بعد عودة العقوبات الأمريكية على إيران .. الدائرة تضيق على طهران ومحاولات للإنقاذ

يوسف بنده

رؤية

وصفت أوساط خليجية قرار الإمارات بتصنيف كيانات وأفراد من إيران على قائمة الإرهاب بأنه رسالة سياسية إقليمية للسلطات الإيرانية بأن دول المنطقة تسعى إلى أن تتعاطى مع إيران كدولة طبيعية، لكن طهران هي من تعجز عن تأكيد هذا التوجه في عمقها الإقليمي وطمأنة جيرانها بشأن الشبكات المثيرة للجدل التي تديرها في المنطقة.

وقالت الأوساط إن إيران تدفع المنطقة إلى التعامل معها ككيان بوجوه كثيرة كونها تستثمر الأموال التي تحصل عليها في تغذية الصراعات الطائفية في المحيط الإقليمي، فضلا عن إنتاج أسلحة محرمة دوليا تهدد بها استقرار المنطقة وتجرها إلى سباق للتسلح على حساب ترقية اقتصادياتها وتطوير مستوى عيش مواطنيها.

وأشارت إلى أن طهران لم تنجح في كسب دول المنطقة بما في ذلك الدول التي ساهمت في تخفيف الحصار عنها، وأن أول ما فعلته بعد الاتفاق النووي وما تبعه من رفع للعقوبات هو تأكيد أن العقوبات كانت مشروعة وأن المال الإيراني يستثمر بشكل واضح لتقوية أنشطة الحرس الثوري والميليشيات المرتبطة به في الإقليم، لافتة إلى أنه لم يعد من الممكن الثقة بأي عمل تجاري أو مالي لأن هناك خيطا سيصل دائما إلى الحرس الثوري.

وقالت وكالة أنباء الإمارات في بيان الخميس إن دولة الإمارات العربية المتحدة أدرجت تسع شخصيات وكيانات إيرانية على قائمتها للإرهابيين والمنظمات الإرهابية للاشتباه في صلاتها بالحرس الثوري الإيراني بعد أن فعلت الولايات المتحدة الأمر نفسه.

وأضاف البيان أنه “تم إدراج الأفراد والكيانات ضمن القائمة لكونهم قاموا بشراء ونقل ملايين الدولارات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووكلائه لتمويل الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة عن طريق إخفاء الغرض الذي تم من أجله الحصول على الدولارات”.

ولم يحدد البيان ما إذا كان أحد الأفراد أو الكيانات على أي صلة بالإمارات، لكنه أشار إلى أن الخطوة جاءت بعد تعاون وثيق مع الولايات المتحدة التي أدرجت نفس الأشخاص والكيانات على قائمة الإرهاب.

وأعلنت الولايات المتحدة بدورها الخميس عقوبات على ستة أشخاص وثلاث شركات، قالت إنهم نقلوا ملايين الدولارات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وذلك بعد أيام من انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنها تتخذ إجراءات مع الإمارات العربية المتحدة لتعطيل هذه الشبكة واتهمت البنك المركزي الإيراني بالعمل بشكل نشط على مساعدة المجموعة على الوصول إلى مبالغ مودعة في بنوك بالخارج للالتفاف على العقوبات الغربية.

وأعلن وزير الخزانة ستيفن منوتشين في بيان أن النظام الإيراني وبنكه المركزي أساءا استغلال قدرتهما على “التعامل مع كيانات في الإمارات للحصول على أموال بالدولار لتمويل الأنشطة الخبيثة لفيلق القدس، بما فيها تمويل وتسليح وكلاء له في المنطقة، من خلال إخفاء الغرض من الحصول على الدولارات”.

وأضافت وزارة الخزانة أن معاقبة الأفراد الستة والكيانات الثلاثة، ومن بينهم شركات واجهة لفيلق القدس وتجار عملة، جاءت بموجب التشريعات الأميركية التي تستهدف بشكل خاص الإرهابيين الدوليين المشتبه بهم والنشاط المالي الإيراني.

وجاء فرض العقوبات الجديدة بعد يومين من انسحاب ترامب من اتفاق إيران النووي الموقع في 2015 وفي الوقت الذي يطالب فيه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الحلفاء في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط بالضغط على إيران للعودة إلى المفاوضات بخصوص برامجها النووية والصاروخية.

ومنح قرار ترامب الشركات فترات سماح تتراوح بين 90 يوما وستة أشهر لتصفية أعمالها مع إيران.

وقالت وزارة الخزانة: إن إحدى الشركات التي فرضت عليها العقوبات كانت ضالعة في استرداد عائدات النفط من حسابات مصرفية أجنبية يحتفظ بها البنك المركزي الإيراني لأنشطة فيلق القدس.

محاولات إنقاذ

وقد بدأ وزير الخارجية الإيراني السبت جولة دبلوماسية في محاولة لانقاذ الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بعد مخاوف دولية أثارها التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل على الساحة السورية.

وتأتي جولة محمد جواد ظريف بعد يومين من ضربات إسرائيلية غير مسبوقة في سوريا أسفرت عن مقتل 11 مقاتلا إيرانيا وفق حصيلة جديدة أوردها المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت مشيراً إلى أنها أوقعت 27 قتيلاً على الأقل.

ولم تؤكد إيران إصابة مواقع لها، ويرى محللون أنها تبدو مصممة على عدم الانجرار إلى نزاع مفتوح مع إسرائيل، عدوتها اللدود التي رحبت بالانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي واعادة فرض العقوبات الأميركية.

من جهته، انتقد البيت الأبيض الجمعة “الأفعال المتهورة” لإيران، محذرا من أنها تشكل “تهديدا خطيرا” للاستقرار في الشرق الأوسط.

وجاء انتقاد البيت الأبيض بعد ان اتهمت إسرائيل قوات إيرانية في سوريا باطلاق 20 صاروخا على الجزء الذي تحتله من هضبة الجولان، ما ادى إلى الرد الإسرائيلي.

وأضافت الرئاسة الأميركية “هذا الأسبوع أطلقت قوات الحرس الثوري الإيراني صواريخ على مدنيين إسرائيليين، كما اطلق وكلاء إيران في اليمن صاروخا بالستيا على الرياض”، في اشارة إلى المتمردين الحوثيين الذين تقود السعودية تحالفا عسكريا ضدهم في اليمن.

وتابعت ان ترامب تشاور الجمعة مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي و”قد ندد الزعيمان بالهجمات الصاروخية الاستفزازية للنظام الإيراني انطلاقا من سوريا”.

وقال متحدث: إن ظريف سيزور على التوالي بكين وموسكو وبروكسل مقر الاتحاد الأوروبي لاجراء محادثات حول الاتفاق النووي المبرم عام 2015 والذي تحاول الدول الأخرى التي وقعته، أي بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والمانيا، الحفاظ عليه.

وقبل مغادرته، أصدر الوزير الإيراني بيانا عبر تويتر انتقد فيه “الإدارة المتطرفة” للرئيس دونالد ترامب التي انسحبت من “اتفاق اعتبره المجتمع الدولي انتصارا للدبلوماسية”.

ونبه إلى أن إيران مستعدة لاستئناف تخصيب اليورانيوم “على المستوى الصناعي دون اي قيود” مطالبا الدول الأوروبية بتوفير ضمانات متينة لاستمرار العلاقات التجارية رغم العقوبات الاميركية التي اعيد العمل بها.

في هذا الوقت، اعتبر دبلوماسيون أوروبيون في طهران ان قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي قد ينسف أعواما من الجهود التي هدفت إلى استئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية مع الجمهورية الاسلامية.

وقالت دبلوماسية غربية لم تشأ كشف هويتها “نترقب اليوم كيفية رد المسؤولين الأوروبيين. اذا كان التوجه الأوروبي منسجما مع الموقف الأميركي فإن كل التقدم الذي أحرزناه منذ 2015 سيذهب أدراج الرياح”.

لكنها لاحظت أن العديد من المشاكل بدأت قبل وقت طويل من قرار ترامب الثلاثاء، موضحة أن “اتخاذ الجانب الإيراني للقرارات استغرق وقتا أطول من المتوقع والبنوك الدولية أظهرت ترددا في العمل مع إيران والتراجع الأخير في سعر صرف العملة الإيرانية جعل الأمور أكثر صعوبة”.

وعلى وقع تظاهرات مناهضة لقرار ترامب شهدتها طهران الجمعة، اعتبر خبراء أن إيران في وضع دقيق، فهي تريد إبداء حزم في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل لكنها تحتاج في الوقت نفسه لدعم الأوروبيين للحفاظ على الاتفاق النووي وابقاء المكاسب الاقتصادية الضئيلة التي حققتها.

وقال كريم إميل بيطار مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية لوكالة فرانس برس إن “إدارة روحاني لديها مصلحة في إنقاذ ما تبقى من الاتفاق عبر إجراء مباحثات مع أوروبا والروس والصين وبالتالي محاولة ضبط التصعيد في سوريا قدر الإمكان وعدم المضي بعيدا في ردها”.

لكن حكومة الرئيس حسن روحاني تواجه سلفا تحديات سياسية واقتصادية في الداخل ويعتبر كثيرون أنها تعزو ذلك إلى العوامل الخارجية بدل الإقرار بسوء إدارتها.

وفي هذا السياق، أشارت الدبلوماسية الغربية إلى القيود الأخيرة التي فرضتها طهران على التحويلات المالية إلى الاتحاد الأوروبي في محاولة لاحتواء التراجع الكبير في سعر صرف الريال، الأمر الذي تسبب بمشاكل كبيرة للجهات المستوردة.

وعلقت “المفارقة المزعجة هي عدم تحميل الحكومة الإيرانية مسؤولية القرارات السيئة التي اتخذتها أخيرا على صعيد الأعمال وتوجيه الانتقاد فقط إلى العقوبات” الغربية.

ربما يعجبك أيضا