السابقة، وفي 2019، فإن معدل النمو السكاني في إيران يقل عن واحد في المئة.

هناك أسباب عدة لهذه الأزمة منها اقتصادي يتعلق بالبطالة وصعوبة العيش ومنها ما يتعلق بالسياسات التي جاءت في البداية لتنظيم الأسرة لمواجهة الاحتياجات التي خلَّفتها الحرب مع العراق لتتحول إلى مشكلة بسبب التطبيق غير الدقيق، ومنها اجتماعي يتعلق بنمط الحياة وانتشار صورة نمطية تُعلي من المكانية الطبقية لـ”أسرة الطفل الواحد”، ودخول الفردانية بنمطها الغربي إلى المجتمع الإيراني، وفق الدكتور صالح قاسمي مؤلف كتاب “الحرب السكانية العالمية”.

ونجحت السياسات السكانية في خفض معدل المواليد في إيران، لكنها فشلت في ضبط ذلك بصورة تضمن بقاء المجتمع الإيراني شابًّا. وخلال عقود قليلة، ستواجه إيران نتائج هذه السياسات لتتحول إلى مجتمع مسن وهو ما يتضمن تهديدات اجتماعية وسياسية واقتصادية وأمنية وثقافية. ستواجه إيران في المستقبل القريب انخفاضًا في عدد الشبان ممن هم في سن العمل، وارتفاعًا في عدد كبار السن الذين سيضغطون على صناديق التقاعد، مما يوجب بناء سياسات جديدة لتشجيع الزواج المبكر والإنجاب، وهذا أيضًا يحتاج إلى إمكانيات اقتصادية لا تشير الأوضاع القائمة في إيران إلى أنها متوافرة.
 

ربما يعجبك أيضا