بعد وعكته الصحية.. لماذا يناور إخوان تونس بـ “الشاهد” لخلافة “السبسي”؟

حسام السبكي

حسام السبكي

يبدو أن ساعة “الانتقام أو الثأر السياسي”، قد حانت لـ “إخوان تونس”، لتعويض خسارتهم لمنصب الرئاسة، قبل خمس سنوات، لصالح “الباجي قايد السبسي”، رئيس حزب نداء تونس، والذي أعيد انتخابه لفترة ثانية في العام الماضي، على حساب “المنصف المرزوقي” المقرب من الجماعة، وأول من يشغل المنصب عقب نجاح “ثورة الياسمين” في الإطاحة بالرئيس “زين العابدين بن علي” قبل 8 سنوات.

إلا أن “الانتهازية الإخوانية”، تقابل بجدل شديد، بسبب تفسير إحدى النصوص الدستورية، مستغلين في ذلك، الأغلبية البرلمانية، الناجمة عن انقسامات داخل حزب الرئيس “نداء تونس”، عقب انتخابات 2014، والتي أدت لاستقالة جزء كبير من نوابه من الحزب، ومن الكتلة، وهو ما أدى لأن تصبح حركة النهضة أكبر أحزاب مجلس نواب الشعب.

السبسي والأزمة

شكل الرئيس التونسي الحالي “الباجي قايد السبسي”، النواة الأساسية للأزمة الحالية، حيث أفادت الرئاسة التونسية، بنقل السبسي إلى المستشفى العسكري بالعاصمة تونس إثر تعرضه لـ”وعكة صحية حادة”.

وكان السبسي، البالغ من العمر 93 عاما، تلقى الأسبوع الماضي علاجا بعد تدهور حالته الصحية.

ونقلت وكالة “رويترز”، عن أحد المستشارين في الرئاسة قوله إن “السبسي في حالة صحية حرجة”، نافيا ما جاء في تقارير إعلامية عن وفاته.

وقال رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، إن الرئيس السبسي، “يتلقى حاليا العناية المطلوبة”.

في الأثناء، وفي ظل التكهنات التي يجري تداولها حول وضع الرئيس التونسي، انعقد اجتماع طارئ بمجلس نواب الشعب لبحث الوضع العام في البلاد.

ونُقل عن “عبد الفتاح مورو” نائب رئيس البرلمان قوله إن الاجتماع تناول الوضع الأمني عقب التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا اليوم في العاصمة التونسية، ولم يتطرق إلى الفرضيات الدستورية في ظل الوضع الصحي الراهن لرئيس الدولة.

غير أن هناك حديثا يتردد بأن الجلسة البرلمانية ستنظر في جميع الاحتمالات تحسبًا لأي طارئ، وتحديدا في ما يخص شغور منصب رئيس الدولة، إضافة إلى أن بعض السياسيين تداولوا “أنباء عن وفاة السبسي”.

وقالت وسائل إعلام تونسية إن رئيس البرلمان “محمد الناصر” قطع إجازة مرضية كي يترأس الاجتماع الطارئ. وكان الناصر نفسه تعرض مؤخرا لوعكة صحية لم تتضح طبيعتها.

وفي مواقع التواصل الاجتماعي في تونس يتم تداول سيناريوهات ترتيبات خلافة الرئيس قايد السبسي من الناحية الدستورية.

ومن المفيد هنا، أن نشير إلى أن تونس تستعد لإجراء الانتخابات التشريعية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، فيما تُجرى الانتخابات الرئاسية 10 نوفمبر/ تشرين الثاني.

الإخوان.. والمناورة بـ “الشاهد”

رغم عزوف الإخوان، عبر حزبهم “النهضة”، عن الدخول مباشرةً في معترك المنافسة على منصب الرئاسة في تونس، في الفترات الثلاث التي تلت ثورة 17 ديسمبر، وأسفرت عن فوز “المنصف المرزوقي” في أولها، ثم خسارته مرتين متتاليتين في 2014 و2014، لصالح الرئيس الحالي “السبسي”، إلا أن حلمهم في المنصب، ولو بشكل غير مباشر، لم يغب.

فقد علمت “رؤية” من مصادر مطلعة أن حزب النهضة التونسي الإخواني، تحاول الدفع برئيس الحكومة التونسي الحالي “يوسف الشاهد” ليكون بديلًا للرئيس السبسي الذي يعاني من وعكة صحية خطيرة.

يأتي هذا، فيما تخالف نصوص الدستور التونسي هذا الإجراء، حيث ينص على تولي رئيس مجلس النواب منصب رئيس الجمهورية حال وفاة الرئيس أو العجز الدائم أو تقديم استقالته.

في الفصل 83 من الدستور التونسي لعام 2014، أشار إلى أن لرئيس الجمهورية إذا تعذر عليه القيام بمهامه بصفة وقتية أن يفوّض سلطاته إلى رئيس الحكومة لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما قابلة للتجديد مرة واحدة، أن يُعلم رئيس الجمهورية رئيس مجلس نواب الشعب بتفويضه المؤقت لسلطاته.

وهذه ربما تكون المادة التي تستند إليها “النهضة”، في الدفع بـ”الشاهد” لمنصب الرئاسة، رغم عدم تفويض “السبسي” بذلك بشكلٍ رسمي.

غير أن المادة التالية، في الدستور التونسي، تتناول الموضوع على نحو أكثر تفصيلًا، خاصةً في الحالة الحالية للرئيس “السبسي”، فذكرت المادة 84 أنه عند “الشغور الوقتي” لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تحول دون تفويضه سلطاته، تجتمع المحكمة الدستورية فورًا، وتقر الشغور الوقتي، فيحل رئيس الحكومة محل رئيس الجمهورية. ولا يمكن أن تتجاوز مدة الشغور الوقتي ستين يوما.

إذا تجاوز الشغور الوقتي مدة الستين يوما، أو في حالة تقديم رئيس الجمهورية استقالته كتابة إلى رئيس المحكمة الدستورية، أوفي حالة الوفاة، أو العجز الدائم، أو لأي سبب آخر من أسباب الشغور النهائي، تجتمع المحكمة الدستورية فورًا، وتقر الشغور النهائي، وتبلّغ ذلك إلى رئيس مجلس نواب الشعب الذي يتولى فورا مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يومًا وأقصاه تسعون يومًا.

غير أن الأزمة الحالية، تكمن في عدم وجود محكمة دستورية من الأساس، رغم صدور القرار بتشكيلها، وفقًا لدستور 2014، الذي نص على إحداث المحكمة الدستورية وحدد مهامها وأعضائها وذلك في الفصول من 118 إلى 124.

وجاء أعضاء المحكمة الدستورية التونسية على النحو التالي:

– أربعة أعضاء معينين من قبل رئيس الجمهورية التونسية، وهو مالم يقدم أي رئيس تونسي على إجرائه.

– أربعة أعضاء منتخبين من قبل مجلس نواب الشعب، وهو ما نجحت “روضة الورسيغني” في الفوز بأحد مقاعده، في انتخابات جرت في 14 مارس 2018 داخل المجلس النيابي، غير أن المجلس لم يستطع استكمال انتخاب بقية الأعضاء بسبب خلافات سياسية.

– أربعة أعضاء منتخبين من قبل المجلس الأعلى للقضاء، ولم ينتخبهم المجلس الأعلى للقضاء أيضًا.

لماذا يدعم الإخوان الشاهد؟

لا شك أن لغة المصالح السياسية، هي اللاعب الأساسي في أي تحرك من حزب النهضة “الإخواني”، الداعم للشاهد – حليف السبسي بالأمس عبر حزب “نداء تونس” قبل الانقسامات داخله، فالجماعة الإسلامية ترى في رئيس الحكومة الحالي، المنقذ ومصدر عودة الحياة لها، بحيث تمكنهم مجددًا من السيطرة على مفاصل الدولة التونسية.

بدايات التحالف بين الشاهد والإخوان، ترجع إلى ارتباك المشهد السياسي المرتبك في تونس، حين انشطر حزب “نداء تونس” الذي كان يحكم “بالتوافق” مع الإخوان، ليفرز حزباً جديداً يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في حين انقسمت البقية الباقية منه إلى فرعين يحملان الاسم نفسه، أولهما بزعامة نجل الرئيس حافظ قايد السبسي، وثانيهما بزعامة سفيان طوبال، وكلاهما يصدر قرارات بتجميد الشق الثاني من الحزب نفسه (نداء تونس) ويؤكد أنه الممثل الشرعي للحزب!.

وفي غمرة الخلافات اختار الإخوان السير في صمت وفق مسارين: أولهما إعلان “التمسك” بالتوافق مع “نداء تونس” واحترام رئيس الجمهورية، وثانيهما دعم خصمه اللدود حالياً والمتهم الأول بتخريب الحزب و”الانقلاب” عليه يوسف الشاهد الذي تم تأسيس حزب “تحيا تونس” بزعامته مؤخراً.

وبحسب موقع “حفريات”، يرى الباحث محمد السويلمي، أن حكومة الشاهد “لا تعدو أن تكون ثمرة صفقة سياسيّة في اقتسام مغانم السلطة والسيطرة على أدواتها بين النهضة والنداء ممّا ينزع عنها روح الالتزام الوطنيّ والقدرة على بلوغ المنشود”.

ويؤكد الباحث أنّ “حكومة الشاهد قد أخفقت في إدارة الشأن المجتمعيّ بكلّ تفاصيله من انهيار المقدرة الشرائيّة، واهتراء الطبقة الوسطى، وتعاظم البطالة بين متخرّجي الجامعة، واتّساع دوائر الفقر والتهميش، وتدنّي واقع التربية والتعليم العالي، وازدياد حالات الاعتداء على الطفولة، وانتشار مظاهر الفوضى كالمدارس العشوائيّة والتهريب والعنف والجريمة، وفساد أجهزة الدولة”.

في هذا السياق يرى الباحث أنّ “المتابع للمشهد السياسيّ التونسيّ قد يستغرب من ذلك الاصطفاف العجيب والدعم اللامتناهي الذي يقدّمه إخوان تونس لحكومة يوسف الشاهد مع ما فيها من إخفاقات”، مؤكداً أنّ الإخوان “وجدوا في يوسف الشاهد وأنصاره فرصة مناسبة لتعميق حالة التشظّي المؤسّسيّ في حركة نداء تونس حليف الأمس وعدوّ الراهن ممّا ييسّر الطريق للسيطرة على المشهد الانتخابيّ المرتقب في نهايات 2019”.

وأمام تشظي “نداء تونس” وعدم قدرة رئيسه المؤسس الباجي قائد السبسي وعجزه عن رأب الصدع وجد الإخوان في يوسف الشاهد المرتهن لقرارهم المنقذ والبديل بما أنه، كما يقول الباحث السويلمي، “طيّع ولا يملك القدرة والدهاء السياسيّ لشريكه الباجي قايد السبسي، فيكون الشاهد وسيلة لإزاحة الباجي من المشهد والاستفادة من فوضى المال وعقد تحالفات مع المتنفّذين الاقتصاديّين والإعلاميّين والمساومة على الامتيازات المنتظرة”.

ويخلص السويلمي إلى أنّ “الإخوان حاضرون بقوّة من خلال الشاهد الذي يعي أنّ وضعه السياسيّ لا يستقرّ إلّا بدعمهم ومؤازرتهم ممّا يجبره على تقديم مقابل لهذا الدعم الإخوانيّ المشروط ليس أقلّه إفساح المجالات جميعها أمامهم للاستحواذ الخفيّ والمنظّم على الدولة والمجتمع بالإعلام والمال وشبكات المجتمع المدنيّ”.

ربما يعجبك أيضا