انتقام إيران لقصف قنصليتها.. ما الدلالات؟

رد إيران العسكري على إسرائيل.. أبعد من انتقام حكيم!

يوسف بنده
صواريخ

إن كانت طهران قد أدارت عمليتها الانتقامية في إطار الرد الحكيم، لكن هذه العملية فرصة للتدرب على الاستراتيجية الدفاعية التي أطلقتها إيران منذ عملية طوفان الأقصى، تحت مفهوم "وحدة الساحات".


أطلقت إيران، ليل السبت 13 إبريل 2024، عملية “الوعد الحق” للثأر من قصف قنصليتها في دمشق المتهمة فيه إسرائيل.

وإن كان هذا الانتقام يأتي في إطار الرد الحكيم، لكنه يحمل دلالات سياسية وأمنية ترتبط بإيران ومنطقة الشرق الأوسط.

جدية الرد الإيراني

تأتي عملية الانتقام بعد تصريحات إيرانية متكررة بضرورة الانتقام من إسرائيل، ما يعني أن طهران جادة في الدخول في مغامرة عسكرية، إذا ما اضطرت لذلك، على غرار ما وقع في الحرب العراقية-الإيرانية.

كذلك، تقلق إيران على غرار إسرائيل من فقدان نظرية الردع التي تعزز مكانتها الإقليمية، وهو ما دفعها لحتمية الرد على عملية إسرائيل ضد قنصليتها في دمشق.

كذلك، إصدار التهديدات بالانتقام من أعلى سلطة في إيران، وهو المرشد الأعلى، يستدعي أخذ تلك التهديدات على محمل من الجد، فقد أعاد المرشد علي خامنئي، فور بدء عملية الانتقام تغريدة كان قد كتب فيها سابقًا قال فيها: “سيتم معاقبة النظام الخبيث”.

resized 1802806 855

تظاهرات ليلية في طهران داعمة لعملية الانتقام

إدارة المكاسب

سعت إيران لمقايضة ضربتها الانتقامية بالمكاسب، ولذلك لم تستعجل الرد منذ قصف قنصليتها في دمشق، الاثنين 1 إبريل، بل جرت اتصالات ومحادثات مع الجانب الأمريكي وقوى إقليمية وغربية، وبذلك استفادت بشكل أكبر، حيث لم تتعرض لعزلة وفرضت موقعها كدولة فاعلة إقليميًا.

بالتزامها بالانتقام الحكيم، أثبتت إيران للولايات المتحدة أنه يمكن إدارة المصالح المشتركة معًا، وهو ما يفرض معادلة جديدة تعيد للمنطقة صورة إيران الشاه التي كانت تدير مصالحها الإقليمية بالتنسيق مع أمريكا.

أيضًا، استفادت طهران من واشنطن في تحقيق المعادلة الصعبة التي واجهتها: كيفية الانتقام دون التعرض لأمن دول الخليج وخسارة المكاسب السياسة والاقتصادية التي حققتها منذ مصالحتها مع السعودية وكسر العزلة الإقليمية؟

ولذلك، فإن إدارة الانتقام الحكيم بالتنسيق مع واشنطن، ساعد طهران على عدم اتساع دائرة الحرب والانجرار إلى حرب لم تختر توقيتها، فإن الإعلان عن بدء عملية انتقامية هجومية يخالف قواعد الحرب، ولكن يضمن للعدو الاستعداد لمواجهة الضربة، بالإضافة إلى أن معرفة مصدر الضربة ساعد الدفاعات الأمريكية وكذلك دفاعات دول العبور إلى التصدي للضربة الإيرانية، ما يخفف من تأثيرها على إسرائيل، على غرار تصدي الدفاعات الأمريكية في سوريا، وكذلك الدفاعات الأردنية للصواريخ والمسيّرات الإيرانية العابرة فوق أراضيه.

resized 1802805 907

تظاهرات ليلية في طهران داعمة لعملية الانتقام

إدارة العملية

أدارت إيران عملية الانتقام بما يضمن تحجيمها قبل بدئها، فقد استولت على السفينة البرتغالية “MCS ARIES” المملوكة جزئيًا لجهة إسرائيلية، في مضيق هرمز، نهار السبت 13 إبريل.

ما يعني أن إيران كانت تلوح جديًا بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، إذا ما تعرضت لهجوم واسع من قوات غربية أو إقليمية، في حالة خروج الأمر عن المحسوب.

كما أعلنت الخارجية الإيرانية في بيان، عقب بدء عملية الانتقام، أن “طهران لن تتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات الدفاعية لحماية مصالحها في مواجهة أي عدوان عسكري”. وأكدت أن “إيران لن تتهاون مع أي اعتداءات عسكرية، وأي استخدام غير قانوني للقوة”، مشددة على “التزامها بمبادئ الأمم المتحدة والمواثيق والقوانين الدولية”.

ما يعني أن طهران كانت تتحسب لأي عملية انتقامية خارج الحسابات التي اتفقت عليها مع الولايات المتحدة والقوى الغربية.

أيضًا، حرصت طهران على تكرار التحذيرات للولايات المتحدة وحلفائها، مع الحفاظ على تبرير عملية الانتقام للتأكيد على أن العملية في إطارها “الحكيم”، وذلك لتحييد الولايات المتحدة عن التورط في مواجهة مباشرة مع إيران، فقد وجّهت إيران دعوة للولايات المتحدة بـ “البقاء في منأى” عن العملية التي شنتها ضدّ إسرائيل.

وقالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة في رسالة عبر منصة إكس: “هذا نزاع بين إيران والنظام الإسرائيلي المارق، ويجب على الولايات المتحدة البقاء في منأى منه”.

كذلك، تعهد الحرس الثوري الإيراني، في بيان: “أي تهديد من الولايات المتحدة والنظام الصهيوني صادر من أي دولة سيؤدي إلى رد متناسب ومتبادل من إيران تجاه مصدر التهديد”.

resized 1802809 266

تظاهرات ليلية في طهران داعمة لعملية الانتقام

وحدة الساحات

إن كانت طهران قد أدارت عمليتها الانتقامية في إطار الرد الحكيم، لكن هذه العملية فرصة للتدرب على الاستراتيجية الدفاعية التي أطلقتها إيران منذ عملية طوفان الأقصى، تحت مفهوم “وحدة الساحات”، أي وحدة صف محور المقاومة الذي يعمل تحت إمرة إيران.

فإن الضربة الانتقامية اعتمدت على مشاركة الفصائل المولية لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكانت هذه الضربة فرصة للتدرب على الأخطاء، وكذلك اكتشاف الدفاعات الجوية والقواعد السرية التي تديرها الولايات المتحدة في المنطقة.

كانت الضربة بمثابة رسالة جادة من إيران إلى إسرائيل، على امتلاكها بنك أهدافها وأن صواريخها قادرة على الوصول، فإن الصواريخ التي أصابت مطار رامون في صحراء النقب ومطار نيفاتيم العسكري، أكدت على قدرة الصواريخ الإيرانية في إصابة أهدافها.

إطلاق وابل من الصواريخ والطائرات المسيرة من داخل وخارج إيران، كشف عن احتفاظ إيران باستراتيجيتها التاريخية التي ما زالت تعتمد على “الكم” في مواجهة العدو.

كذلك، فإن الاستفادة من سلاح الطائرات المسيرة بجانب إطلاق الصواريخ الباليستية، يعني أن للقوات الإيرانية حساباتها في عملية تشتيت الدفاعات الجوية وإصابتها بالعجز في القدرة على مواجهة هجوم واسع متعدد الاتجاهات. وهذا الأمر سيدفع إسرائيل إلى البحث عن دفاعات جوية برية وبحرية خارج حدودها، وسيرسخ من قناعتها بالربط الدفاعي مع دول جوارها في المرحلة المقبلة.

ربما يعجبك أيضا