بلا مكابح.. “ترامب” يقود عجلة السياسة الخارجية

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

يدرج “ترامب” جنونه على “تويتر” وينام، فيما ينشغل العالم بتغريداته وتصريحاته الهوجاء، ودائمًا يتباهى بأن أحدًا لم يفعل ما فعله، مؤكدا أن كل شيء يسير على ما يرام، ومن هذه الثقة واصل في 2018 قراراته المتهورة دون حساب لما يترتب عليها من تداعيات، ودون النظر إلى أصوات المعارضين من حلفائه المخلصين، بدءًا من الانسحاب من الاتفاق النووي، مرورا إلى الاعتراف بإسرائيل وشن حرب تجارية مع الصين، وصولا إلى سحب قواته من سوريا.

ترامب وكيم.. علاقة مضطربة

في البداية ومنذ يناير 2017 وبعد توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة، لم يخفي ترامب إعجابه بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، لكن في ظل سعي الأخير إلى إجراء تجارب صاروخية بعيدة المدى، تغير موقف ترامب بشكل جذري.

“لدى الولايات المتحدة قوة وصبر كبيران لكن إذا أجبرت على الدفاع عن نفسها فلن يكون أمامنا خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل”، هذا ما قاله ترامب مشعلا حربًا كلامية بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي، ففي يناير 2018  تباهى الرئيس الأمريكي بامتلاكه “زر نووي” أكبر وأقوى من “زر كيم جونج أون”.

لكن بالرغم من الحرب الكلامية، انتهجت الإداراة الأمريكية فيما بعد سياسة أكثر تصالحية مع بيونج يانج، لعب فيها الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن دورا محوريا، حيث أعلن في مارس الماضي، أن جارته الشمالية تبدى استعدادا لنزع أسلحتها النووية، فيما أكد ترامب ذلك في تغريدة على “تويتر”، وأشار إلى أنه يعتزم لقاء نظيره “كيم”.

وفي يونيو أثارت المصافحة بين “ترامب وكيم” في قمة سنغافورة الذهول، وأظهر الرئيس الأمريكي تقديرا خاصا لكيم “الموهوب كثيرا” و “المفاوض الجيد” مانحا إياه صفات تفضيل عادة ما تكون مخصصة لحلفائه، لكن البيان الختامي الذي تمت صياغته بمصطلحات غامضة للغاية في ختام اللقاء لم يكن كذلك، فيرى مراقبون إن الوثيقة تفتقر إلى التفاصيل بشأن كيفية إنجاز عملية نزع الأسلحة النووية على وجه الخصوص، ووصفه محللون بأنه تنازل رئيسي.

واستمرار للسياسة الأكثر تصالحية، أعلن ترامب، في نهاية ديسمبر، إن كل أماني زعيم كوريا الشمالية ستتحقق بعد نزع السلاح النووي بالكامل.

أمريكا وروسيا.. اتهامات متبادلة

تبقى العلاقات بين أكبر دولتين نوويتين في العالم محكومة بخلافات في كثير من الملفات الشائكة، ومع نهاية 2018 يكون ترامب قد شارف على إتمام عامين في الحكم، وشهدت هذه الفترة اتهامات متبادلة مع روسيا والتي أصبحت عنوان العلاقات بين البلدين، حيث تأكدت الاتهامات بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الأمر الذي تنفيه موسكو، رغم استمرار التحقيقات الأمريكية، التي لا تزال نتائجها غير واضحة.

وفي يوليو الماضي، عقد بوتين وترامب أول قمة ثنائية في هلسنكي، وتراجع فيها الرئيس الأمريكي عن تصريحات شديدة اللهجة بشأن التدخل الروسي وتعرض بعدها لانتقادات شديدة حتى داخل معسكره الجمهوري، حيث أخذ عليه تساهله الشديد مع نظيره الروسي.

لكن التدخل في الانتخابات الأمريكية لم يكن السبب الوحيد  في توتر العلاقات، فالملفات الشائكة تشمل أيضًا الأوضاع في الشرق الأوسط ، ونظام التجارة العالمي، والاستقرار الاستراتيجي الدولي وأوكرانيا، كما أجج قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى، نيران الخلافات، فيما تسعى موسكو إلى إقناع واشنطن  بالعدول عن هذا القرار.

ووسط التوتر بين البلدين، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدعوة إلى ترامب لاستئناف المحادثات حول القضايا المشتركة، معلنا وللمرة الأولى أنه يتفق مع ترامب على أن تنظيم “داعش” هُزِم في سوريا، والذي جاء بعد أن أعلن “ترامب” سحب قواته من سوريا.

أمريكا والصين.. حرب الرسوم الجمركية

حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، شنها ترامب معلنًا فرض رسوم على بضائع صينية تبلغ قيمتها نحو 150 مليار دولار أمريكي، وفي المقابل هددت الصين بفرض تعريفات انتقامية على الواردات الأمريكية تبلغ قيمتها نحو 50 مليار دولار.

وبلهجة حادة قابلت “بكين” موقف “ترامب”، وفي مارس علق وزير الخارجية الصيني وانج يي، قائلا: “لم يعد الزمن يصلح في تقديرنا لحروب تجارية يزمع شنها ترامب ويبدي الثقة في كسبها، ولا سيما في نظام العولمة اليوم، فإن اختيار الحرب التجارية هي وصفة طبية خاطئة.

وتقول الإدارة الأمريكية أن الدافع هو معاملة بكين بالمثل إذ تفرض جمارك بنسبة 25% على السيارات الأمريكية وكذلك مسألة التلاعب الصيني بأسعار العملة “اليوان” كي تبقيه متدنيا أمام الدولار، وهو ما يجعل قدرة الصين التنافسية أكبر نتيجة رخص بضاعتها وصعوبة استيراد البضائع الأمريكية بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل اليوان.

ومع الغضب الصيني يأتي القلق الأوروبي والمخاوف من أن هذه الرسوم قد تشعل حرب تجارية عالمية ما قد يقوض النمو الاقتصادي.

ورغم وجود توافق لدى مختلف أوساط الطيف السياسي الأمريكي على أن بعض سياسات الصين بحاجة إلى سياسة ممنهجة لمواجهتها فيما يتعلق بسرقة التكنولوجيا والملكية الفكرية أو انتهاكات حقوق الإنسان أو سياساتها المناهضة لحلفاء واشنطن في بحر الصين الجنوبي، إلا أن هذا التصعيد الأخير أثار أيضا جبهة موحدة من الانتقادات من قبل مشرعين ديمقراطيين وجمهوريين وشركات أمريكية.

وفي ديسمبر الجاري في خطوة مفاجأة، قال البيت الأبيض، إن قرار فرض الرسوم الجمركية لن ينفذ خلال الـ90 يوما المقبلة، وذلك بعد لقاء جمع ترامب والزعيم الصيني ضمن قمة العشرين، ونجح الاجتماع نوعا ما، إذ يفترض أن تشرع البلدان في مفاوضات تجارية جديدة.

ترامب وإيران.. لا حرب لا سلم

40 عاما وما بين طهران وواشنطن لا هو حرب ولا هو سلم، وفي السنوات الأخيرة عنون الاتفاق النووي أكثر مراحل التباعد والتقارب بين البلدين، حيث وصف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الاتفاق بـ”التاريخي”، بينما قال عنه ترامب أنه “أسوأ اتفاق” قراءه في حياته، فيما نفذ ما وعد به في حملته الانتخابية، في مايو 2018 معلنا الانسحاب  من هذا الاتفاق، في قرار سبب إحراجا للحلفاء الأوروبيين.

وارتفعت ذروة التصعيد الكلامي بين البلدين، عندما منع المرشد الإيراني التفاوض مع أمريكا وفي المقابل حذر ترامب طهران ملوحا بتهديدات وخيمة “لا مثيل لها في التاريخ”.

وفي أغسطس، أعادت الإدارة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على إيران، وشملت قائمة العقوبات 700 اسما بين أفراد، ومؤسسات أعمال، وسفن، ومصدري نفط، وشركات شحن.

أمريكا وفلسطين.. إجراءات صادمة

منذ أن تولي “ترامب” رئاسة أمريكا، تراجعت بلاده تدريجيا عن التزامات مصيرية بشأن القضية الفلسطينية، وهدفها الوحيد هو تصفية القضية من جذورها، ومنذ بداية 2018، اتخذت الإدارة الأمريكية سلسة من الإجراءات ضد الفلسطينين، وأعلنت أبرزها في فبراير الماضي بتخليها عن حل الدولتين، ومن ثم اعتبارها أن القدس عاصمة إسرائيل، ثم نقلها السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة بالفعل.

وأعقبت الإدارة الأمريكية هذا القرار بعدة إجراءات مالية ضد الفلسطينيين، حيث قطعت تمويلها لوكالة “الأونروا”، كما قطعت مساعدات أمريكية ثنائية لمشروعات في الضفة الغربية وغزة، وأيضا التمويل عن مستشفيات في القدس.

وأغلقت واشنطن مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، كما ألغت تأشيرات الإقامة لعائلة رئيس مكتب بعثة المنظمة، حسام زملط، وطالبتهم بالمغادرة، واعتبر ذلك تمهيدا لإلغاء الاعتراف بحق العودة، وجاء ذلك حول حديث متزايد عما أطلق عليه “صفقة القرن” والتي تمثل المسمار الأخير في نعش القضية.

الانسحاب المفاجئ

وتأكيدًا لنهج الصدام في سياسته الخارجية، أبى ترامب أن ينهي العام دون إثارة مزيد من الجدل بالإعلان عن قرار الإنسحاب المفاجئ من سوريا في 19 ديسمبر، الأمر الذي شكل صدمة للحلفاء قبل الخصوم ولمستشاري ترامب قبل الجميع، ما دفع وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى إعلان استقالته منتقدا سياسات ترامب الخارجية، وعدم تقديره لأقرب حلفاء واشنطن، وقال – في خطاب استقالة غاضب- إن ترامب بحاجة إلى وزير دفاع يكون أكثر انسجاما مع آرائه.

انتقادات عدة وجهها المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين لقرار ترامب “المتهور”، إذ يخشى معارضيه من تأثيره على حلفاء أمريكا على الأراضي السورية، وأبرزهم مقاتلو الأكراد الذين قالت أبرز جماعاتهم وهي “قوات سوريا الديمقراطية” أن هذا الانسحاب سيقوض الحرب ضد تنظيم “داعش”.

ربما يعجبك أيضا