النداء الأخير .. واشنطن ترغب في عقد “معاهدة” مع إيران

يوسف بنده

رؤية

تواصل إدارة الرئيس ترامب ضغطها على إيران منذ انسحابها من الاتفاق النووي في مايو الماضي، حيث أعادت فرض العقوبات المرتبطة بهذا البرنامج تدريجيا، لتصل لذروتها في الخامس من نوفمبر المقبل، حيث تسعى لقطع تصدير النفط الإيراني تماما .

ومن المتوقع أن تلحق العقوبات أضرارا كبيرة بالاقتصاد الإيراني الذي بات على عتبة أزمة في الأشهر الأخيرة .

وسيرأس ترامب جلسة بشأن إيران خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل .

وفي يوليو/ تموز الماضي، قال ترامب إنه مستعد للاجتماع مع قادة إيران “في أي وقت يريدونه” الأمر الذي أثار تكهنات بأن اجتماعا قد يحدث خلال اجتماعات الجمعية العامة الأسبوع المقبل.

وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد حدد في مايو الماضي، 12 مطلبا يمكن أن تشكل اتفاقا جديدا مع إيران، لكن هوك أشار إلى معاهدة وهو ما سيتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي .

تهديدات مستمرة

في تقرير الخارجية الأميركية السنوي عن وضع مواجهة الإرهاب حول العالم في 2017، اعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية أن إيران ووكلائها تحولوا إلى تهديد عالمي يتخطى أثره الشرق الأوسط، وأن إيران أصبحت الدولة الرئيسية الراعية للإرهاب في العالم.

وأفرد التقرير مساحة واسعة لإيران كأحد التهديدات الإرهابية الثلاثة للشرق الأوسط والعالم إلى جانب القاعدة وداعش .

واستعرض التقرير أنشطة إيران في توفير الأسلحة، والدعم والتدريب للجماعات الشيعية في البحرين ودعمها لما سمي “الجماعات الإرهابية الشيعية العراقية”، التي ارتكبت في العراق انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خاصة ضد السنة، بحسب التقرير.

كما لفت إلى الدور الإيراني في تعزيز نظام الأسد في سوريا، عبر إشراك المقاتلين الشيعة من أفغانستان وباكستان وحزب الله في الحملة الوحشية” التي يقودها النظام.

وأشار التقرير السنوي إلى تزويد إيران لحزب الله بالآلاف من الصواريخ والقذائف والأسلحة الصغيرة، في انتهاك مباشر لقرار مجلس الأمن رقم 1701، ودعمه بمئات الملايين من الدولارات وتدريب الآلاف من مقاتليه في معسكرات في إيران.

وكان اللافت أيضًا، ليس فقط ذكر إيران كداعم للإرهاب إلى جانب القاعدة وداعش، وإنما ذكر مواصلة رفض تقديم إيران لكبار أعضاء تنظيم القاعدة ممن يقيمون على أرضها إلى العدالة، أو حتى القبول بالكشف عن هوية الأعضاء المحتجزين لديها، وتمكين التنظيم من نقل الأموال والمقاتلين إلى جنوب آسيا وسوريا.

وأشار التقرير الأمريكي إلى التهديد الذي بات يمثله البرنامج الإلكتروني الإيراني، الذي كان راعيا لهجمات إلكترونية ضد حكومات أجنبية وبعض كيانات القطاع الخاص.

وقال ناثان سيلز، منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية، في مقاربة للصحافيين عن التقرير إن إيران هي المسؤولة عن تعزيز العديد من الصراعات، وتقويض المصالح الأمريكية في سوريا، اليمن، العراق، البحرين، أفغانستان ولبنان، باستخدام وكلائها كحزب الله وغيره من الأدوات.

وأضاف أن إيران تعتمد الإرهاب كأداة من أدوات حكمها، وليس لديها أي تحفظ حول استخدام تلك الأداة في أي مكان، حيث تنشط شبكات نشطة لجمع التبرعات لها في أماكن مثل أفريقيا أميركا الجنوبية، وأنشطة لإرهابيين مدعومين لها في قلب أوروبا.

وكان المبعوث الأمريكي إلى إيران برايان هوك قد حذر خلال ندوة في واشنطن عن برنامج إيران الصاروخي، من أن إيران تعمل على “لبننة” الشرق الأوسط، وأنها تساعد حزب الله على بناء منشآت لصناعة الصواريخ في لبنان كما تساعد على نقل تقنية صناعة الصواريخ إلى الحوثيين في اليمن.

التفاوض من جديد

وقبيل اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقبيل تطبيق الحزمة الثانية من العقوبات على إيران، وجهت واشنطن النداء الأخير إلى طهران، فقد كشف برايان هوك، مبعوث الولايات المتحدة الخاص بشأن إيران اليوم الأربعاء، أن الولايات المتحدة تسعى للتفاوض على معاهدة جديدة مع إيران تشمل برنامجها للصواريخ الباليستية وبرنامجها النووي.

وشدد هوك على أن الهدف هو “التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران”، استناداً إلى الشروط التي أعلنها بومبيو في الربيع الماضي، والتي تتجاوز المطالب المحددة ضمن الاتفاق النووي الموقّع في عام 2015 حول البرنامج النووي الإيراني والذي انسحبت منه الولايات المتحدة.

وتأمل واشنطن أن تتضمن “معاهدة” دولية حقيقية مستقبلية يقرّها الكونجرس الأمريكي، حظراً على الأسلحة الباليستية ومنع تطوير الصواريخ الذي يمكن تزويدها برؤوس نووية، ولجم السلوك “المزعزع” و”المسيء” لطهران في منطقة الشرق الأوسط، لافتاً إلى أنه “ليس هناك أي رفض لفكرة لقاء الإيرانيين”، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ووفقا لوكالة “رويترز”، قال هوك للحضور في معهد هدسون: “الاتفاق الجديد الذي نأمل أن نبرمه مع إيران لن يكون اتفاقا شخصيا بين حكومتين مثل الاتفاق الأخير. نحن نسعى لإبرام معاهدة”.

وذكر أن قادة إيران ليسوا مهتمين بإجراء محادثات رغم تعبير الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو عن استعدادهما للاجتماع مع مسؤولين إيرانيين.

وكانت صفقة الإتفاق النووي التي أبرمت عام 2015 اتفاقا تنفيذيا لم يصدق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي. لكن إبرام أية معاهدة سيستلزم موافقة المجلس.

ويقول معارضو الاتفاق النووي إن فشل أوباما في الحصول على مصادقة على الاتفاق سمح لترامب بالانسحاب منه من طرف واحد في مايو.

وأضاف هوك “لم يحصلوا على الأصوات في مجلس الشيوخ الأمريكي لكنهم وجدوا الأصوات في مجلس الأمن الدولي. هذا غير كاف في نظام حكمنا إذا كنت تريد شيئا مستداما وتتوافر له مقومات البقاء”.

ولم يتطرق لتفاصيل بشأن الكيفية التي ستتفاوض بها الإدارة.

وقال هوك إن الإدارة توسّع نطاق مساعيها الدبلوماسية لضمان أن تقترب عمليات شراء النفط الإيراني “من الصفر” بحلول الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عندما ستعاود واشنطن فرض العقوبات النفطية على طهران.

وتابع هوك أن ترمب “سيواصل” في خطابه أمام الأمم المتحدة “التوجه إلى الشعب الإيراني” على غرار ما فعل العام الماضي حتى يعلم “أننا إلى جانبه في مطالبه من حكومته”.

في انتظار ذلك، تعود العقوبات التي تم رفعها في إطار الاتفاق النووي لتدخل حيز التنفيذ مجدداً اعتباراً من الرابع من نوفمبر المقبل، وشدد هوك على أن “العقوبات الأشد لم تُطبَّق بعد”.

قلق دول الجوار

وتقلق دول جوار إيران سيما في منطقة الخليج من أي إتفاق تعقده إيران مع القوى الدولية، دون مراعاة مصالحها في المنطقة ودون تلبية الرد على مخاوفها من التهديدات الإيرانية.

فقد قال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية اليوم الخميس إنه يجب إشراك حلفاء واشنطن الخليجيين في المفاوضات المقترحة للتوصل إلى معاهدة مع إيران بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية وسلوكها الإقليمي.

ووصف قرقاش تصريحات هوك بأنها “مهمة”.

وكتب على تويتر “من الضروري أن تكون دول الخليج العربي طرفا في المفاوضات المقترحة. الأعقل لطهران أن تتجنب مرحلة العقوبات وتتعامل بجدية مع هذه المقترحات”.

وسارعت الإمارات والسعودية والبحرين إلى دعم قرار ترامب في مايو أيار الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات على طهران. والدول الثلاث على خلاف مع إيران التي تخوض حربا بالوكالة أثرت في صراعات في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ولم تكن الدول الخليجية طرفا في الاتفاق النووي، وكانت القوى الغربية تستشيرها خلال المحادثات التي أفضت إلى إبرام الاتفاق، لكن هذه الدول لم تلعب أي دور مباشر في هذه المفاوضات.

العقوبات غير كافية

وحول عدم اكتراث الإيرانيين للعقوبات، قال وليام بيرنز، نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق، إن بلاده تبالغ في توقعات أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على إيران ستجبر الإيرانيين على الخضوع والقدوم إلى طاولة المفاوضات كما كان الحال قبل سنوات.

جاء ذلك في مقابلة لبيرنز مع الـCNN حيث قال: “اعتقد أن تخلي الإدارة الأمريكية عن الاتفاق النووي خطأ كبير، وأعتقد أننا نمضي قدما في ذلك على أساس استراتيجية خاطئة، وكما أفهم سياساتنا الآن فهي ليست للوصول إلى صفقة أفضل، وأعتقد أننا نبالغ في تقدير قدرتنا على تجديد ذلك الضغط الاقتصادي الذي اخضع الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات قبل سنوات”.

وأدرف بيرنز: “هناك طريقتان للتعامل مع الملف الإيراني، الطريقة الغبية والطريقة ذكية، والطريقة الحالية غبية لأننا عزلنا أنفسنا عوضا عن الإيرانيين وهو الأمر الذي أمضينا سنوات عديدة بهدف التوصل إليه، وبصراحة أعتقد اننا منحنا الإيرانيين فرصة ممتازة لأننا لن نتمكن من الوصول إلى ظروف مماثلة من الضغوط الاقتصادية كما السابق”.

وتابع قائلا: “الآن وخصوصا في الوقت الذي نواجه فيه حربا اقتصادية مع الصين فمن الصعب تصديق أنهم سيخفضون معدلات استيرادهم من النفط الإيراني، ونحن نضيف ضغوطا إضافية على منطقة بالعالم تشهد أصلا ضغوطا هائلة وعدم استقرار”.

الضغط المتبادل

وفي إطار الضغط المتبادل بين واشنطن وطهران، ذكرت وسائل إعلام رسمية يوم الخميس أن إيران طلبت من الأمم المتحدة التنديد بالتهديدات الإسرائيلية ومراقبة البرنامج النووي الإسرائيلي.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد حذر خلال زيارة قام بها إلى مفاعل نووي تحيطه السرية في أواخر أغسطس/آب من أن إسرائيل لديها الوسائل التي تمكنها من تدمير أعدائها، في إشارة مبطنة على ما يبدو إلى ترسانتها النووية المفترضة.

ونقلت وكالة أنباء فارس عن سفير إيران لدى الأمم المتحدة غلام علي خوشرو قوله في رسائل إلى الأمين العام للمنظمة الدولية ومجلس الأمن “يجب ألا يغض أعضاء الأمم المتحدة الطرف عن هذه التهديدات ويجب أن يتخذوا إجراءات صارمة للتخلص من كل الأسلحة النووية الإسرائيلية”.

وطلب من الأمم المتحدة إرغام إسرائيل على الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع برنامجها النووي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ولا تؤكد إسرائيل أو تنفي امتلاك قنبلة نووية، في إطار سياسة “غموض” متبعة منذ عقود تقول إنها تكبح بها جماح جيرانها المعادين لها بينما تتجنب الاستفزازات العلنية التي يمكن أن تشعل سباقات تسلح إقليمية.

وتحاول إسرائيل إقناع القوى العالمية بأن تحذو حذو الولايات المتحدة وتخرج من الاتفاق النووي الذي أبرمته مع إيران في 2015 وحد من القدرات النووية لدى الجمهورية الإسلامية مقابل تخفيف العقوبات.

وتعتبر إسرائيل الاتفاق غير كاف لحرمان إيران من امتلاك وسائل تمكنها في النهاية من صنع قنبلة نووية، وهو أمر تنفي طهران السعي إليه. ووقعت إيران على معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1970.

ربما يعجبك أيضا