رغم التوتر بشأن تايوان.. لماذا ترغب الولايات المتحدة في التقارب مع الصين؟

محمد النحاس

يزداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين على نحوٍ لافت، في ظل سعي بكين للعب دور أبرز على الساحة الدولية، فإلى أين تتجه العلاقات بينهما؟ وهل تسعى واشنطن للتقارب مع بكين؟


عبرت المدمرة الأمريكية “يو إس إس تشونج” مضيق تايوان، قبل يومين، في وقت تشهد فيه العلاقات مع الصين توترًا متزايدًا.

وترفض حكومة بكين تحركات واشنطن، وتسميها “الاستفزازات الأمريكية التايوانية”، ووصفت السفارة الصينية لدى الولايات المتحدة هذا التحرك بأنه “يقوّض السلام والاستقرار بالمنطقة”، ويهدف إلى “إظهار العضلات”.

رسائل أمريكية ورد صيني

قال بيان للبحرية الأمريكية إن عبور المدمرة “يو إس إس تشونج” مضيق تايوان، يأتي في سياق التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على حرية الحركة بمنطقة “الهندوباسيفيك”، وفق ما أورده تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

في المقابل، شدد بيان السفارة الصينية على أن بكين ستحافظ على وحدة أراضيها وسيادتها، وأعلن جيش التحرير الشعبي الصيني، نشر قوات لمراقبة التحركات الأمريكية في محيط تايوان، وفق التقرير الصادر يوم أمس الأول الجمعة 6 يناير 2023.

5c337fcbbd7730105a07321a

ورأى الخبير في الشؤون الاستراتيجية، أكرم حسام، أنّ التحركات الأمريكية بمحيط تايوان والمحيط الهادئ ستتواصل، لأنها تأتي في سياق استراتيجية أشمل تجاه منطقة “الباسفيك”، تهدف إلى إيصال عدة رسائل، منها أن هذه المنطقة ليست منطقة نفوذ خالص للصين، ولإبداء الالتزام بدعم الحلفاء الآسيويين.

زيارة أمريكية للصين؟

في لقاء دوري مع الصحفيين، شدد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد بريس، على أنه لا يوجد ما يمنع زيارة الوزير أنتوني بلينكن إلى الصين، مقرًّا بوجود التنافس بين الجانبين، لكن الإدارة الأمريكية تسعى لإدارة العلاقة حتى لا تتحول إلى صراع، على حد قوله.

ويرى خبير الشؤون الاستراتيجية، أكرم حسام، أن هذه التصريحات تأتي كمحاولة أمريكية لتهدئة التوترات مع الصين، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، لافتًا إلى أن واشنطن تسعى لتحييد موقف الصين، لأن الكرملين يراهن على الدعم الصيني، في ظل قطيعته مع الغرب، وما تلاها من صعوبات اقتصادية.

خبير الشؤون الاستراتيجية أكرم حسام

وأردف في حديثه مع شبكة “رؤية” الإخبارية أن الهدف الرئيس في هذه الآونة، إقناع بكين بعدم دعم موسكو اقتصاديًّا، بغية إجبار الروس على الذهاب إلى التفاوض، وتراهن واشنطن على لعب الصين دور الوسيط، لكن خبير الشؤون الاستراتيجية يرى أنّ هذا لن يتأتّى في ظل انحياز الصين لأحد الأطراف.

سياسة صارمة

تواصل الولايات المتحدة سياسة التوسع عسكريًّا بالباسفيك ودعم حلفائها، ولا تبدو متساهلة في التعامل مع قضايا الهيمنة الإقليمية، وتستمر في سياسة فرض العقوبات على الصين، للحد من نفوذها الاقتصادي، الذي باتت يهدد المكانة الأمريكية كقوة متربعة على عرش النظام العالمي.

وفي أغسطس الماضي، زارت الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، جزيرة تايوان، في ظل غضب صيني، وأجرى الجيش الصيني على إثر الزيارة مناورات غير مسبوقة حول الجزيرة، التي تزعم بكين أنها جزء من أراضيها.

وتنتهج واشنطن سياسة “الصين الواحدة”، لكنها في ذات التوقيت تقيم علاقات “قوية وغير رسمية” مع جزيرة تايوان، بما في ذلك التزامها بالتعاون على الصعيدين الأمني والعسكري، في مواجهة اجتياح صيني محتمل.

المحيط على صفيح ساخن

وصلت التوترات الأمريكية الصينية بشأن تايوان إلى مستوى غير مسبوق، خلال العام الماضي 2022، الذي شهد عشرات التدريبات الصينية بمحيط الجزيرة، واخترقت 1700 طائرة صينية عسكرية منطقة الدفاع الجوي لتايوان.

ولم تكن هذه المناورات التحركات الوحيدة بمنطقة “الباسفيك” الآسيوي، فرصدت اليابان سفنًا صينية بالقرب من حدودها، وأعلنت، الشهر الماضي، استراتيجيتها للأمن القومي، التي مثلت تغيرًا تاريخيًّا في سياستها العسكرية، وذكرت الصين صراحةً، معتبرةً إياها تهديدًا للأمن القومي.

f chinadrills a 20160802 scaled

توترات بشبه الجزيرة الكورية

توترات شبه الجزيرة الكورية لا يمكن عزلها عن المشهد المحتدم بين عواصم آسيوية قريبة من الولايات المتحدة وأخرى قريبة من الصين، وكان آخر التوترات اختراق 5 مسيّرات كورية شمالية للجارة الجنوبية، ووصولها إلى العاصمة سيول، حيث ظلت في السماء 5 ساعات، وعادت 4 منها.

وشهد عام 2022 أكبر معدل لإطلاق الصواريخ من كوريا الشمالية، في وقت تخشى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون بالمنطقة، من إقدام بيونج يانج على تجربة نووية جديدة.

تقارب روسي صيني

شهد عام 2022 تقاربًا بين الصين وروسيا، وشدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نهاية الشهر الماضي، خلال قمة افتراضية جمعته بنظيره الصيني، شي جين بينج، على أهمية الشراكة بين بكين وموسكو في مواجهة الضغوط الغربية، في حين شدد شي، على ضرورة التعاون لضمان الأمن والاستقرار بالمنطقة.

ويرى خبير الشؤون الدولية، سمير رمزي، أن العلاقات الصينية الروسية تأخذ منحى تصاعديًّا، لكن بكين تبدو حذرة في دعمها موسكو، حتى لا تقع تحت طائلة العقوبات الغربية، وفقًا لإفادته في حديث مع “رؤية”.

china taiwan military drills explainer 23840 scaled

وأشار إلى إجراء روسيا والصين مناورات بحرية مشتركة، الشهر الماضي، ببحر الصين الشرقي، متوقعًا أن يصل التعاون بين الجانبين إلى مستويات أكثر عمقًا، في ظل ما يجمعهما من سخط على النظام الدولي بشكله الحالي، والوضع الإقليمي بالمنطقة، وفي ظل انتشار كثيف للبحرية الأمريكية.

نهج بديل؟

يلفت خبير الشؤون الاستراتيجية، أكرم حسام، إلى أن الصين كانت تنتهج حل القضايا الإقليمية عن طريق تعزيز التعاون الاقتصادي والشراكات مع البلدان بالمنطقة، لكن الولايات المتحدة جنحت تجاه العسكرة وتكثيف المناورات ما دفع الصين لتبني نهجًا مماثلًا.

وتعقد واشنطن تحالف “القوى الرباعية” (كواد) مع اليابان وأستراليا والهند، وتحالف “أوكوس” الذي يشمل أستراليا وبريطانيا، في ظل مساعي الولايات المتحدة لتقويض النفوذ الصيني بكل السبل المتاحة.

ربما يعجبك أيضا