بخصوص الاتفاق النووي .. الأوروبي لن يمنح إيران “ضمانات” بل “آليات” لحماية مصالحه

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أنه يسعى من خلال جولته إلى بكين وموسكو وبروكسل إلى الحصول على “ضمانات” من الدول الموقعة على الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي منه وأنه “سيتم الدفاع عن مصالح طهران”.

لكن الواضح من نتائج هذه الجولة، أن الأمر يستغرق بعض الوقت ومزيد من المشاورات، في ظل تحركات أمريكية تعتزم الضغط على الحلفاء الأوروبيين للاستجابة للقرارات الأمريكية تجاه إيران. وكذلك في ظل الشد والجذب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

من الواضح أيضًا، أن المجموعة الأوروبية لن تمنح إيران “ضمانات”، بل ستمنحها آليات لحماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية. ومن هذه الآليات؛ اعتزام الاتحاد الأوروبي التحول من الدولار إلى اليورو في الحسابات التجارية مع طهران فيما يتعلق بإمدادات النفط من إيران، وذلك للالتفاف على العقوبات الأمريكية.

ويعد الدولار العملة الوحيدة، التي يتم بها تسعير النفط في البورصات، وبالتالي فإن جميع عمليات التبادل التجاري بين المصدرين والمستوردين تتم بالعملة الأمريكية، وبعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران فإنه من المهم لهذا البلد، الذي يصدر 2.5 مليون برميل في اليوم، تجاوز هذه العقبة.

كذلك أيضًا، تفعيل تجربة قانون قديم يعارض القانون الأمريكي لحماية المصالح الأوروبية.

تجدد الموقف الأوروبي

جددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الخميس تمسك دول الاتحاد الأوربي بالاتفاق النووي مع إيران، مؤكدة ضرورة البقاء فيه “رغم أنه ليس مثاليا” حسب وصفها.

وفي تصريحات للصحفيين الخميس قبيل انطلاق قمة الاتحاد الأوروبي وغرب البلقان في العاصمة البلغارية صوفيا، قالت ميركل إن “كل دول الاتحاد الأوروبي ترى أن الاتفاق النووي ليس مثاليا” إلا أنها استدركت بالقول: “رغم ذلك، يتفق جميع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية على ضرورة البقاء في الاتفاق”.

وأضافت: “على هذا الأساس، يمكننا الحديث مع طهران حول الأمور الأخرى، مثل البرنامج الصاروخي”.

بدوره، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قمة الاتحاد الأوروبي المنعقدة في العاصمة البلغارية صوفيا “قررت دعم الاتفاق النووي مع طهران بهدف حماية الشركات الأوروبية العاملة في إيران”.

وفي تصريحات بعد وصوله إلى صوفيا شدد الرئيس الفرنسي على “ضرورة الدفاع عن سيادة أوروبا الاقتصادية”، مضيفا أنه “ينبغي أن تظل الشركات الأوروبية قادرة على الاختيار بحرية إما ممارسة أعمالها في إيران أو الامتناع عن ذلك”.

ولفت ماكرون إلى أن المفوضية الأوروبية “أعدت حزمة من المقترحات بهدف حماية الشركات الأوروبية التي تمارس أعمالها في إيران من تداعيات قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”.

وتابع: “أجرينا مشاورات مكثفة بخصوص إيران، ويشكل الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 عنصرًا مهما للأمن والسلام الإقليميين، ولذلك قررنا الوقوف إلى جانبه، مهما كان قرار الولايات المتحدة، وتعهدنا باتخاذ إجراءات سياسية ستتيح لشركاتنا البقاء في إيران”.

وعبر عن تفهمه لقلق الشركات الكبيرة الراغبة في حماية مبيعاتها الأميركية لكنه أضاف أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يساند الشركات الأصغر التي تريد مواصلة العمل مع إيران. وقال “الشركات الكبيرة التي لديها مصالح في العديد من الدول تتخذ قراراتها وفقا لمصالحها. ينبغي أن تكون لها حرية القيام بذلك”.

وأضاف “لكن المهم هو أن يكون بوسع الشركات وبخاصة المتوسطة التي ربما تكون أقل انكشافا على الأسواق الأخرى، الأميركية وغيرها، القيام بهذا الاختيار بحرية”.

وفيما يتعلق بالخلافات التجارية الأوسع نطاقا مع واشنطن، فقد دعا أيضا إلى إعفاء كامل للاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب. وقال إن أوروبا يجب أن تحمي “سيادتها التجارية”.

أوروبا عاجزة

تأتي هذه التصريحات الأوروبية، بينما أعلنت شركة إيه.بي مولر-ميرسك، أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم، الخميس إنها ستغلق نشاطها في إيران امتثالا للعقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي المبرم مع طهران.

وقال سورين سكو الرئيس التنفيذي للشركة في مقابلة أجريت معه عقب إعلان نتائج الشركة للربع الأول من العام “مع العقوبات التي سيفرضها الأمريكيون لا يمكنك العمل في إيران إن كانت لديك أيضا أعمال في الولايات المتحدة ونحن لدينا هذا على نطاق كبير”. وأضاف “لا أعلم الموعد المحدد بدقة لكنني متأكد أننا سنغلق (في إيران)”.

وتأتي هذه الخطوة بعد يوم من انضمام شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة إلى شركات أوروبية أخرى في التلميح إلى الخروج من إيران مما يلقي بظلال من الشك على إمكانية أن يحمي اجتماع القادة الأوروبيين، الذي يهدف لإنقاذ اتفاق إيران النووي، التجارة مع طهران.

وكان قادة الاتحاد، البالغ عددها 28 دولة، قد اتفقوا على السعي للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني والإبقاء على تعاونهم الاقتصادي مع طهران بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.

لكنهم لم يتخذوا أي قرارات سريعة خلال أول اجتماعاتهم بشأن المسالة منذ تخلى ترامب عن الاتفاق في وقت سابق هذا الشهر، مما يبرز كيف يقيد النفوذ الأمريكي في التجارة والتمويل الدولي نطاق التحركات الأوروبية.

البحث عن حل

وقال مصدر في الاتحاد بعد المحادثات إن القادة اتفقوا على البدء في “العمل على حماية الشركات الأوروبية المتأثرة سلبا بالقرار الأمريكي”. وتتضمن الخيارات السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بالاستثمار في إيران وترتيب خطوط ائتمان باليورو من دول الاتحاد الأوروبي.

لكن مسؤولا كبيرا بالاتحاد الأوروبي أقر بأنه لا يوجد حل سحري وأن الأمر قد “يستغرق بعض الوقت” كي يتوصل الاتحاد إلى ما سيكون مزيجا معقدا من الخطوات الوطنية والمشتركة.

وسيقوم ميجيل آرياس كانيتي مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي بزيارة إلى إيران في الفترة بين 18 و21 مايو لإجراء محادثات بشأن التعاون في قطاع الطاقة، في إشارة رمزية من الاتحاد الأوروبي على رغبته في أن يظل ملتزما بالاتفاق على الرغم من الانسحاب الأمريكي.

لائحة المنع

منذ خروج واشنطن من الإتفاق النووي، وهناك مقترحات باستخدام آليات استخدمتها أوروبا من قبل لتجاوز العقوبات الأمريكي، حيث كتبت مجلة فورين بوليسى، إن القادة الأوروبيون يمكنهم مواجهة الإدارة الأمريكية بأداة استخدموها بنجاح فى التسعينيات.
 
وأوضحت المجلة الأمريكية، أن من بين الردود الأولى التى اقترحها عدد من القادة الأوروبيين هو إحياء “لائحة المنع” للاتحاد الأوروبي، وهي خطوة لم يتم استخدامها منذ أكثر من عقدين، وأشارت صحيفة لو ماير الفرنسية أن إحياء اللائحة يأتي على قمة جدول الأعمال، وكان الغرض الأصلي من التنظيم، كما هو موضح في ديباجتها، إلغاء القيود المفروضة على التجارة الدولية.
 
وكانت آخر مرة اضطرت فيها أوروبا للدفع نحو تجاوز العقوبات الأمريكية كانت عام 1996، عندما وقعت إدارة الرئيس بيل كلينتون قانون العقوبات الإيراني الليبي وقانون الحرية والتضامن الديمقراطي الكوبي، والإجماع السياسي في أوروبا في ذلك الوقت، مثله مثل ذلك اليوم، يعكس الاعتقاد بأن الولايات المتحدة كانت ترغم أوروبا بشكل غير شرعي على قبول قرار سياسة خارجية على خلاف مع مصالحها الأمنية والاقتصادية، ومن ناحية أخرى، فضل الأمريكيون الإكراه الاقتصادي وسعوا إلى معاقبة أنشطة الشركات غير الأمريكية النشطة في هذه البلدان المستهدفة لضمان أقصى قدر من الضرر الاقتصادي.
 
وردًا على ذلك، قامت الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي بالإجماع بإدخال لائحة المجلس رقم 2271، التي كانت تهدف لحماية الشركات من “آثار تطبيق تشريع خارج حدود الدولة التي يعتمدها بلد ثالث”، وفي الواقع، تعمل اللوائح التنظيمية على إجراء شيء غير عادي – فهي تحظر امتثال كيانات ومحاكم الاتحاد الأوروبي لقوانين العقوبات الأجنبية الواردة في ملحقها وإنفاذها، مما يزيد من احتمال فرض عقوبات مالية على الشركات التي تتقيد بها.
 
وتنص اللائحة على أنه إذا اتخذ كيان أو هيئة تنظيمية أمريكية إجراءً قانونيًا ضد شركة تابعة للاتحاد الأوروبي، يحق للشركة الأوروبية المقاضاة في أوروبا في أمر لاسترداد الأضرار والنفقات، وسيتم ذلك من خلال “مصادرة وبيع الأصول التي يملكها هؤلاء الأشخاص أو الكيانات أو الأشخاص الذين يعملون نيابة عنهم أو وسطاءهم” – وهذا يعني أن شركات الاتحاد الأوروبي يمكن أن تسعى من الناحية الفنية إلى التعويض عن طريق الاستيلاء على أصول الكيان الأمريكي الذي يتخذ من أوروبا مقراً له.

انتظار تفعيل القانون

وقد صرح أمس، المفوض الأوروبي لشؤون الهجرة ديمتريس أفراموبولوس، بأن الاتحاد الأوروبي مستعد لتفعيل تشريع يحظرعلى الشركات الأوروبية الالتزام بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، والمرتبطة بالملف النووي.

وقال أفراموبولوس: “بحثنا على وجه التحديد الحلول العملية الملموسة للتأكد من إمكانية وفاء الاتحاد الأوروبي بالتزاماته وفقاً للاتفاق وحماية عملياتنا الاقتصادية”.

وأضاف: “بحثنا إمكانية تفعيل تشريعنا الذي يحول دون التزامنا بتشريعات الآخرين. ونحن مستعدون لذلك، إذا تطلب الأمر”.

ويفرض القانون عقوبات قانونية ضد شركات الاتحاد الأوروبي التي تتقيد بالعقوبات الأمريكية على إيران، مع تقديم تعويض عن أي تكاليف أو خسائر تتعرض لها.

وقد أعلنت وكالة رويترز أن الاتحاد الأوروبي يشرع غدًا الجمعة في عملية تفعيل قانون يمنع الشركات الأوروبية من الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران ولا يعترف بأي أحكام قضائية تضع تلك العقوبات موضع التنفيذ.

وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر “لدينا كمفوضية أوروبية التزام بحماية الشركات الأوروبية. نحن بحاجة الآن للتحرك ولهذا نحن ندشن عملية تفعيل ‘قانون الحجب‘ الذي يعود إلى عام 1996. سنقوم بذلك صباح غد في الساعة العاشرة والنصف”.

وأضاف في مؤتمر صحفي بعد اجتماع زعماء الاتحاد الأوروبي “قررنا أيضا السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بتسهيل استثمارات الشركات الأوروبية في إيران. المفوضية نفسها ستواصل تعاونها مع إيران”.

ربما يعجبك أيضا