الفيلسوف الأمريكي فوكوياما ونهاية «نهاية التاريخ».. ماذا قال عن الحرب الروسية الأوكرانية؟

رنا أسامة

الغزو الروسي المروِّع لأوكرانيا نقطةُ تحوُّل حاسمة في تاريخ العالم والأوكرانيون وحدهم سيدفعون الثمن


في كتابه الشهير “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” قال الفيلسوف والمفكر السياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما إن “تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية ولّى مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية”.

ومع دخول الحرب الروسية الأوكرانية يومها العاشر واستمرار المعارك في شوارع وساحات أوكرانيا في حين يتابع العالم مأساة عائلات الضحايا والنازحين الأوكرانينن من المدنيين الذين باتت الحياة بالنسبة إليهم شبه مستحيلة في ظل الظروف التي تزداد سوءًا يومًا بعد آخر. لا سيما ومصير الحرب ونهايتها لا يزالان مجهولين حتى الآن.

سابقة مروِّعة وحجج واهية

بعد 4 أيام من بدء الحرب الروسية الأوكرانية قال المؤرخ الأمريكي ذو الأصول اليابانية إن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يكون ارتكب خطأً فادحًا لما أثارته الحرب من احتجاجات في دول حول العالم، من بينها روسيا”، داعيًا إلى ضرورة دعم أوكرانيا. وكتب في مقال نشرته صحيفة لوبوان الفرنسية في 28 فبراير الماضي 2022، أن “العالم يقف اليوم في لحظة بالغة الأهمية، لأن نجاح بوتين في الإطاحة بالديمقراطية في أوكرانيا واستبدال نظام تابع له بها سيكون سابقة مُروعة لاستخدام القوة الخالصة، وسيلهم الصين إعادة دمج تايوان”.

ورأى فوكوياما في مقاله أن الحجج الروسية قبل الحرب واهية، لأن دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو كان مجرد كلام نظري، كما أن القول بأن أوكرانيا دولة فاشية ونازية جديدة أو بأنها تقوم بإبادة جماعية للناطقين بالروسية في دونباس أو بأنها تستعد لعملية عسكرية واسعة ضد روسيا “تبريرات كلها سخفية”. على حدّ قوله. وأشار إلى أن “كل هذه الذرائع أفرغتها الحرب من معناها وبات واضحًا أن التهديد يذهب في اتجاه واحد فقط، من روسيا إلى أوكرانيا، بل إنه قد يمتد إلى جميع البلدان المتاخمة لروسيا أو إلى أبعد منها”.

صعود الحكومات الاستبدادية ونهاية “نهاية التاريخ”

في حوار مع صحيفة نيكي آسيا اليابانية، نشرته في 1 مارس الحالي، قال المؤرخ الأمريكي إن الحكومات الاستبدادية في صعود وإن زخم الديمقراطية انتهى بوضوح. لكنه رأى أن “روسيا ليست قوية مثل الاتحاد السوفييتي السابق، وإذا كانت توجد مخاوف من حرب باردة جديدة فسيكون من المهم مراقبة الصين. غير أنه يعتقد أن من الضروري تعزيز الردع العسكري للديمقراطيات الليبرالية من أجل مواجهة الأنظمة الاستبدادية مثل تلك الحاكمة لروسيا والصين”. على حد قوله.

وفي مقال بعنوان “حرب بوتين على النظام الليبرالي” نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 4 مارس الحالي، وصف الحرب الروسية المروِّعة مع أوكرانيا في 24 فبراير الماضي بأنها نقطةُ تحوُّل حاسمة في تاريخ العالم. وقال كثيرون إنها تشير قطعًا إلى نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة، وتَرَاجُع أوروبا “كاملةً وحرةً” التي اعتقدنا أنها ظهرت بعد عام 1991، أو في الواقع، نهاية “نهاية التاريخ”. على حد زعمه.

كيف ستتطوَّر الحرب الروسية الأوكرانية؟

نوّه فوكوياما في مقاله أيضًا بأنه “لا يوجد شك في أن تداعيات الهجوم الروسي تتجاوز حدود أوكرانيا” مُشيرًا إلى أن “بوتين أوضح أنه يريد إعادة تجميع أكبر قدر ممكن من الاتحاد السوفييتي السابق ودمج أوكرانيا في روسيا وخلق مجال نفوذ يمتد عبر جميع دول أوروبا الشرقية التي انضمت إلى حلف الناتو من التسعينات فصاعدًا”. وتابع: “رغم أنه لا يزال من السابق لأوانه معرفة كيف ستتطور هذه الحرب، فإن الواضح أن بوتين لن يقدر على تحقيق أهدافه القصوى”.

وأضاف “توقع بوتين نصرًا سريعًا وسهلًا وأن يعامله الأوكرانيون كمُحرّر، لكنه أثار عش الدبابير الغاضب أمام درجة غير مسبوقة من المثابرة والوحدة الوطنية أظهرها الأوكرانيون من جميع الأطياف”. وأوضح: “حتى لو استولى بوتين على كييف وعزل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لن يتمكن على المدى الطويل من إخضاع دولة غاضبة يزيد عدد سكانها على 40 مليونًا بالقوة العسكرية. سيواجه عالمًا ديمقراطيًّا وحلف الناتو موحدًا ومعبئًا كما لم يحدث من قبل، الأمر الذي فرض عقوبات مُكلّفة على الاقتصاد الروسي”.

أزمات النظام العالمي الليبرالي

قال الفيلسوف الأمريكي في مقاله إن “الليبرالية تسعى إلى السيطرة على العنف من خلال خفض آفاق السياسة. لأنها باتت تدرك أن الناس لن يتّفقوا على أهم الأشياء”، وأشار إلى أن “الأزمة الحالية، الحرب الروسية الأوكرانية، أظهرت أننا لا نستطيع أن نأخذ النظام العالمي الليبرالي الحالي بوصفه أمرًا مُسلَّمًا به. إنه شيء يجب أن نكافح من أجله على نحو مستمر، وسيختفي بمجرد أن نخفف حذرنا”.

وأكمل: “تعرضت الليبرالية إلى هجوم منذ بعض الوقت، من اليمين واليسار. وتشير (فريدوم هاوس) في استطلاعها الحرية في العالم لعام 2022 الحالي إلى تراجع الحرية العالمية في المجمل الآن لمدة 16 عامًا على التوالي، ليس فقط بسبب صعود قوى استبدادية مثل روسيا والصين، لكن أيضًا بسبب التحول نحو الشعبوية والليبرالية والقومية داخل الديمقراطيات الليبرالية القديمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والهند”.

الحرب في أوكرانيا.. بطولة مُلهِمة

قال فوكوياما في مقاله بفاينانشال تايمز إن “الحرب في أوكرانيا تهمنا جميعًا”. وعزا ذلك إلى أن “الحرب الروسية الأوكرانية غير المُبررة وقصف مدن أوكرانية مسالمة ذكّر الناس بأوضح طريقة ممكنة بعواقب الديكتاتورية غير الليبرالية”. وتابع: “من الواضح أن روسيا في عهد بوتين لا يُنظر إليها الآن على أنها دولة ذات مظالم مشروعة بشأن توسع الناتو، لكن بوصفها دولة مستاءة ومنتقمة عازمة على قلب النظام الأوروبي بالكامل بعد عام 1991”.

فيما أشاد الفيلسوف الأمريكي برد فعل الشعب الأوكراني، قائلًا إن “بطولة الأوكرانيين الذين يحتشدون حول بلادهم ويقاتلون ضد عدو أكبر بكثير، ألهمت الناس في جميع أنحاء العالم”. وتابع: “بات يُنظر إلى الرئيس زيلينسكي على أنه قائد نموذجي شجاع في ظل نيران ليست مجازية بل حقيقية، ومصدر وحدة لأمة ممزَّقة سابقًا. أدى الموقف الانفرادي لأوكرانيا بدوره إلى زيادة ملحوظة في الدعم الدولي واسع النطاق”.

ربما يعجبك أيضا