الفلاشا بإسرائيل.. تاريخ من العنصرية يفضح أكذوبة الديمقراطية

أشرف شعبان

رؤية – أشرف شعبان

منذ وصولها إلى إسرائيل نهاية ثمانينيات القرن الماضي وبداية التسعينيات، لاقت – ولا تزال – الجالية الإثيوبية، تعاملا عنصريا ومتعاليًا من مختلف الجهات في إسرائيل.

مصاعب اللغة والثقافة الجديدتين شكلتا بالنسبة للكثير منهم صدمة لا تزال آثارها بادية حتى اليوم في الحياة الاجتماعية والأسرية مع ارتفاع العنف والانتحار في أوساطها، إلى جانب نسب البطالة العالية.

عوامل شكلت ضغطا انفجر أخيرا مع مقتل شاب يافع آخر بأيدي الشرطة الإسرائيلية على صورة احتجاجات عنيفة اجتاحت البلاد وشلت الكثير من نواحيها، فيما تبدلت لهجة الشرطة ومعها قيادات الاحتلال الإسرائيلي من لهجة التطمين إلى لهجة التهديد والوعيد.

تفشي العنصرية 

ويرى قادة أحزاب إسرائيلية، بأن ما يتعرض له الفلاشا يؤكد تفشي العنصرية في إسرائيل التي سعت إلى استقدامهم وأهملت استيعابهم، وإنهم يتفهمون احتجاجهم في تل أبيب والقدس مراراً، واتهموا الشرطة باستخدام القوة المفرطة ضدهم.

هذا وتلاحق عنصرية إسرائيل يهود الفلاشا في ميادين العمل والتأمين الصحي والتعليم، الأمر الذي يؤكد عنصرية إسرائيل المتفاقمة ضد اليهود الشرقيين، وخاصة يهود الفلاشا الذين تعتبرهم دراسات كثيرة من غير اليهود أصلاً، لذلك يرى زعماء اليهود الفلاشا أن تظاهراتهم الدورية ضرورية بغية تغير أحوالهم المعيشية، فإسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة في كثير من الأحيان.

أمور وإن تغير بعضها شكليا لكن جوهرها بقي على حاله، عنصرية ضد أناس ذنبهم الوحيد لون بشرتهم.

لسنا قطيع أغنام 

المحتجون أكدوا أنه لا يوجد أحد يدعمهم ولا يوجد تحقيق جاد في القضية، فقط يحاولون لملمة الموضوع، فنحن لسنا قطيع من الأغنام الذي لا يدرك أي شيء، فاللون يشكل علامة للتخلف بالنسبة لهم، ولن نسمح لهم ونريد حلا جذريا للقضية والعيش بمساواة، أو أن الدولة لن تهدأ.

أكثر من 140 ألفًا يهودي إثيوبي يعيشون في الأراضي المحتلة، كيان يغلب عليه مجتمع مركب من عشرات الجنسيات التي لاقت فيها موطئ قدم لها هروبا من بلدانهم الأصلية، ليصدموا بعنصرية ترى العرق واللون أهم من أمور أخرى قد تجمعهم.

الاحتجاجات الأخيرة سبقتها على مدار السنوات الماضية احتجاجات مماثلة ضد جملة من القضايا الشائكة التي يعاني منها أبناء الجالية الإثيوبية، بدءًا من فضيحة رمي تبرعات الدم التي قاموا بها في القاذورات، مرورا بالتشكيك في هويتهم على الدوام، إلى جانب عدم احترام ثقافاتهم وتقاليدهم، وانتهاءًا بتعامل الشرطة العنيف معهم.

فضيحة تبرعات الدم

شهد الاحتلال الإسرائيلي فضيحة كبرى في عام 1995 عندما ألقى ممرضون في الكنيست وحدات دم تبرع بها النائب الإثيوبي الأصل، أديسو مسالا، خلال حملة للتبرع بالدم، نظمتها خدمات الإسعاف الإسرائيلية “نجمة داود الحمراء” لصالح بنك الدم.

وكشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، وقتها النقاب عن أن وزارة الصحة الإسرائيلية تماطل في تنفيذ توصيات لجنة طبية صدرت قبل أكثر من عام، بقبول تبرعات الدم من الإسرائيليين الإثيوبيين الذين ولدوا في إسرائيل، أو الذين يعيشون في إسرائيل منذ عشر سنوات على الأقل، وليس من إثيوبيين هاجروا إلى إسرائيل أخيرا، حتى لو كانوا ممن خدموا ويخدمون في الجيش الإسرائيلي.

 ولفت تقرير الصحيفة إلى أن إسرائيل ترفض، منذ عشرين عاما، قبول تبرعات الدم من الإثيوبيين، وهي الوحيدة في العالم التي تتصرف على هذا النحو.

التنكيل داخل الجيش

في عام 2015 اندلعت احتجاجات من قِبل اليهود الإسرائيليين ذوي الأصول الإثيوبية في عاصمة الاحتلال الإسرائيلي “تل أبيب” بعد تداول مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي؛ يُظهر تنكيل أفراد من  شرطة الاحتلال بجندي إثيوبي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أدى لخروج الاحتجاجات على هذا الاعتداء والعنصرية التي تواجهها هذه الطائفة، لتظهر على السطح تراكمات لمشاكل عنصرية تعاني منها طائفة “يهود إثيوبيا” المهاجرين إلى الأراضي المحتلة.

وشارك وقتها آلاف من يهود الفلاشا في مظاهرة سلمية بمركز تل أبيب وهتفوا ضد عدوانية الشرطة تجاههم وتفشي العنصرية الرسمية والشعبية ضدهم بسبب لون بشرتهم السوداء، وطالبوا إسرائيل برؤية أفعال تنبذ العنصرية وعدم الاكتفاء بالأقوال.

وأسفرت التظاهرات العنيفة عن إصابة ما يزيد عن 68 شخصًا، من بينهم 23 شرطيًا، واعتقال 43 متظاهرًا. إذ تشير إحصائيات من داخل الكيان الصهيوني، أن نسبة المعتقلين الإثيوبيين في السجون تزيد بعشرات المرات عن نسبتهم السكانية من إجمالي عدد سكان إسرائيل، التي لا تتجاوز 1.2%.

تهميش اجتماعي

منذ بدء هجرة طائفة “الفلاشا” الإثيوبية اليهودية إلى أرض الاحتلال والعنصرية تلاحقهم من قِبل هذا المجتمع، الذي لا ينظر إليهم سوى نظرة متدنية، ويعاملهم كمواطنين من درجات متدنية، حيث لا يجدون سوى وظائف هزيلة، فضلًا عن حرمانهم من العمل في أعمال راقية، إلى أن ظهرت مطالبات داخل المجتمع الإسرائيلي بترحيلهم.

ويرى الناشط في احتجاجات يهود الفلاشا إيال جيطو أنه حان الوقت لكي ينظر المجتمع الإسرائيلي في المرآة ويدرك أن هناك مشكلة عميقة تتطلب علاجا من الجذر، مبينا أنه لا يوجد فرق بين المصطلح الخاطئ “الشرطة المفرطة” وعواقبه المدمرة وبين الاتفاقية السرية التي تمنع بيع أو استئجار الشقق للمهاجرين الإثيوبيين، وحتى الطبيب اليهودي الأبيض الذي يرفض علاج شخص من أصل إثيوبي يعيش بمجتمع يحرسه شرطي يطلق النار على صبي إثيوبي دون تمييز.

ويتركز يهود الفلاشا في إسرائيل في أحياء فقيرة ومهملة ومدن من الصفيح على أطراف المدن القائمة، كما هي الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة، حيث تتزايد نسبة المعتقلين منهم بتهم جنائية لتصل إلى 40 في المئة، خصوصاً بين الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة والأمية.

التشكيك في الهوية

يعاني اليهود الإثيوبيون في إسرائيل، إلى اليوم، من تعامل عنصري ضدهم بسبب بشرتهم السوداء، ومن عراقيل دينية وضعتها أمامهم المؤسسة الدينية اليهودية، التي شككت في يهوديتهم، منذ جلبهم 8 آلاف إثيوبي في أول حملة منظمة عام 1984 من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر الأراضي السودانية.

من جانبه، قال رئيس قسم العمليات في المنظمة الصهيونية العالمية درور مورغ إن اليهود الفلاشا ما زالوا مطالبين بإثبات أنهم يهود، إذ يتم التشكيك من قبل المجتمع الإسرائيلي إذا ما كانوا من الشعب اليهودي أصلا، وعليه يتم نبذهم ويعيشون في عزلة عن المجتمع الإسرائيلي.

واللافت أن يهود الفلاشا يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي لأن المجتمع والأحزاب الإسرائيلية تلفظهم في الأساس. ونتيجة التميز العنصري الإسرائيلي تجاه اليهود الفلاشا، تنخفض مؤشرات التنمية البشرية بينهم، مقارنة باليهود الأشكناز.

وأوضح مورغ أنه مباشرة وفور وصولهم إلى البلاد حصل يهود الفلاشا على معاملة العمال المهاجرين ولم يتم الاعتراف بهم كيهود إلا بعد عملية تحويل “للديانة اليهودية” لم تكن موجودة في حالة المهاجرين الآخرين.

وقال عضو المنظمة الصهيونية العالمية “نحن هنا في إسرائيل لم نبذل جهودنا لمعرفة الجالية الإثيوبية، تجاهلنا تماما عاداتهم والصعوبات الثقافية وصعوبات الهجرة، لم نسمح لهم بدخول المجتمع الإسرائيلي، لون بشرتهم لم يمر فوق أعيننا وكأننا لا نراهم، وبالتالي تم دفع يهود الفلاشا إلى هوامش المجتمع الإسرائيلي”.

منعهم من المدارس

يلاحظ المتابعون للشأن الإسرائيلي وجود تناقضات جوهرية داخل المجتمع الإسرائيلي، وصلت إلى حدود العنصرية، حيث يتم التعبير عن ذلك بنزول آلاف اليهود الأشكناز (الغربيون)، والذين يشكلون 40 في المئة من مجموع اليهود في إسرائيل إلى الشوارع بين فترة وأخرى للتعبير عن رفضهم اختلاط بنات الطائفة اليهودية المذكورة بالطالبات من اليهود السفارديم، أي من اليهود الذين يتحدرون من أصول أفريقية وآسيوية ونسبتهم تصل إلى 36 في المئة من إجمالي سكان إسرائيل اليهود البالغ 6،5 مليون يهودي خلال بداية العام الحالي 2018.

كما يمنع الطلاب اليهود من أصول شرقية من التحصيل التعليمي العالي مقارنة بالطلاب من أصول غربية، كما يعاني اليهود السفارديم من تمييز آخر، فمن الصعوبة بمكان أن يكون صاحب القرار في المؤسسة التنفيذية، أي رئيس الوزراء، من أصول شرقية.


 

ربما يعجبك أيضا