الاحتلال الإيراني الروسي في سوريا والبحث عن الفوسفات

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

تستورد إيران كميات كبيرة من الفوسفات لتلبية احتياجات صناعتها, وهو ما دفعها مطلع العام الجاري لشراء مادة الفوسفات مباشرة من الجزائر، وكذلك تبحث عنها في المناطق التي تضع يديها عليها في المنطقة.

مطالبة بالتعويض

لم تكن حربًا مقدسة كما كانوا يروجون في أذهان المجاهدين الشيعة في سوريا والعراق، فتصريحات مستشار المرشد الإيراني للشؤون الاستراتيجية الجنرال رحيم صفوي، تكشف أن إيران تسعى وراء جني الثمار المادية من دعمها لنظام الأسد في سوريا. فقد طالب صفوي في ندوة استضافها معهد الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي تحت عنوان “دراسة الأزمة السورية، أحدث التطورات الميدانية والسياسية”، أن تعوض سوريا إيران الأموال التي أنفقتها على محاربة الإرهاب وحماية نظام الأسد.

وقال صفوي بأن نظام الأسد مستعد لذلك من خلال اتفاقيات تشمل النفط والغاز والفوسفات.

وفي تصريح يعبر عن التنافس مع روسيا في سوريا، قال صفوي: إن “الإيرانيين والروس حققوا النصر في سوريا بصورة لا تقبل الشك، مضيفا أن موسكو استعادت ما قدمته عبر توقيع معاهدة استراتيجية طويلة الأمد مع دمشق تمتد إلى 49 عاما فضلا عن حصولها على قواعد عسكرية وامتيازات سياسية واقتصادية”. وأن بإمكان بلاده أن توقع معاهدات مشابه مع نظام الأسد مشيرًا إلى أن إعادة الاعمار في سوريا تعتبر عملية طويلة وشاقة وتتطلب ما يقارب 400 مليار دولار.

وقال صفوي: “يجب على إيران أن تستعيد التكاليف التي دفعتها في سوريا”، مضيفًا أن السوريين “مستعدون لتسديد التكاليف من النفط والغاز ومعادن الفوسفات”.

وهو ما يكشف نوايا إيرانية ترتبط بالنظام الحاكم، سيما أن صفوي يمثل المستشار العسكري لرأس النظام الإيراني خامنئي، تهدف هذه النوايا إلى السيطرة على منابع الطاقة والموارد الطبيعية في سوريا، في إطار خطة إيران للهيمنة على منابع الطاقة، كما تفعل مع العراق وتركمانستان.

ليس انتقاد رحيم صفوي هو الأول من نوعه، فهناك رغبة إيرانية للبحث عن التعويضات فيما تنفقه إيران على مليشياتها في المنطقة، وهي نقطة هجوم من قبل المعارضة على النظام الحاكم في إيران. إذ رفع المتظاهرون شعار “لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران”، وهو ما يعبر عن حالة سخط بين الشباب الإيراني من إهدار أموال بلادهم على العمليات الخارجية.

فقد سبق أن انتقد موقع “تابناك” النظام السوري بسبب تهميش دور إيران في مرحلة الإعمار، وطالب الموقع بعقد اتفاقات طويلة المدى تغطي تكاليف التدخل الإيراني لصالح دعم الأسد.

كما هاجمت صحيفة “قانون” الرئيس السوري ووصفته بالجبان بسبب منحه جميع الصفقات الاقتصادية الكبرى للحكومة الروسية بدلًا من إيران.

تنافس روسي إيراني

وكانت إيران قد أوفدت في أغسطس 2016، معاون وزير الاقتصاد والمالية، فرهاد زركر، إلى دمشق، من أجل بحث آلية تسديد الديون الإيرانية الممنوحة للنظام السوري عبر ما يسمى خطوط الائتمان البالغة قيمتها 5.4 مليارات دولار.

وحسب وسائل إعلام إيرانية، فقد اتفقا الطرفان على تسديد الديون عبر منح إيران الفوسفات السوري، بعد تأسيس شركة مشتركة لهذا الغرض، تشرف على الاستخراج وتصدر الإنتاج إلى طهران، فضلاً عن تأسيس إيران شركة مشغل خلوي في سوريا، إضافة للشركتين القائمتين. وكشفت وسائل الإعلام أيضًا، أن إيران حازت على عقد استثمار مناجم الفوسفات في خنيفيس بحمص.

وتسعى إيران للاستحواذ على مشاريع الطاقة والموارد والنقل والزراعة والأغذية والاتصالات في سوريا، في إطار ضمان تحصيل تعويض ما أنفقته في سوريا، خاصة أن هذه القطاعات هي الأكثر ربحية، كما أن تسديد فاتورة الحرب من قطاع الموارد والثروات الطبيعية هو أكثر أمانًا واستقرارًا.

وفي ديسمبر 2017، وفي إطار التنافس الروسي الإيراني للاستحواذ على ثروات سوريا، أعلنت روسيا أنها الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآت الطاقة، وذلك على لسان نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روجزين، بحسب وكالة “إنترفاكس” الروسية.

وأضاف روجوزين أنه في سوريا يوجد أكبر حقل فوسفات الذي يمكن الاستثمار فيه منتجات مطلوبة في العديد من البلدان مثل الأسمدة.

وقال المسئول الروسي آنذاك: “قطاع الأعمال الروسي في سوريا يحسب كل روبل، لأننا لا يجب أن نفكر في مصلحة البلدان الأخرى فقط، حتى لو كانوا من الأقرباء والأصدقاء، ولكننا يجب أن نفكر الآن كيف نكسب الأموال لميزانياتنا، لمواطنينا والناس والذين ينتظرون أيضًا أي مكاسب من العمل الكبير لروسيا في سوريا”.

تصريحات المسؤول الروسي تُظهر وجود تصادم اقتصادي روسي إيراني في سوريا، خاصة وأن الطرفين وقعا اتفاقيات اقتصادية مع النظام السوري  ثمنًا لدعمهما العسكري والسياسي.

الفوسفات في سوريا

تأتي سوريا في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في العالم عام 2011، وتعد الهند وروسيا ولبنان ورومانيا واليونان من أبرز الدول المستوردة.

وتشير بيانات رسمية إلى امتلاك سورية احتياطيا “هائلا” من الفوسفات، جله في “السلاسل التدمرية”، شرقي مدينة حمص وسط البلاد، التي استعادت الحكومة السورية سيطرتها عليها كاملة من تنظيم “داعش” في مارس/ آذار 2016.

ويعود اكتشاف خامات الفوسفات في سوريا إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما قامت فرنسا آنذاك بدراسات محدودة في سفوح جبل بلدة السخنة الواقعة على يسار طريق دمشق- تدمر، لكنها توقفت مع خروج فرنسا من سوريا ونشوب الحرب العالمية الثانية، لكن البعثة السوفيتية قامت في بداية الستينيات بدراسات موسعة، وأكدت وجود الفوسفات في مناطق واسعة من البادية السورية، وأهمها منطقة خنيفيس والصوانة ووادي العوابد.

وفي عام 1970 أُحدثت “الشركة العامة للفوسفات والمناجم”، ليبدأ استثمار الفوسفات لكن بكميات إنتاج واحتياط محدودة لا تتجاوز 576 مليون طن، ومع ازدياد أعمال التنقيب تضاعف الرقم بعد عام 1998، حتى بلغ احتياطي سوريا من الفوسفات، وفق أرقام الشركة العامة، 1.8 مليار طن خام، في 2009.

وبلغت صادرات سوريا من الفوسفات، أكثر من 3.2 مليون طن إلى أسواق العالم، ما جعل سوريا تحتل مركزًا متقدمًا بين الدول المصدّرة للفوسفات في العالم.

ربما يعجبك أيضا