«العلاقات الخارجية»: أزمة تايوان جرس إنذار لواشنطن.. وتدهور العلاقات مع بكين إهمال دبلوماسي

رنا أسامة

أشار رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة منطقية ومنضبطة إزاء تايوان، مع ضرورة مواصلة سياستها المتعلقة بـ"صين واحدة"، التي ساهمت على نحو غير مباشر في صياغة العلاقة بين بكين وتايبيه.


تركزت معظم المحادثات المتعلقة بالسياسة الخارجية في أمريكا، خلال 3 أسابيع الماضية، على ما إذا كان يتعين على رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، أن تزور تايوان.

وتباينت وجهات النظر إزاء الزيارة التي جرت في وقت سابق من الشهر الحالي، بين مؤيدين عدّوها مهمة لتأكيد التزام واشنطن بدعم تايبيه في مواجهة الضغوط الصينية، ومعارضين رأوا أن توقيتها غير مناسب، لأن الرئيس الصيني شي جين بينج من المرجح أن يرد، خشية أن يبدو ضعيفًا قبل المؤتمر 23 للحزب الشيوعي الحاكم.

تركيز في غير محله.. ورد اختياري

رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ريتشارد هاس، رأى، في مقال بتاريخ 15 أغسطس 2022، أن التركيز على زيارة بيلوسي في غير محله. وأشار إلى أن السؤال المهم هو: “لماذا لم تكتف الصين في ردها على الزيارة بإدانتها فقط بدلًا من حظر الواردات والصادرات والهجمات السيبرانية والتمارين العسكرية، التي مثلت تصعيدًا كبيرًا مقارنة بالأفعال الصينية السابقة لمعاقبة وترهيب تايوان”.

وبحسب هاس، فإن التصرفات الصينية إزاء زيارة بيلوسي لتايوان لم تكن من الأمور الحتمية، لأن القيادة الصينية كان من الممكن أن تتجاهل الزيارة أو تقلل من أهميتها. ووصف رد الفعل الصيني بأنه كان اختياريًّا، أو بالأحرى مبالغًا فيه، مرجحًا أن يكون جرى التخطيط له منذ فترة طويلة. وأضاف أن الصين كانت ستستغل أحداثًا أخرى، حتى من دون زيارة بيلوسي، كذريعة لتبرير تصرفاتها.

بيلوسي وشي صورة مركبة

وضع مشحون

أشار هاس إلى أن الوضع السياسي والاقتصادي المشحون داخليًّا على نحو متزايد في الصين، يفسر إلى حد كبير رد فعل شي، لا سيما أن أولويته القصوى في الوقت الراهن هي تعيينه لفترة ثالثة غير مسبوقة، زعيمًا للحزب الشيوعي الصيني.

ولم يعد ممكنًا الاعتماد على أداء الاقتصاد الصيني، الذي كان لعقود هو المصدر الأساسي للشرعية للقادة الصينيين، وذلك بسبب تباطؤ النمو وارتفاع البطالة وانفجار الفقاعات المالية، فضلًا عن سياسة صفر كوفيد التي أثارت انتقادات محلية، وأسهمت في خفض النمو الاقتصادي للبلاد، وفق هاس.

ارتياح للمجازفة

في خضم كل هذا، يلعب شي على وتر المشاعر القومية، وعندما يتعلق الأمر باستحضار الدعم الشعبي الصيني، فما من أمر ينافس تأكيد سيادة الصين على تايوان. وبحسب هاس فإن استعداد الصين لتصعيد التوترات يعكس ارتياحها المتزايد للمجازفة، وكذلك تردي علاقتها مع الولايات المتحدة.

وأشار هاس إلى تحطم الآمال في الصين بتحسن العلاقات مع أمريكا تحت إدارة الرئيس جو بايدن، الذي مضى على خطى سلفه دونالد ترامب في ما تعلق بالسياسات تجاه بكين، بما في ذلك استمرار فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، ومن المرجح أن يكون شي خلص إلى أنه لا يملك الكثير ليخسره إذا رد على زيارة بيلوسي لتايوان.

أمريكا والصين في الهندوباسيفيك 3

خطر واضح

في إطار ذلك، فإنه يوجد خطر واضح ينذر بوقوع حادثة قد تخرج عن السيطرة، لا سيما وسط الإشارات الواردة من الصين بأن نشاطاتها العسكرية قرب تايوان هي الوضع الطبيعي الجديد. والأخطر من ذلك كله، بحسب هاس، هو أن تقرر الصين أن خيار إعادة التوحيد السلمي يتلاشى كخيار حقيقي.

وهذا التلاشي سيكون له أسباب ليس أقلها أن الصين جعلت عديدًا من التايوانيين ينفرون منها، عندما تخلت عن التزامها “ببلد واحد ونظامين” في أعقاب استعادتها السيطرة على هونج كونج. وفي مثل هذا السيناريو، توقع هاس أن تقرر الصين استخدام القوة العسكرية ضد تايوان، لإنهاء النموذج الديمقراطي في تايوان، الذي يجعلها مثالًا يحتذى، وتجنب أي تحرك ملموس نحو الاستقلال.

إعادة إرساء الردع

بينما أظهرت الصين الإرادة والقدرة على استخدام قوتها العسكرية التي تتزايد قدراتها في أماكن أبعد، أوصى هاس بضرورة إعادة إرساء الردع، بما يستوجب تعزيز قدرة تايوان على مقاومة أي استخدام صيني للقوة، وزيادة الحضور والتنسيق العسكري الأمريكي والياباني.

بالإضافة إلى وجوب التعهد بوضوح بالدفاع عن تايوان عند الضرورة. وأضاف أنه سيكون من المهم أيضًا إظهار أن الولايات المتحدة الأمريكية وشركاءها ليسوا منشغلين بروسيا إلى الدرجة التي تجعلهم لا يمكنهم حماية تايوان أو عدم رغبتهم في عمل ذلك.

صياغة العلاقات الاقتصادية مع الصين

في الوقت نفسه، لفت هاس إلى ضرورة إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية مع الصين، في وقت زاد فيه اعتماد تايوان ودول آسيوية وأوروبية على السوق الصينية ووارداتها، ما يعني أنه في حالة وقوع أزمة فإن العقوبات قد لا تكون أداة سياسية قابلة للتطبيق.

والأسوأ من ذلك، بحسب هاس، أن الصين قد تكون في موقع يؤهلها لاستخدام النفوذ الاقتصادي ضد الآخرين للتأثير في أفعالهم، مضيفًا: “لقد حان الوقت لتخفيض مستوى الاعتماد التجاري على الصين”. ويبدو حاليًّا أن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في طريقها إلى زيادة في الغموض والتعقيد.

الصين وأمريكا

سياسة منطقية وعلاقة عصرية

بخلاف الصين، أشار رئيس مجلس العلاقات الخارجية إلى أن أمريكا بحاجة إلى سياسة منطقية ومنضبطة إزاء تايوان، مع ضرورة مواصلة سياستها المتعلقة بـ”صين واحدة”، والتي أسهمت على نحو غير مباشر في صياغة العلاقة بين بكين وتايبيه، وتجنب أي أعمال أحادية، سواء من بكين أو تايبيه.

وأضاف أنه بغض النظر عن الوضع النهائي لتايوان، فما يجب أن يكون مهمًّا، حسب المنظور الأمريكي، هو تحديد ذلك الوضع سلميًّا وبموافقة الشعب التايواني، علاوة على ذلك، فإنه من الضروري بذل جهود حثيثة لبناء علاقة عصرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

جرس إنذار

رأى هاس أن السماح بتدهور العلاقات الثنائية، التي عدها الأكثر أهمية في هذه الحقبة وتسهم في تحديد الجغرافيا السياسية لهذا القرن، يُعد إهمالًا دبلوماسيًّا، وشدد على أن إجراء حوار خاص رفيع المستوى يعالج أهم القضايا الإقليمية والعالمية، يجب أن يكون أولوية قصوى. ولكن ما لا ينبغي أن يكون أولوية قصوى، وفق هاس، هو محاولة إحداث تحول في السياسة الصينية.

وهو أمر قد يكون مستحيلًا، ناهيك بالإضرار بالعلاقات الثنائية، وانطلاقًا من المثل القائل: “لا تَدَعُوا الأزمات تذهب سدى”، قال هاس إن الأزمة الحالية حول تايوان ليست استثناءً، فهي عبارة عن جرس إنذار لواشنطن وتايبيه ولشركائهم الاستراتيجيين في أوروبا وآسيا، ينبغي أخذه على محمل الجد، في حين لا يزال يوجد متسع من الوقت والفرصة لعمل ذلك.

ربما يعجبك أيضا