بوتين وإفريقيا.. إلى أين وصل الصعود الروسي في القارة السمراء؟

بسام عباس

مجلة فورين أفيرز تتحدث عن تنامي صعود النفوذ الروسي في إفريقيا مع انسحاب الولايات المتحدة من هناك.. فكيف تبدو خريطة تحركات موسكو بالقارة السمراء؟


تسعى موسكو لتأمين نفوذها المتصاعد في إفريقيا بتعزيز حضورها هناك، في مواجهة المصالح الغربية التي بدأ نفوذها يتراجع تدريجيًّا في القارة السمراء.

وحذرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية من أن روسيا لا توسع نفوذها في إفريقيا فقط من خلال استخدام المقاولين العسكريين، بل حققت تقدمًا دبلوماسيًّا قويًّا في عام 2019 الذي شهد أول قمة روسية إفريقية جمعت 43 رئيس دولة إفريقية في سوتشي، ومن خلال المؤتمر حققت موسكو شراكات دبلوماسية جديدة.

مبيعات الأسلحة العشوائية

ذكرت فورين بوليسي أن روسيا استفادت من الإحباطات الشعبية الناتجة عن سياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية والفرنسية في إفريقيا، ما أدى إلى تنامي صعود النفوذ الروسي مع انسحاب الولايات المتحدة من القارة. وأشارت المجلة إلى أن مبيعات الأسلحة الروسية العشوائية تؤجج الصراع في القارة ما يقوض مساعي نشر الديمقراطية، لافتة إلى أن الغرب يحتاج إلى تحويل بوصلته إلى القارة مرة أخرى.

وقالت المجلة إن عودة ظهور روسيا كقوة عظمى في إفريقيا بدأت في أواخر التسعينات، وإنها سعت لإعادة بناء النفوذ السوفييتي في إفريقيا عبر تقديم المساعدة العسكرية الفنية ومساعدات التنمية، مع إنهاء التركيز على التبشير الأيديولوجي. وأشارت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما وصل إلى السلطة، استخدم الإعفاء من الديون لإعادة ضبط الشراكة الروسية مع الجزائر، ومع ليبيا التي تعثرت بسبب الخلافات على قروض الحقبة السوفيتية ودعم موسكو لعقوبات الأمم المتحدة ضد نظام معمر القذافي.

إفريقيا وتعزيز مكانة روسيا العالمية

لفتت المجلة الأمريكية إلى أن روسيا تنظر إلى إفريقيا على أنها مصدر للموارد لشركاتها المملوكة للدولة وسوقًا محتملة للسلع الروسية، كما أنها تنظر إلى إفريقيا أيضًا على أنها تقدم فرصة لتعزيز مكانة الدولة العالمية وعرض نموذج متميز للأمن.

وأشارت إلى أن شركة “روسو بورون إكسبورت” الروسية الحكومية للأسلحة، وقعت عقودًا بقيمة 1.5 مليار دولار مع 10 دول إفريقية في عام 2020، وفي العام التالي حصلت على 1.7 مليار دولار إضافية في صفقات جديدة في قمة عُقدت في ساحل العاج. وبحسب المجلة، تنظر شركة روساتوم الروسية العملاقة للطاقة النووية المملوكة لروسيا إلى إفريقيا على أنها مكان واعد لبيع المفاعلات، خاصة في غانا ونيجيريا ورواندا أيضًا.

مبادرات القوة الناعمة

أوضحت المجلة الأمريكية أن روسيا أعادت إحياء برامج الدبلوماسية التعليمية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية جزئيًّا، وأرسلت شحنات قمح للتخفيف من حالة انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا، ورغم سلوكها المزعزع للاستقرار في إفريقيا والعالم، استفادت روسيا من هذه المبادرات الإنسانية ومبادرات القوة الناعمة للترويج لنفسها كلاعب فاعل في الشؤون العالمية.

وفي الوقت الذي تباطأت فيه العمليات الغربية في تسليم لقاحات فيروس كورونا للدول الإفريقية، روجت روسيا بقوة للقاحها المحلي “سبوتنيك في” في القارة، معلنةً أنها ستوزع اللقاح مجانًا لمكافحة متحور أوميكرون.

تسويق النموذج السوري

قالت المجلة إن موسكو تسعى لتسويق ما تسميه “النموذج السوري” لمكافحة التمرد، الذي يعطي الأولوية للاستقرار الاستبدادي، باعتباره الترياق الأكثر فاعلية للتطرف، وكجزء من هذه المساعي، أرسلت روسيا متعاقدين من القطاع الخاص إلى دول هشة مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا ومالي وموزمبيق، وإلى شركاء سلطويين مثل غينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأعلنت روسيا عن النموذج السوري لدول الساحل التي تواجه حركات تمرد، ويبدو أنها وجدت زبونًا في مالي، فاستقبلت حكومتها مقاتلي مجموعة فاجنر، كما كانت جمهورية إفريقيا الوسطى أيضًا ساحة اختبار لتعكس روسيا قوتها الناعمة في إفريقيا.

التدخلات الروسية في إفريقيا الوسطى

أوضحت المجلة الأمريكية أن التدخلات الاقتصادية والعسكرية الروسية في جمهورية إفريقيا الوسطى تعتبر مشروعات مربحة ليفجيني بريجوزين، أحد شركاء بوتين المقربين، والمشرف على أصول التعدين لمجموعة فاجنر، إلا أنها أيضًا تزيد من مكانة روسيا في إفريقيا.

ولفتت إلى أن تدخل روسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى لم يكن ناجحًا تمامًا، رغم أن موسكو صاغت تدخلها كوسيلة لمواجهة الاستعمار الفرنسي الجديد وحماية سيادة الدولة، إلا أن نهجها القاسي أثار رد فعل معاكس، وأضافت أن تقرير حديث للأمم المتحدة وثَّقَ تورط مقاتلي مجموعة فاجنر أيضًا في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، ما زاد من تلطيخ ممثلي المقاولين في جمهورية إفريقيا الوسطى.

تغلغل روسيا في منطقة الساحل

أوضحت المجلة الأمريكية أن منطقة الساحل باتت محط اهتمام روسيا وأصبح الوجود الروسي واضحًا، ورغم أن تأثيرها في منطقة الساحل أخف، فإن ذلك الاهتمام بالمنطقة كان موجهًا لفك الارتباط الأمريكي والعثرات الفرنسية.

وأضافت أن روسيا أحرزت مكاسب في منطقة الساحل، إلا أن النجاح على المدى الطويل ليس مضمونًا على الإطلاق، ويمكن للضغوط الموازية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المقترحة على مالي، أن تؤدي في نهاية المطاف إلى ردع الحكومة الروسية عن الاعتماد على المتعاقدين العسكريين الروس.

ربما يعجبك أيضا