اليونان وتركيا.. تصعيد حذر بسبب خشية أردوغان من التجاهل

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

رغم المساعي الدولية لخفض التصعيد والتوتر بين تركيا واليونان، عادت لغة التهديدات للواجهة بعد فشل المفاوضات بين البلدين تزامنًا مع الإصرار التركي على استفزازاتها في شرق المتوسط، بهدف توجيه رسائل واضحة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد فشل التفاوض بعدم تجاهل تركيا في السياسات الإقليمية

تهديدات مباشرة

في مؤشر ينذر بتفاقم الأزمة بين البلدين، أطلق وزيرا الدفاع والطاقة التركيان تهديدات مباشرة ضد اليونان، بعد إخفاق المفاوضات بين الطرفين.

وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، خاطب الحكومة والمسؤولين اليونانيين قائلاً: “لا جدوى من الخطابات الاستفزازية”، مذكراً بأن بلاده تُريد حل المشاكل العالقة مع اليونان عبر ما أسماه “القانون الدولي”، لكنه شدد على رفض بلاده لما اسمه “الحلول التي تستند على فرض الأمر الواقع”.

وجاءت تصريحات الوزير التركي عقب بيانات رسمية عدة صدرت عن المسؤولين اليونانيين، الذين اتهموا تركيا باتباع “سياسات توسعية”.

الوزير التركي شدد على رفض بلاده تدخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشؤون الثنائية بين البلدين، الأمر الذي يُعد تراجعاً من قِبلها بالوساطات التي قبلت بها خلال ذروة التصعيد بين البلدين في أواخر العام الماضي.

كما اتهم أكار الجانب اليوناني بالمحاولة المُتقصدة لما أسماه “الزج بالولايات المُتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في الخلافات الثنائية، وهو أمر لن يعود بالنفع على أحد، وسوف تضر باليونان وشعبها”، وهو تفصيل أعتبره المراقبون اليونانيون بمثابة التهديد المباشر.

وبعد ساعات قليلة من تصريحات وزير الدفاع، أعلن وزير الطاقة التركي، فاتح دونميز، عن نية بلاده حفر المزيد من الآبار في إطار تنقيبها عن الغاز في شرق المتوسط.

وأضاف أن بلاده ستتوجه لفتح 8 آبار جديدة، بالقُرب من الآبار القديمة، حسب تصريحات خاصة للقنوات الرسمية.

وتعد هذه التصريحات التركية الرسمية الأولى بشأن الاستمرار بسياساتها التقليدية، المتمثلة بالاستمرار في عمليات التنقيب دون تنسيق مع اليونان، بعدما كانت دول الاتحاد الأوروبي قد فرضت عقوبات مخففة وتحذيرية على تركيا في شهر ديسمبر من العام الماضي، وتراجعت تركيا وقتئذ من ممارساتها تلك.

القانون الدولي.. ذريعة أردوغان

بحسب المحللين فإن ممارسات التصعيد التي تمارسها حكومة أردوغان بشكل دوري مع اليونان أصبح جزء تقليدي لسياسات أنقرة، التي تسعى إلى توصيل رسائل واضحة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى حلف الناتو.

ويرى المحللون أن إصرار تركيا على اعتبار القانون الدولي فيصلاً بين البلدين، سيساهم في تفاقم التصعيد بين البلدين ويليه توريط الحلفاء المشتركين في أزمة كبيرة.

يذكر أنه خلال القترة الماضية، دخلت كلا من تركيا واليونان في جولة مفاوضات متعددة تباحثا فيها مختلف الملفات العالقة بينهما،من إمكانية إعادة توحيد الجزيرة القبرصية إلى عمليات التنقيب عن الثروات في شرق البحر المتوسط، وصولا إلى حقوق أبناء الطوائف المسيحية اليونانية داخل تركيا، والتي كانت تجري برعاية ومشاركة عدد من القوى العالمية. لكنها جميعاً لم تتوصل إلى أية نتيجة.

إلى أن جاءت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية اليوناني إلى تركيا في أواسط شهر أبريل الماضي، والتي كانت أكبر مؤشر على فشل التهدئة وجهود الوساطة بين الطرفين، إذ هدد وزير الخارجية اليوناني أثناء المؤتمر الصحفي في العاصمة التركية أنقرة بفرض عقوبات على تركيا إذا حاولت “انتهاك سيادة اليونان”.

يذكر أن هناك اختلافا في وجهات نظر بين تركيا واليونان حول المياه الإقليمية في بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط، وتصاعدت التوترات العام الماضي عندما أرسلت تركيا عدة سفن حفر لاستكشاف موارد الطاقة في المياه المتنازع عليها بشرق البحر المتوسط.

ما بعد فشل التفاوض

يرى المراقبون أن الاستراتيجية التي يمكن أن تتبعها تركيا بعد مرحلة فشل التفاوض، ستتمثل في التصعيد الحذر وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا، وذلك بسبب انعدام الخيارات أمام تركيا، وذلك أن مطالبة تركيا دون الإقرار بوجود استحقاقات الجرف القاري اليوناني والقبرصي هو جوهر المسألة، لأن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وأحكام محكمة العدل الدولية، وكل ممارسات الدول في شأن ترسيم الحدود البحرية، تعترف صراحة بربط أية منطقة اقتصادية خالصة واستحقاقات الدول فيها بوجود الجرف القاري لسواحلها وجزرها.

وفي سياق متصل، اعتبرت مجلة “فورين بوليسي” أن توجه تركيا نحو التصعيد سببه حذرها من تجاهلها في السياسات الإقليمية، والتي ظهرت بعد انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، ما أعطى دفعة للعلاقات بين اليونان والولايات المتحدة، والتي من المقرر أن تترجم بتوقيع اتفاقية تعاون عسكري ثنائي بين البلدين.

من جهتها، حثّت الولايات المتحدة تركيا على الاهتمام بتوفير المناخ اللازم لتطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان، في الوقت الذي أكدت فيه حرصها على استمرار المفاوضات بين تركيا واليونان للتوصل إلى حلول للملفات الخلافية العالقة بينهما، لكن ذلك لن يمنع تركيا من الاستمرار في استفزازتها خشية تجاهلها كقوة إقليمية بالمنطقة.

ربما يعجبك أيضا