بعد إلغاء الانتخابات بالجزائر.. ما هي السيناريوهات المحتملة؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

في ظل تناحر القوى الجزائرية حول موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية، تتعدد السيناريوهات المحتملة أمام الحراك الشعبي والمجلس العسكري الانتقالي، وتتراوح مسارات الخروج من الأزمة بين المسار التفاوضي مع الشارع الثائر أو أزمات مفتعلة يخلقها النظام بناء على خلافات كامنة، أو عصيانًا مدنيًا تطبقه قوى المعارضة في حالة رفض مطالبها.

بإعلان المجلس الدستوري الجزائري استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية، التي كان مقرراً تنظيمها في 4 يوليو المقبل، تكون البلاد قد دخلت مرحلة جديدة من “الفراغ الدستوري” الفعلي هذه المرة؛ فالمادة الدستورية (102) التي اعتُمد عليها في تنصيب الرئيس المؤقت، عبد القادر بن صالح، تحدد فترته لـ 90 يوماً فقط، وتحدد مهامه في تسيير أمور الدولة بشكل مؤقت، وتنظيم الانتخابات الرئاسية، خلال تلك الفترة.

وكان المجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في الجزائر، أصدر، أول أمس، بياناً أكد فيه، أنّه بعد عقد ثلاثة اجتماعات، قد فصل برفض ملفّي الترشح المودعين لديه، وبناء على ذلك قرّر “استحالة إجراء انتخاب رئاسة الجمهورية”، تاركاً الأمر “لرئيس الدولة الانتقالي، عبد القادر بن صالح، استدعاء الهيئة الانتخابية في وقت لاحق، لاستكمال المسار الانتخابي” دون أن يحدد موعداً جديداً للاستحقاق الرئاسي.

رفض شعبي  لمرشحين لا يمثلونهم

التبرير القانوني الذي قدّمه المجلس الدستوري، كان متوقعاً، ليس لجهة انعدام مرشحين حقيقيين وجادين فحسب؛ بل للرفض الكبير الذي عبّر عنه “الحراك الشعبي” خلال الثلاثة أشهر الماضية؛ حيث ظلت معظم المطالب المرفوعة ترفض تنظيم الانتخابات في ظل حكومة شكّلها الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، ومعظم وزرائها متهمون – من قبل الحراك –  بالضلوع في عمليات تزوير واسعة أثناء حكم الرئيس السابق.

وظل المشهد السياسي الجزائري، منذ تنحّي بوتفليقة، يقف على حافة تناقض إرادتين؛ الأولى إرادة سلطة تمثلها المؤسسة العسكرية، وتسعى إلى تنفيذ مقررات المادة (102) من الدستور، وتحذر من الوقوع في “فخ الفراغ الدستوري”، وبين إرادة الحراك الشعبي الذي ينادي بضرورة إلغاء الانتخابات والدخول في مرحلة انتقالية، تتجاوز الإجراءات الدستورية العادية، باعتبار أنّ البلاد في حالة ثورية، تستدعي إجراءات استثنائية.

الآن وقد أضحى الفراغ الدستوري أمراً محدقاً، وسوف يصبح واقعاً معيشاً مع انتهاء فترة الرئيس المؤقت للبلاد عبدالقادر بن صالح، في مطلع يوليو 2019، يبقى السؤال المركزي حول خيارات السلطة، وماهية السيناريوهات المحتملة للخروج من هذا الانسداد وكيف يمكن تجاوز هذا الفراغ؟!

“عقلنة” مطالب الشارع

تقع الجزائر أمام عدة سيناريوهات؛ الأول: أن تسعى السلطة الحاكمة إلى تقديم بعض التنازلات بما لا يضر مصالحها الجوهرية، وذلك لتجنّب الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحراك الشعبي الذي أبان تماسكه لأكثر من ثلاثة أشهر، قد تكون هذه التنازلات من قبيل إقالة حكومة بدوي وفتح مشاورات مع النخب والطبقة السياسية، للوصول إلى خريطة طريق توافقية تسهل إدارة المرحلة الانتقالية المؤجلة”، وهذا السيناريو يمكن أن يجد “تجاوباً إيجابياً من قطاع واسع في  الحراك.. وهو مسعى هدفه “عقلنة” مطالب الشارع وتجنّب الدخول في مواجهة مع المؤسسة العسكرية مستنداً في ذلك لتجربة التسعينيات”.

تفتيت الحراك بأزمات كامنة

أما السيناريو الثاني؛ فيتمثل في “استمرار السلطة في اللعب على عامل الوقت وتفتيت الحراك عبر إثارة العديد من القضايا المتعلقة بالهوية والمناطقية، ومخاطر الفوضى، وذلك للوصول إلى غاية إقناع طرف معين من الحراك أو من الأحزاب السياسية بأنّ الانتخابات تعتبر انتصاراً له؛ فيسارع للمشاركة والتجنيد لإنجاحها، واعتماد هذا السيناريو يعني بأنّ السلطة الحالية لا تسعى لتغيير منظومة الحكم وفلسفتها في إدارة الشأن العام؛ بل إلى إحداث تغييرات شكلية والحفاظ على النظام القديم”.

عصيان مدني

أما السيناريو الثالث، فيتعلق “باستمرار الحراك في مطالبه ورفضه لكل البدائل المقدمة من طرف السلطة والاتجاه إلى شبه عصيان مدني، يرغم السلطة للاستجابة لكل المطالب بما في ذلك ذهاب عبد القادر بن صالح، الرئيس المؤقت، والتحول مباشرة إلى فترة انتقالية تضمن قيام هيئة تأسيسة واسعة ترسي الدعائم السياسية والقانونية للجمهورية الثانية”،إلا أنّ إشكالية هذا السيناريو أنّ عوامل وفواعل هذا المسار لم تتضح بعد، وبالتالي فهو مرتبط بشكل وجوهر التطورات خلال الفترة القادمة سواء على مستوى الحراك أو على مستوى المؤسسة العسكرية وإدراكها وتقديرها لمخاطر  اللعبة الصفرية القائمة”.

روح الدستور أم نصه؟

توقع كثيرون بهذا الانسداد السياسي  بحكم أن المادة (102) من القانون الأسمى للبلاد طرحت وحدها ولم ترافقها أي مبادرة سياسية، “الخروج من الأزمة الحالية التي تمر بها الجزائر يستلزم البقاء في روح الدستور وليس نصه، واللجوء إلى قراءة مرنة للمواد بما يخدم مصلحة الشعب وتمكن من الخروج من الأزمة”.

ولذا فلا بد من ضرورة التفكير في إلحاق المادتين (7) و(8) من الدستور مع المادة (102) والوصول إلى فهم مرن ومشترك يحقق مطالب الشعب ولا يجعلنا في تناقض مع نص الدستور؛ حيث تنص المادة (7) أنّ “الشعب مصدر كلّ سلطة “، والمادة (8) أنّ “السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب”، وبالتالي فإنّ هناك إمكانية للخروج من الأزمة القائمة عبر هذا التكييف الدستوري للمواد الثلاث مجتمعة، وعبر العودة لمطالب الشعب السيد، وهذا لن يتم إلا عبر إطلاق مبادرات سياسية حقيقية تنبع من روح الدستور”.

ربما يعجبك أيضا