بايدن على مفترق طرق.. ماذا تحقق بعد مرور نصف مدة حكمه؟

محمد النحاس
الرئيس الأمريكي جو بايدن

بعد مرور نصف المدة على دخول بايدن البيت الأبيض.. هل استطاع الرئيس الأمريكي 46 تحقيق وعوده؟


مرّ عامان على دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن البيت الأبيض، في ظل تحديات استراتيجية وجيوسياسية متنوعة تواجه الولايات المتحدة.

وتسلم الرئيس 46 حكم البلاد في مرحلة استثنائية، واجهت خلالها أسوأ وباء منذ عقود، وعانت حالة استقطاب حادة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تجلت في مشهد اقتحام الكونجرس 6 يناير 2021.. فكيف تعامل بايدن مع هذه الأزمات؟

أفغانستان.. انسحاب كارثي

افتتح بايدن ولايته متعهدًا بإنهاء العزلة الأمريكية، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء وتقوية الشراكات الاستراتيجية، بعدما انتهج سلفه دونالد ترامب سياسة “أمريكا أولًا”، التي أثرت سلبًا في العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة.

لكن عهد بايدن بدأ بـ”الانسحاب الكارثي” من أفغانستان، الذي جرى دون التنسيق مع الحلفاء، ونتجت عنه المشاهد المأساوية بمطار كابول، ومقتل 12 جنديًّا أمريكيًّا، وفقًا لتقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أول من أمس الخميس 19 يناير 2023.

maxresdefault 38

هل اختلفت سياسة بايدن عن ترامب؟

يشير الباحث السياسي بهاء محمود في هذا الصدد، إلى أن سياسة بايدن لم تختلف جوهريًّا عن سياسة ترامب، فقد عقدت الولايات المتحدة صفقة الغواصات مع أستراليا، التي دفعت الأخيرة لإلغاء صفقة مع فرنسا بعشرات المليارت من الدولارات، ما أثار توترًا بين باريس وواشنطن. ويضيف أن الانسحاب من أفغانستان جرى دون تنسيق مع بقية الحلفاء.

ويتفق الأمين العام السابق لحلف الناتو، أندرس فوج راسموسن، مع الرأي سالف الذكر، ويرى كذلك أن هذا الانسحاب أدى إلى ضياع جهود 20 عامًا دون داعٍ، وفقًا لما أورد تقرير المجلة الأمريكية.

روسيا ومحاولة للتعاون

عند الحديث عن العلاقات الأمريكية الأوروبية، لا بد من العروج على العلاقة مع روسيا، وقد بدأت إدارة بايدن الحكم مشددة على أنها ترغب في علاقة مع روسيا “مستقرة ويمكن التنبؤ بها”.

وبالفعل انعقدت قمة أمريكية روسية في يونيو 2021، واتفق الجانبان على التعاون في مجموعة من المجالات الحيوية، بما في ذلك الاستقرار الاستراتيجي، ومكافحة التغير المناخي، والحد من الهجمات الإلكترونية.

putin biden meeting rt jef

توتر العلاقات

بدأ الأمر في التغير، عندما رصدت الاستخبارات الأمريكية حشودًا من القوات الروسية، عند الحدود مع أوكرانيا، وبدأت تحذر مرارًا وتكرارًا من عواقب شن غزو، وبالفعل في 26 من فبراير بدأ الروس ما أطلقوا عليه “العملية العسكرية الخاصة”، بعد الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. 

وآنذاك، كان يمكن العلاقات الأوروبية الأمريكية بـ”الفتور النسبي”، وكان حلف شمال الأطلنطي (الناتو) في حالة سبات. ورغم عدم الاتفاق في كل الجوانب، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا جملة من العقوبات غير المسبوقة على الروس، وبدا أن جبهة الغرب موحدة أكثر من أي وقت مضى.

39b367c5 226a 4b21 b299 fd6287038e96

دعم غير مسبوق

دعمت الولايات المتحدة أوكرانيا منذ اشتعال الحرب، فبراير من العام الماضي، بمساعدات عسكرية تقدر بحوالي 24 مليار دولار، وأمدتها بأسلحة استطاعت من خلالها الصمود أمام القوات الروسية، التي أحرزت تقدمًا محدودًا.

ويرى خبراء إن “الحرب التي شنها بوتين لنزع سلاح أوكرانيا ووقف تمدد الناتو، جعلت كييف أكثر عسكرة من أي وقت مضى، وطلبت السويد وفنلندا الانضمام إلى الناتو”، علاوة على توحيد الجبهة الأوروبية الأمريكية.

2022 05 05T163341Z 195373822 RC2W0U9DYLGP RTRMADP 3 UKRAINE CRISIS KHARKIV scaled e1661167836884 1024x576 2

علاقة لا يمكن التنبؤ بها

حسب الزميلة الأولى غير المقيمة في معهد بروكينجز، أنجيلا ستينت، ظلت إدارة بايدن على اتصال رفيع المستوى مع الروس، وحذرت أكثر من مرة من شن ضربة نووية. ولفتت ستينت إلى أنه “رغم الدعم العسكري الهائل الذي قدمته واشنطن لكييف، مخافة مزيد من التصعيد، لم تمد الولايات المتحدة أوكرانيا بأسلحة تحسم المعركة حتى الآن”.

وتخلص ستينت إلى أنه رغم النجاحات النسبية التي تحققت في هذا الصدد، باتت العلاقة مع روسيا “غير مستقرة ولا يمكن التنبؤ بها”، على النقيض مما أبدت الإدارة الأمريكية رغبة في تحقيقه مع تولي بايدن الحكم.

وترى زميلة أوروبا في مجلس العلاقات الخارجية، ليانا فيكس، أن الولايات المتحدة استطاعت توحيد الصف الغربي، وكان نهج إدارة بايدن هو الأفضل، مقارنةً بالرئيس الأسبق باراك أوباما الذي “تجاهل الكرملين”، والرئيس السابق دونالد ترامب الذي “كان مفتونًا ببوتين”.

التوجه نحو آسيا

يأتي نهج بايدن استكمالًا لسياسة “التوجه نحو آسيا” التي بدأها أوباما، واستمرت كذلك في عهد ترامب، وإن كانت سياسته أقل انفتاحًا نحو الحلفاء.

وقد شددت استراتيجية الإدارة تجاه منطقة الباسفيك، الصادرة فبراير 2022، على أن الصين تجمع قواها لخلق منطقة نفوذ خالص بالمنطقة، وتهدف إلى أن تصبح القوة الأبرز في العالم، واعتبرت أن الطموح الصيني هو “دافع التركيز الأمريكي المكثف على المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية”. 

وفي المقابل قللت الولايات المتحدة وجودها بالشرق الأوسط، وركزت على دعم الحلفاء الآسيويين بغرض كبح النفوذ الصيني المتزايد، وعقد تحالفات لذلك الغرض، بما في ذلك الحوار الأمني الرباعي”كواد” مع اليابان وأستراليا والهند، وتحالف “أوكوس” مع أستراليا والمملكة المتحدة، علاوة على قمة بايدن ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الأخيرة.

تنافس اقتصادي

على الصعيد الاقتصادي، ترى مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، بوني إس جلاسر، أن الاستراتيجية الاقتصادية تجاه المنطقة ما زالت ضعيفة. ومن الضروري، وفقًا للباحثة، خفض الرسوم الجمركية، وتعزيز حرية التجارة، لدعم القدرة التنافسية لواشنطن، وتوفير بديل تجاري وشريك اقتصادي موثوق، قادر على تقديم خيارات فعالة وحيوية، لدول المنطقة.

ويعتقد الرئيس التنفيذي لمركز دراسات الولايات المتحدة بجامعة سيدني، مايكل جرين، أن المنافسة الرئيسية مع الصين، على المستوى الاقتصادي. ومنذ انسحاب ترامب النسبي من المنطقة، تجري غالبية الاتفاقات التجارية بمعزل عن الولايات المتحدة، وفقًا لجرين.

التزام دفاعي

عملت إدارة بايدن على تعزيز العلاقات مع جزيرة تايوان، ومدتها بمساعدات عسكرية، ووصلت مبيعات الأسلحة إلى 3.6 مليار دولار، وعززت من شراكتها التجارية مع الجزيرة التي تزعم الصين أنها جزء من أراضيها.

 ووفقًا لراسموسن، مؤسس تحالف الديمقراطيات، استبدلت الإدارة الأمريكية سياسة الغموض الاستراتيجي بالوضوح الاستراتيجي، مبديةً التزامها بالدفاع عن الجزيرة إذا ما تعرضت لغزو صيني.

تعزيز الشراكات

يشير مدير برنامج الدفاع في مركز الأمن الأمريكي الجديد، ستايسي بيتيجون، إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية ركزت على عقد الشراكات وتعزيز التحالفات كاستراتيجية رئيسة، لافتًا إلى الشراكات مع الدول الآسيوية، وتعزيز الدفاع الثنائي المشترك مع اليابان، علاوةً على قيادة دول الناتو لمزيد من التعاون، وتوحيد العقوبات على روسيا.

بايدن وكيشيدا 2وكانت الرواية الأبرز التي ركزت عليها واشنطن خلال العامين الماضيين، هي “الديمقراطيات في مواجهة الأنظمة الاستبدادية”، وقد عقدت قمة من أجل الديمقراطية في ديسمبر 2021 في كوبنهجان، وفقًا لتعقيب راسموسن، لمواجهة الصين وروسيا تحديدًا، على اعتبارهما “دولتين استبداديتين”.

تعزيز الصناعة الوطنية وسلاسل الإمداد

عملت الولايات المتحدة على تكوين سلاسل إمداد بعيدة عن الصين، وتعزيز الصناعات الوطنية الأمريكية، عن طريق قانون الرقائق الإلكترونية، واتخذت جملة من السياسات لتضيق الخناق على الصناعات التقنية الصينية.

وعقدت في هذا الصدد شراكات، مثل الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وشراكة الأمريكتين من أجل الازدهار الاقتصادي، ومجلس التجارة والتكنولوجيا مع أوروبا. ومع ذلك توجد خلافات مع الأوروبيين بشأن سياسة تصنيع السيارات الكهربائية، وضوابط التصدير على الرقائق.

وعلى الصعيد الداخلي، اتخذت الإدارة الأمريكية مجموعة من الإجراءات للحد من تصاعد الغازات الدفيئة، ولكنها تراجعت عن هذه القيود مع بدء الحرب الأوكرانية الروسية.

الولايات المتحدة والشرق الأوسط

حسب المحلل السياسي محمد ربيع الديهي، قللت الإدارة الأمريكية تركيزها على منطقة الشرق الأوسط في مقابل صعود الاهتمام بآسيا، ما دفع دولًا بالمنطقة لتنويع شراكتها بعيدًا عن الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الدول العربية تنتهج “سياسة التوازن في العلاقات الخارجية وتوسعت بموجبها في العلاقات مع روسيا والصين”.

ويخلص الديهي إلى أن سياسة الولايات المتحدة كانت غير مواتية لتحقيق أهدافها، فلم تتمكن واشنطن من إقناع الدول الخليجية برفع إنتاجها من النفط في وقت هي في أمسّ الحاجة إليه، مشيرًا إلى أنها اتبعت “سياسة لم تمكنها من تحقيق أهدافها”.

نجاحات محدودة

من جهتها، ترى المدير السابق لفرع مؤسسة كارنيجي في بيروت، لينا الخطيب، أن نجاحات بايدن في الشرق الأوسط تركزت في مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، والوساطة في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. أما بخصوص إيران فقد أعلن بايدن “وفاة الاتفاق النووي”، وشنت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات على إيران بسبب قمع الاحتجاجات.

وتجدر الإشارة إلى تحالف “آي تو يو تو” الذي يشمل الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والذي يأتي في سياق تعزيز تكامل المنطقة بعيدًا عن الصين.

وعلى النقيض من إدارة ترمب الذي أهمل إفريقيا، حاول بايدن إعادة التركيز على القارة السمراء، وانتهجت إدارته “التواصل المكثف دون إثارة القضايا الداخلية لتلك الدول” بشأن حقوق الإنسان وما إلى ذلك، وعقدت الإدارة الأمريكية، قمة مع دول إفريقية بواشنطن في ديسمبر الماضي.

ماذا عن الداخل الأمريكي؟

على الصعيد الداخلي، وصل تضخم الأسعار إلى مستوى غير مسبوق، ولكنه عاد وانخفض إلى 6.5% بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته منذ 4 عقود. وشهد العامان الماضيان نجاحات في تمرير بعض القوانين المهمة مثل مشروع قانون البنية التحتية، ودعم صناعات الرقائق، وقانون الحد من التضخم.

وشهدت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس سيطرة الجمهوريين بفارق بسيط على مجلس النواب، وشهد هذا الشهر إعلان اكتشاف وثائق سرية بمكاتب تابعة لبايدن، في قضية مماثلة لما يواجهه ترامب من اتهامات.

ولا يبدو الحكم على ولاية بايدن سهلًا، لكن يمكن الاتفاق على أهمية المرحلة الحالية في تشكيل النظام العالمي، الذي باتت أطراف دولية وإقليمية تحاول إثبات فاعليتها داخل بنيانه، لكن أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتظهر أن سيطرة واشنطن ما زالت راسخة، وإن تزعزعت نسبيًّا، وتؤكد كذلك أن السياسية الأمريكية الداخلية والخارجية، ذات تأثير كبير في شكل النظام العالمي المرتقب.

ربما يعجبك أيضا