المعضلة والفرصة.. هل تستغل الصين أزمة أوكرانيا لصالحها؟

بسام عباس

لا تزال الأزمة الأوكرانية تمثل معضلة دبلوماسية للصين، إلا أنها توفر أيضًا فرصة لبكين للتغلب على العقبات التي تواجهها، وحماية علاقاتها مع واشنطن.


أثار القرار الروسي بالاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، ردود فعل واسعة عبر دول العالم، وصف البيت الأبيض القرار بأنه مؤسف، وأطلق على نحو فوري مجموعة من العقوبات على المناطق الانفصالية محل النزاع.

وفيما وصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، القرار بأنه انتهاك لوحدة أراضي أوكرانيا، ووصفه وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقات مينسك. وأيضًا أدان الأمين العام للناتو القرار الروسي واصفًا إياه بأنه يقوض جهود حل النزاع.

دعوة لضبط النفس

قال وزير الخارجية الصيني وانج يي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، إنّ “التطور الحالي للوضع في أوكرانيا مرتبط على نحو وثيق بالتأخر في تطبيق اتفاقيات مينسك”، وقال وانج إن “الصين تدعو مرة أخرى جميع الأطراف لممارسة ضبط النفس، وإدراك أهمية تنفيذ مبدأ عدم قابلية الأمن للتجزئة، وإخماد التوتر وحلّ الخلافات من خلال الحوار والمفاوضات”.

وذكرت وزارة الخارجية الصينية، في بيان أمس الثلاثاء، أنّ وانج يي أوضح لنظيره الأمريكي أنّ “موقف بكين بشأن القضية الأوكرانية ثابت”، داعيًا لـ”احترام المخاوف الأمنية المشروعة لأي دولة”، في إشارة إلى المخاوف الروسية بشأن توسّع “الناتو” شرقًا. وحضّت الصين في اجتماع مجلس الأمن جميع الأطراف على ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد في الأزمة الأوكرانية، ودعت خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي للتوصّل إلى حل دبلوماسي.

حماية العلاقات مع واشنطن

وحول الموقف الصيني من الأزمة الأوكرانية، قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن المحللين الصينيين ناقشوا الخيارات السياسة الصينية، لافتة إلى أن المتشددين منهم دافعوا عن سياسة خارجية موالية لروسيا، ويعتقد آخرون أن على بكين استغلال هذه الأزمة لحماية العلاقات مع واشنطن.

ونقلت الجارديان عن رئيس مركز الصين والعولمة في بكين، وانغ هوياو، قوله: “تريد الصين في النهاية علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، بعد تعهدهما بتوثيق التعاون، لأن كلا البلدين لديه مخاوف مماثلة بشأن التدخل الخارجي في قضايا الأمن الخاصة به”، مضيفًا أن الصين ترى بعض أوجه الشبه في توسع الناتو شرقًا مع مخاوفها المتعلقة ببحر الصين الجنوبي.

نقطة شائكة

الباحث في مركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن، الدكتور يو جي، أوضح أن الأزمة تسلط الضوء على “نقطة شائكة” في علاقة بكين بموسكو في أعقاب استثمار شي الضخم فيها، فالصين تأمل كثيرًا في أن تقدم روسيا دعمًا دبلوماسيًا كاملًا لمبادرات بكين العالمية المختلفة في ظل عدد كبير من البرامج التي تقودها الأمم المتحدة، لكن تحرك موسكو الحالي جعل رغبات الصين أكثر إشكالية، وفق الجارديان.

ويسلط المحللون الضوء على إصرار وانغ على احترام “المخاوف الأمنية المشروعة لجميع الدول”، وهو ما يعد مؤشرًا واضحًا على تعاطف بكين مع وجهة نظر موسكو بشأن نفوذ الناتو باتجاه الشرق، إلا ان الباحث الصيني، ألكس لو، قال إن بكين في وضع أفضل بكثير للعب الوسيط النزيه في الأزمة الحالية، ومن المؤسف أن الغرب افترض بالفعل أنها تقف في صف روسيا.

هل تغنم الصين من الأزمة الأوكرانية؟

أضافت الصحيفة أن بعض الاستراتيجيين في بكين ينظر الآن إلى هذا الوضع نظرة إيجابية، لأن إدارة بايدن مشتتة، ونتيجة لذلك من المحتمل أن تكون لديها طاقة وموارد أقل لمواجهة نفوذ الصين المتنامي في المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما أوضحه وانج يي في محادثته الثلاثاء مع نظيره الأمريكي، بقوله إن أهم شيء في الوقت الحالي في تعزيز العلاقات الصينية الأمريكية هو تنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه رئيسا البلدين.

ولفت وزير الخارجية الصيني إلى أن الصين ترغب في إدارة الخلافات بشكل فعال وتحقيق الاستقرار في العلاقات الصينية الأمريكية، وفقًا للمبادئ الثلاثة المتمثلة في الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون الذي يحقق المنفعة المتبادلة، وفق بيان وزارة الخارجية الصينية.

بكين لا تؤيد عدوان موسكو

الصحيفة ذكرت أن موقف الصين من التحرك الروسي تجاه أوكرانيا كان واضحًا وهو أن بكين لا تؤيد عدوان موسكو. إلا أن كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانج يي، حاول توضيح هذا الموقف في مؤتمر ميونيخ الأمني، قائلًا: “يجب احترام وحماية سيادة أي دولة واستقلالها ووحدة أراضيها.. وأوكرانيا ليست استثناء”.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن رد بكين يتناسب مع عقائدها الدبلوماسية التي طالما دافعت عنها دوليًّا، ففي خطاب بمناسبة الذكرى الستين لبدء المبادئ الخمسة للتعايش السلمي في 28 يونيو 2014، شدد الرئيس الصيني على “عدم الاعتداء المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.

ومن جانبه، قال ستيفن زهو، إن الأوكرانيين لن يقبلوا التبعية لروسيا تمامًا، كما حدث في غزو اليابان لشمال الصين قبل الحرب العالمية الثانية، وإذا شنت روسيا حربًا، فستجد خصمًا لن يخضعه بسهولة، داعيًا روسيا للتراجع وإلا ستخاطر بالتورط في صراع سيضعف اقتصادها وجيشها.

علاقة ودية مع أوكرانيا

أضافت الصحيفة أن الأزمة في أوكرانيا ليست بهذا الوضوح، من وجهة نظر الصين. ويُظهر شي وبوتين علاقة أخوية، وتتمتع بكين أيضًا بعلاقات ودية مع كييف، فأوكرانيا تتيح فرصة تجارية لمبادرة الحزام والطريق الاقتصادية الطموحة التي أطلقها شي، كما بلغت تجارة أوكرانيا مع الصين 15.42 مليار دولار، في عام 2020. فالصين هي الشريك التجاري الأول لأوكرانيا.

ولفتت الصحيفة إلى أن سفارة الصين في كييف طلبت، في وقت متأخر من مساء الاثنين، من مواطنيها والشركات الامتناع عن السفر إلى “المناطق التي لا يزال الوضع فيها غير مستقر”. ونصحت السفارة المواطنين الصينيين المقيمين في أوكرانيا بتخزين الضروريات اليومية مثل الطعام ومياه الشرب، واستشهدت السفارة “بتغيرات كبيرة” في الوضع شرق أوكرانيا.

إبعاد بكين عن موسكو

في محور تناولها للعلاقة الأمريكية الصينية في ظل الأزمة الأوكرانية، نقلت الصحيفة تغريدة كبير مستشاري باراك أوباما السابق وكبار المسؤولين في البيت الأبيض، رايان هاس، الذي رأى في الأزمة فرصة لواشنطن “لشحذ خيارات بكين”، وكتب: “هذا لا يعني تنازلات أو مقاربة مخففة للصين، بل إنه يتطلب من بكين رؤية مسار يظل مفتوحًا لعلاقات أقل عدائية مع الغرب، ومخاطر كبيرة لربطها بتهور روسيا”.

وأضاف هاس: “لن يكون الهدف إجبار بكين على الانفصال عن موسكو، وهو ما لن يحدث، وإنما سيكون مساعدة بكين على التوصل إلى حكمها الخاص بأن مصالحها تتطلب منها أن تبدأ إعادة توجيه تدريجية وثابتة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا”.

ربما يعجبك أيضا