“طباخ بوتين”.. كيف حاول رجل “المهام الخاصة” إنقاذ البشير؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة لنظام عمر البشير في السودان نهاية العام الماضي، تعاملت السلطات وقتها باستراتيجية حاسمة لقمع المتظاهرين، تضمنت نشر معلومات خاطئة على مواقع التواصل الاجتماعي والقبض على العشرات من المتظاهرين واتهامهم بخيانة الوطن وغيرها من الأساليب القمعية، التي يبدو أنها لم تكن من تأليف نظام البشير وحده.

فبحسب وثائق حصلت عليها شبكة “سي إن إن”، الحكومة السودانية استعانت بشركة أمن روسية مرتبطة بواحد من الشخصيات المقربة من الرئيس فلادمير بوتين يدعى يوفجيني بريغوزين، لوضع خطط لقمع الاحتجاجات التي تمخضت عن سوء إدارة الملفات الاقتصادية بالبلاد، وما نتج عنه من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتردي الأوضاع المعيشية.

رجل المهام القذرة
يوفجيني بريغوزين، المشهور بـ”طباخ بوتين”، كونه بدأ مسيرته في الكرملين كمتعهد طعام لموائد القيصر، ليتحول بعد ذلك إلى مستشار مقرب من بوتين أقرب إلى مقاول حرب، أكدت مصادر في الخرطوم أن شركته “M-invest” عرضت على البشير مع بداية الشرارة الأولى للاحتجاجات استراتيجية لقمع التظاهرات، وبالتزامن مع ذلك توافد إلى العاصمة السودانية عدد من المستشارين الروس، لمراقبة المظاهرات والشروع بخطط للتصدي لها، حتى وإن تطلب الأمر إعدام بعض المتظاهرين.

الشركة التي تمتلك مقرا بالخرطوم ومدرجة تحت قطاع التعدين، اقترحت على الحكومة السودانية -بحسب وثائق الـ”سي إن إن”- سلسلة من الإجراءات منها توزيع الخبز والطحين والأدوية مجانا وإجراء حوار صوري مع المعارضة والمتظاهرين، كمحاولة لكسب رموز المعارضة وفصلهم عن القاعدة الشعبية.

كما تضمنت الخطة المتقرحة تشوية صورة المتظاهرين من خلال إشاعة مزاعم بأنهم يهاجمون المساجد والمستشفيات، وزرع أعلام “المثليين” وسط صفوفهم، وإشاعة مزاعم بأن المتظاهرين يحصلون على أموال من إسرائيل، فضلا عن تنفيذ إعدامات في ساحة عامة ضد خارجين على القانون كوسيلة للترهيب.

وأشارت الوثائق -التي حصلت عليها الـ”سي إن إن” بمعرفة مركز في لندن يدار من قبل المعارض الروسي ميخائيل خودوركوفسكي- إلى أن الشركة الروسية اقترحت أيضا أن تدير شبكة من لجان إلكترونية تكون مهمتها نشر هذه الأكاذيب على وسائل التواصل الاجتماعي، هذا يشبه إلى حد كبير ما حدث في الانتخابات الأمريكية 2016، ويفسر أيضا إدراج اسم بريغوزين على قائمة الاتهامات الخاصة بتحقيق مولر، إذ يتهمه المحقق الأمريكي بالتدخل في الانتخابات الأمريكية من خلال تمويل لجان إلكترونية ركزت نشاطها في في ولايات كانت متذبذبة بين ترامب وهيلاري.

وفي إحدى الوثائق المؤرخة في 6 أبريل الماضي، وصف بريغوزين البشير بالزعيم الحكيم بعيد النظر، مع حثه على إجراء إصلاحات اقتصادية فورية لمعالجة الأزمة، وفي رسالة سابقة تحديدا في 17 مارس، اشتكى رجل بوتين من “تقاعس” الحكومة السودانية حيال معالجة الأزمة، قائلا إن عدم وجود خطوات فعالة من جانب الحكومة الجديدة للتغلب على الأزمة من المرجح أن يؤدي إلى عواقب سياسية أكثر خطورة.

هذه ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها تقارير صحفية عن التدخل الروسي في السودان، حيث سبق ونشرت الـ”التايمز” تقريرًا يؤكد ظهور مرتزقة الروس بالعاصمة السودانية، مهمتهم تنصب على قمع الاحتجاجات، في إشارة جديدة على دعم بوتين لنظام البشير.

كما نقلت وسائل إعلام سودانية عن مصادر أمنية، تأكيدات أن عناصر من شركة “فاجنر” العسكرية الروسية كانوا يساعدون أجهزة المخابرات والأمن السودانية، من أجل قمع التظاهرات.

شركة “فاجنر” هي أحد أجنحة امبراطورية بريغوزين، وهي عبارة عن شركة أمن خاصة تأسست عام 2013، لديها جيش من المرتزقة يوزع في مناطق النزاعات التي تسعى موسكو لموطئ قدم فيها، بما في ذلك شرق أوكرانيا وسوريا والسودان.

يصف بعض الخبراء العسكريين الشركة بأنها جيش بديل يستخدمه بوتين لتوسيع نفوذه خارج الحدود، وهذا يفسر احتكارها لعقود وزارة الدفاع الروسية، وبين أغسطس 2018 وفبراير 2019، وقعت الشركة عقدا مع الوزارة لاستخدام طائرات تابعة لها، وقامت هذه الطائرات بنحو تسع رحلات على الأٌقل إلى الخرطوم واستخدمت إحداها في نقل البشير إلى سوريا في زيارة مثيرة للجدل في ديسمبر الماضي.

موسكو تنكر والوثائق تؤكد
في  يناير الماضي قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية: نحن على علم بأن بعض موظفي شركات الأمن الخاصة الروسية، الذين لا علاقة لهم بسلطات الحكومة، يعملون بالفعل في السودان، لكن وظائفهم مقصورة على تدريب الأفراد.

فيما وصفت السفارة الروسية في الخرطوم تقارير “التايمز” بالفبركة، وقال الملحق الإعلامي للسفارة في عدة مواضع: نؤكد بكل مسؤولية أن الخبراء الروس من الهيئات غير الحكومية لا علاقة لهم، كما ذكرت بعض وسائل الإعلام الغربية، ولا يشاركون في قمع الاحتجاجات بالسودان.

ربما الوثائق المسربة مصدرها ليس مؤسسة روسية رسمية، إلا أنها تكشف عن خطة هدفها الأول هو حماية مصالح القيصر من خلال الحفاظ على البشير في السلطة، فالسودان دولة غنية بالموارد، يمتلك حدود مشتركة مع 7 دول، لا تضعه واشنطن في حاسبتها كثيرا، ويمتلك شواطئ مطلة على البحر الأحمر، ذات أهمية بالنسبة لموسكو، التي تتطلع إلى بناء قاعدة بحرية في بورتسودان.

في يونيو الماضي، صاغت شركة بريغوزين من مقرها في الخرطوم –بحسب “سي إن إن”- نيابة عن الجيش السوداني رسالة لتوثيق الروابط العسكرية مع موسكو، كما تحدثت الشركة في إحدى مراسلاتها مع الجنرال فاليري جيراسيموف قائد القوات المسلحة الروسية، عن زيارة نائب قائد البحرية الروسية إلى الخرطوم والتي ناقش فيها إمكانية إنشاء قاعدة روسية على أراضي السودان.

وإن كان البشير يقبع حاليا في سجن كوير، فإن موسكو لن تستسلم بسهولة وسوف تسعى لتحقيق طموحاتها في السودان، مستغلة صِلاتها القوية بعناصر لا زالت موجودة على رأس الجيش السوداني.

ربما يعجبك أيضا