الطرود المشبوهة.. لعبة ديمقراطية أم خدعة ترامباوية؟

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

قبل أيامٍ قليلة من انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس الأمريكي، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية هجمات بالطرود المفخخة ، حيث تم إرسال 12 طردا مفخخا إلى منازل شخصيات بارزة من الحزب الديمقراطي، على رأسهم المرشحة الرئاسية السابقة “هيلاري كلينتون”، والرئيس الأمريكي السابق “أوباما”، ومكتب قناة “سي إن إن” في نيويورك، فضلا عن العثور على 11 طردًا مشبوهًا أرسلوا إلى شخصيات معارضة لـ”ترامب”، إضافة إلى طرد  تم اعتراضه من قبل جهاز الخدمة العامة الأمريكي كان مرسلا إلى “البيت الأبيض”، وعثر كذلك على عبوة ناسفة في صندوق بريد بالقرب من منزل الملياردير الأمريكي جورج سوروس في ولاية نيويورك، كما عثر على طرد أرسل إلى مكتب حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو بمدينة منهاتن، وآخر مشبوه قرب مكتب نائبة عن الحزب الديمقراطي بولاية فلوريدا.

من المستفيد؟

زعمت تقارير إعلامية ومراقبون، أن ترامب قد يكون لديه دور في عملية الطرود المشبوهة أو استغلالها من أجل إحداث حالة من الفزع الأمني للحصول على أصوات الناخبين في انتخابات الكونجرس الأمريكي، والتي تعد أشرس انتخابات للكونجرس في العقد الأخير، لصالح الحزب الجمهوري.

فقد قال ترامب، في وقت سابق: إن أمن وسلامة المواطنين لهما أولوية لديه، وإن الولايات المتحدة لن تخضع للتهديدات السياسية، لكنه عاد اليوم وهاجم وسائل الإعلام.

وكتب ترامب -عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعى “تويتر”- “جانب كبير جدا من الغضب الذي نراه اليوم في مجتمعنا يرجع إلى تقارير مغلوطة عمدا وغير دقيقة على وسائل الإعلام الرئيسية، أشير إليها بالأنباء الكاذبة”.

واعتبر مراقبون، أن ترامب يسعى من خلال “الطرود الانتخابية” إلى التأكيد على الدور الأمني، والحصول على أصوات الناخب الأمريكي بتقديم صورة قوية عن نجاح السلطات الأمنية الأمريكية في مواجهة حرب الطرود التي أطلت على الشارع الأمريكي فجأة وبدون مقدمات.

ويرى معارضو ترامب، أن الطرود نتيجة فعلية تعكس خطاب الكراهية الذي يبثه ضد معارضيه، وآخرها الأسبوع الماضي، الذي اتهم فيه ترامب الديمقراطيين بالتشجيع على أساليب “العصابات”.

خصوم ترامب

بشكل غريب، جميع من هاجمتهم الطرود المفخخة، هم خصوم بارزون لترامب، واشتهروا بمعاداة سياسته والوقوف أمامه في العديد من القضايا، فلدى ترامب، خصومة كبيرة ضد أوباما، منذ أن كان مرشحًا للرئاسة، بالدرجة التي اتهم رجل الأعمال المثير للجدل الرئيس السابق، بأنه مؤسس تنظيم داعش.

كما أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، من بين الذين يحملهم ترامب مسؤولية جميع الكوارث في الولايات المتحدة، ويزعم أنها كانت ستحول أمريكا إلى “كوم خراب” إذا ما نجحت في الفوز بالرئاسة.

الرجل الثالث الذي استهدف بالطرد المتفجر منذ يومين، الملياردير الأمريكي اليهودي الليبرالي جورج سوروس، لديه خصومة كبيرة مع الرئيس الحالي، حيث اتهمه الأخير بتوجيه الرأي العام ضده، بعدما هاجمه ترامب أثناء أزمة بريت كافانو، بحشد متظاهرات في واشنطن، واصفًا أياهن بـ”محترفات مأجورات” يمولهن سوروس.

بينما العلاقة بين شبكة الأخبار الأمريكية “سي إن إن”، والرئيس الحالي لا تحتاج أن تكون أسوأ من الوضع الحالي، بعدما شنّ ترامب هجومًا بعد انتخابه في 2016، في سلسلة تغريدات استهدفت الشبكة بعد تقريرها الذي رفضت فيه صحة ما جاء في تصريحاته سابقا عن تصويت الملايين بصورة غير شرعية لصالح منافسته هيلاري كلينتون.

الديمقراطيون مستفديون

من ناحية أخرى هناك بعض المراقبين يعتقدون أن” الطرود المشبوهة” هي خطة للحزب الديقراطي للحصول على أصوات الناخبين، عبر وجود استهداف مجهول له، وفي محاولة لتدارك التقدم الكبير للحزب الجمهوري في استطلاعات الرأي الأمريكية، مع النجاحات الداخلية التي حققها ترامب وتراجع معدلات البطالة ومواجهة الهجرة.

وكشفت تصريحات عضو الحزب الديمقراطي ورئيس بلدية نيويورك “بيل دي بلازيو”، أمر الطرود بأنه “عمل إرهابي.. شخص ما يحاول الترهيب وإسكات الأصوات في البلاد مستخدمًا العنف”.

وهو ما اعتبره مراقبون لعبة ذكية من الديمقراطيين باستغلال الطرود من أجل كسب تعاطف الناخبين، في ظل القاعدة الشعبية الكبيرة للحزب الجمهوري وترامب.

ويسعى الديمقراطيون لانتزاع السيطرة على أحد مجلسي الكونجرس أو المجلسين من الجمهوريين، وحرمان ترامب من الأغلبية التي يتمتع بها حزبه في المجلسين.

تهديد روسي

في أغسطس الماضي نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحذيرا من محاولات روسية لعرقلة سير التجديد النصفي في الكونجرس الأمريكي، وأن المسؤولين عن صد أى تهديدات للعملية السياسية الأمريكية ومواجهتها، لم يعبروا عن أي تناقض، وقالوا صراحة: إن روسيا وراء حملة متفشية لإضعاف الديمقراطية الأمريكية والتأثير فى الانتخابات لعام 2018.

وسعوا أيضا لطمأنة الناخبين بأن المسئولين المحليين والفيدراليين في الولايات يقومون بخطوات لحماية ما وصفه مدير “الإف بي آي” كريستوفر راي بالمحاولة المستمرة 24 ساعة في اليوم، و365 يوما في السنة من قبل روسيا لزرع الانقسامات مع توجه الأمريكيين إلى مراكز الاقتراع في الخريف المقبل.

ويضيف “راي”، إن روسيا حاولت التدخل في الانتخابات الأمريكية، ولا تزال منخرطة في عمليات التأثير حتى هذا اليوم.

أما “دان كواتس”، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، فيشير إلى أن الروس يبحثون عن كل فرصة بغض النظر عن الحزب، وعما إذا كان ينطبق على الانتخابات أم لا، من أجل مواصلة جهودهم المستمرة لتقويض القيم الأمريكية الأساسية.

ولم يتحدث المسئولون عن تهديدات محددة للانتخابات القادمة، وكانوا غامضين بشأن كيفية رد الحكومة على ما وصفوه بحملة التدخل الروسي، لكنهم قالوا: إن ترامب وجههم إلى مواجهة هذه التهديدات بقوة.

أما صحيفة “واشنطن بوست” فنشرت في تقرير لها أنه بعد عامين من تدخل روسيا في حملة الانتخابات الرئاسية، لم تفعل الولايات المتحدة شيئا يذكر لحماية نفسها من المحاولات الجديدة للتأثير على الناخبين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، بحسب ما قال مشرعون ومحللون مستقلون.

سيناريوهات محتملة

وضع بعض المحللين 4 سيناريوهات لسير عملية الطرود المفخخة الإرهابية

– ضلوع متطرفين يمينيين داخل المجتمع الأمريكي أو منتمون للحزب الجمهوري ويتعاطفون مع أقصى اليمين المتطرف بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أنهم لديهم النزعة العنصرية.

– منفذو مثل هذه العملية هم أشخاص من الكارهين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وطريقة إدارته للبلاد وتوظيف هذا في الانتخابات.

– المنتمون للحزب الديمقراطي أنفسهم يريدون تشويه صورة الحزب الجمهوري قُبيل الانتخابات وتوجيه البوصلة لحزبهم.

– احتمالية تنظيم خارجي يرفض العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة على بعض الدول مثل الصين وإيران.

لماذا التجديد النصفي؟

تحظى الانتخابات الرئاسية الأمريكية كل 4 سنوات بقدر كبير من الأهمية والمتابعة في جميع أنحاء العالم، ولكن ثمة انتخابات أخرى تسمى “التجديد النصفي” أو انتخابات منتصف المدة، ويمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاتجاه الذي تسير نحوه البلاد بسبب:

– انتخابات الكونجرس بمجلسيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، هي الأهم خلال مراحل انتخابات التجديد النصفي.

– فيما يخص انتخابات مجلس النواب، يتم انتخاب أعضائه لفترة مدتها عامين، ولذلك يتم تحديد شاغلي جميع المقاعد الـ435 خلال الانتخابات النصفية.

– انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ، فيتم انتخابهم لفترة مدتها 6 سنوات، وفي الانتخابات النصفية للعام 2018، سيكون ثلث المقاعد البالغ عددها 100 متاحًا للمنافسة الانتخابية، في حين سيجري الاقتراع على بقية المقاعد في العام 2020 أو العام 2022.

– تُجرى الانتخابات بداية من 6 نوفمبر المقبل، وسيصوت الشعب الأمريكي على 3 مستويات، حيث لا تقتصر الانتخابات على الكونجرس فقط.
– من المقرر أن يتم انتخاب 36 من حكام الولايات بالإضافة إلى 3 من حكام الأقاليم الأمريكية.

– وفيما يخلص الجانب المحلي، فمن المقرر أن يتم إجراء الانتخابات على 206 من رؤساء البلديات.

ربما يعجبك أيضا