انتصارات العاشر من رمضان.. ملاحم العزة والكرامة وتحديد المصير

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

أمجاد وبطولات سطَّرها الرجال انتصارًا عاشت عليها أجيال تلتها أجيال، ملاحم امتزجت فيها الدماء برمال سيناء القطعة الغالية من قلب الوطن، شهداء وأبطال جعلوا من سيرتهم العطرة ونضالهم من أجل رفع علم مصر عاليًا أسطورة تاريخية رفعت الرؤوس وحددت المصير.

هذه أرضي أنا وأبي ضحّى هنا.. بهذه الكلمات يستقبل المصريون ذكرى انتصارات العاشر من رمضان في حرب أكتوبر المجيدة، التي حررت الأرض ورفع بها أبناء الوطن رؤوسهم عالية، وظلوا يفتخرون بها عامًا تلو الآخر.

الذكرى الـ47 لانتصار العاشر من رمضان

هلت علينا اليوم الأحد، الذكرى الـ47 لانتصار العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر عام 1973، والتي مثلت الانتصار الأعظم في تاريخ مصر الحديث، فهي لم تكن حربا عابرة في تاريخ الجيش المصري المليء بالبطولات، بل كانت حدثًا فريدًا من نوعه أثار العالم أجمع.

ففي ذلك اليوم، شهدت أرض سيناء الحبيبة، معركة للتاريخ، قام فيها المصريون بعبور قناة السويس عبر أكبر مانع رملي في العالم، بعد تحطيم دفاعات خط بارليف الحصينة، ليتلقى العدو الصهويني ضربة قاسية، تحطمت فيها أسطورة جيشه الذي لا يقهر.

الجيش المصري، بأبنائه وسواعده استطاع بعد 6 سنوات من الاستيلاء على أرض سيناء، تحقيق الانتصار العظيم، على العدو الصهيوني، ليشفي الله به صدور المصريين، حيث خاضت مصر معركة عظيمة حققت فيها انتصارًا مبهرًا ماحيًا كبوة يونيو ١٩٦٧، ومتوجًا ما قام به الجيش من مقاومة بدأت بحرب الاستنزاف “في معركة رأس العش” التي استمرت ١٠٤١ يومًا، والتي قام خلالها أبطال القوات المسلحة بأربعة آلاف و٤٠٠ عملية، فأرست تلك الحرب الأعمدة الرئيسية التي قام عليها الانتصار العظيم في العاشر من رمضان.

حرب العاشر من رمضان، التي كسرت شوكة العدو الصهويني، كانت بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية، ومن ثم سيظل هذا اليوم العظيم، مصدر مجد وفخر يحيط بقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ، ووسامًا على صدر كل مسلم وعربي، وشفيعًا للشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم من أجل الدفاع عن أرض الوطن.

ضربة موجعة كسرت شوكة العدو

في أرض المعركة، وتحديدًا في الثانية من ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 1973، بدأ أكثر من ألفي مدفع ثقيل قصفه لمواقع العدو في نفس اللحظة التي عبرت فيها سماء القناة مائتان وثمان طائرات تشكل القوة الجوية المكلفة بالضربة الجوية الأولى، التي أصابت مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية بالشلل التام.

وفي نفس الوقت كان آلاف المقاتلين قد بدؤوا النزول إلى مياه القناة واعتلاء القوارب المطاطية والتحرك تحت لهيب النيران نحو الشاطئ الشرقي للقناة، لتبدأ بعد ذلك عمليات نصب الكباري بواسطة سلاح المهندسين.

بعد ذلك، تمكنت القوات المصرية من تحطيم “خط بارليف” الذي كان جبلًا من الرمال والأتربة، يمتد بطول قناة السويس في نحو (١٦٠) كيلومترًا من بورسعيد شمالًا، وحتى السويس جنوبًا، ويتركز على الضفة الشرقية للقناة، هذا الجبل الترابي الذي طالما افتخرت به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته، كان أكبر العقبات التي واجهت القوات الحربية المصرية في عملية العبور والانتصار.

لحظات لا تنسى

في مقر إذاعة صوت العرب بالقاهرة، وبينما كانت تشرق شمس يوم جديد، في صباح يوم العملية، حضر رئيس الإذاعة حلمي مصطفى البلك إلى مكتبه، وكانت وقتها الأجواء عادية تمامًا في محيط مبنى ماسبيرو، ولم يكن أحد يتوقع أن هناك خطوات جادة من الجيش المصري لعبور قناة السويس، إذ مرت ساعات الصباح بسرعة شديدة.

وظل الجميع يؤدي دوره بشكل عادي إلى أن جاءت الساعة الثانية و10 دقائق تمامًا، ليرن الهاتف الخاص برئيس إذاعة صوت العرب -حسبما روى حينها- بيان عاجل للقوات المسلحة، لم يجد رئيس صوت العرب حلمي البلك، مفرًّا من أن يُذيع البيان رقم 1 للقوات المسلحة، فمنذ التحاقه بإذاعة صوت العرب عام 1958 محررًا ومذيع نشرات الأخبار، كان يحرر نشرة الأخبار بنفسه ثم يقرؤها.

وفي لحظات لا ينساها أبدًا جموع الشعب المصري، جاء البيان رقم 1: “هنا القاهرة.. جاءنا الآن البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة، قام العدو في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظُهر اليوم، بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة، في خليج السويس بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية، عندما كانت بعض من زوارقه البحرية، تقترب من الساحل الغربي، من الخليج، وتقوم قواتنا حاليًا بالتصدي للقوات المغيرة.. هنا القاهرة”.. كان ذلك نص البيان الأول للحرب.

وفي الساعة الثانية و35 دقيقة، جاء بيان آخر للقوات المسلحة، طلب رئيس الإذاعة من زميله مذيع نشرات الأخبار وقتها يحيى عبدالعليم بإذاعته، والذي جاء فيه: “هنا القاهرة جاءنا الآن من القيادة العامة للقوات المسلحة البيان التالي بيان رقم 2، ردًّا على العدوان الغادر الذي قام به العدو، ضد قواتنا تقوم حاليا بعض من تشكيلاتنا الجوية، بقصف قواعد العدو وأهدافه العسكرية في الأراضي المحتلة.. هنا القاهرة”.

وتوالت البيانات، بعد ذلك ليعلن البلك البيان الثالث، والذي جاء فيه: “إلحاقًا للبيان رقم 2 نفذت قواتنا الجوية، مهامها بنجاح، وأصابت مواقع العدو بإصابات مُباشرة، وعادت جميع طائراتنا إلى قواعدها سالمة عدا طائرة واحدة.. هنا القاهرة”.

وجاء في البيان الرابع: “حاولت قوات معادية الاستيلاء على جزء من أراضينا غرب القناة وقد تصدت لها قواتنا البرية وقامت بهجوم مضاد ناجح ضدها بعد قصفات مُركزة من مدفعيتنا على النقط القوية المُعادية، ثم قامت بعض من قواتنا باقتحام قناة السويس، مُطاردة العدو إلى الضفة الشرقية، في بعض مناطقها ولا زال الاشتباك مُستمرا على الضفة الشرقية لقناة السويس.. هنا القاهرة”.

وفي تمام السعة الرابعة و6 دقائق، أعلن البلك البيان الخامس قائلًا: “بسم الله الرحمن الرحيم، نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس على طول المواجهة، وتم الاستيلاء على منطقة الشاطئ الشرقي للقناة، وتواصل قواتنا حاليًا قتالها مع العدو بنجاح، كما قامت قواتنا البحرية بحماية الجانب الأيسر لقواتنا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقد قامت بضرب الأهداف العامة للعدو على الساحل الشمالي لسيناء، وأصابتها إصابات مباشرة.. هنا القاهرة”.

وكان البيان الأخير، بمثابة الفرحة التي لا تنسى أبدًا على مر السنين، فيوم استرداد الشرف والكرامة خلد فرحة النصر التي ظلت ذكراها عالقة في الأذهان والقلوب إلى اليوم.

تهاني ومعايدات.. وتجديد المعركة

في الذكرى السنوية لمعركة العزة والكرامة، تنهال المعايدات والتهاني على الشعب المصري الأبي الذي رفض الخضوع والانكسار، واسترد الأرض، في يوم الشرف والعزة والكرامة.

وفي هذا السياق، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مهنئًا شعبه، صباح اليوم بذكرى انتصارات العاشر من رمضان: “يهل علينا اليوم ذكرى انتصار العاشر من رمضان، أحد أعظم أيام مصر في تاريخها الحديث، والذي صنعته العسكرية المصرية ليبقي ذكراه خالدة في وجداننا جميعًا، ليس فقط لانه يوم العزة والكرامة، بل لانه جسد قدرة المصريين على قهر المستحيل بدقة التخطيط، وبجسارة التنفيذ.. ليصبح ذلك اليوم نموذجًا ملهمًا ومنهج عمل للعبور الي المستقبل”.

ومن جانبه بعث الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي ببرقيـة تهنئـة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، بمناسبة الاحتفال بذكرى العاشر من رمضان، وجاء بها: “يسعدني أن أهنئ سيادتكم بمناسبة الاحتفال بذكرى نصر العاشر من رمضان، الذي حققه جيل عظيم من رجال القوات المسلحة ببطولاتهم وتضحياتهم وكانوا قدوة في البسالة والفداء، من أجل إعلاء الإرادة المصرية واسترداد العزة الوطنية، وذكرى هذا اليوم المجيد ستظل دائمًا مبعث اعتزاز شعب مصر بقواته المسلحة ورجالها، الذين توجوا كفاح شعب مصر ونضاله بإعلاء إرادته والحفاظ على سلامة ووحدة أراضيه بنصر مجيد حققوه في يوم العاشر من رمضان”.

وأضاف: “رجال القوات المسلحة وهم يهنئون سيادتكم بهذه الذكرى المجيدة، يؤكدون وفاءهم للمهام والمسؤوليات التي يحملون أمانتها في الدفاع عن الوطن وحماية شعبه ومقدساته وصون أمنه القومي”.

كما بعث الفريق محمد فريد، رئيس أركان حرب القوات المسلحة ببرقية تهنئة مماثلة إلى الرئيس السيسي.

وأصدر الفريق أول محمد زكي، توجيهاً لتهنئة القادة والضباط وضباط الصف والصناع العسكريين والجنود والعاملين المدنيين بالقوات المسلحة وكذا أفراد القوات المسلحة المشاركين بقوات حفظ السلام، بمناسبة ذكرى نصر العاشر من رمضان.

وكذلك أشاد الأزهر الشريف، وإمامه الدكتور أحمد الطيب، بانتصارات العاشر من رمضان ببيان جاء فيه: “الجيش المصري يهزم العدو الصهيوني ويحرر أرض سيناء الحبيبة، ففي العاشر من رمضان 1393هجريًّا/ السادس من أكتوبر 1973م، عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس، واستطاعت بفضل الله اجتياز خط بارليف المنيع واستعادة سيناء الحبيبة من يد المحتل الصهيوني، في انتصار عسكري تحدث عنه العالم أجمع ،مشيدًا بشجاعة وبسالة خير أجناد الأرض”.

وتابع البيان: “والآن تخوضُ قواتنا المسلحةُ الباسلة حربًا لا تقل ضراوةً على أرض سيناء الحبيبة ضد جماعات العنف والإرهاب، ومن خلفها شعب أبيٌّ يدعم قواته المسلحةَ حتى تحقيق النصر واجتثاث الإرهاب الأسود من جذوره”.

ومن جانبه هنأ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، الرئيس عبدالفتاح السيسي، والفريق أول محمد زكي، ورجال القوات المسلحة البواسل، والشعب المصري بذكرى انتصارات العاشر من رمضان، داعيًا المولى عز وجل أن يديم على مصرنا الغالية وأهلها الأمن والسلام والاستقرار.

 وقال مفتي الجمهورية في كلمته، بمناسبة ذكرى انتصارات العاشر من رمضان: “إن تلاحم أبناء مصر وتكاتفهم بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم خلال حرب العاشر من رمضان وتضحياتهم من أجل حماية هذا الوطن كان سببًا رئيسيًّا في تحقيق نصر العاشر من رمضان، وهذا ما نحتاجه في تلك المرحلة من تضافر لجهود المصريين جميعًا على كافة المستويات كي نصل بمصرنا إلى التنمية الشاملة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، لتتبوأ مكانتها المستحقة بين الأمم”.

كما وجه مرصد الإفتاء التحية لأبطال القوات المسلحة بمناسبة انتصارات العاشر من رمضان، مشيدًا بتضحيات وبطولات القوات المسلحة في التصدي للإرهاب والدفاع عن الوطن.

هاشتاج العاشر من رمضان يتصدر “الترند”

استمرارًا لمعركة الفخر والاعتزاز بمناسبة ذكرى انتصارات العاشر من رمضان، تصدرت مباركات وتهاني الشعب المصري مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاج العاشر من رمضان “الترند” في موقع التدوينات القصيرة “تويتر” بتفاعل الشعب المصري العظيم مع هذه المناسبة العظيمة.

ربما يعجبك أيضا