طهران تسعى وراء “تشريع مانع” لحماية الشركات المتعاملة مع إيران

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

تسارع إيران الزمن لإنقاذ اقتصادها من العقوبات الأمريكية بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي؛ حيث تبحث طهران عن ضمانات من جانب الأوروبيين، ويقوم وزير الخارجية الإيراني ظريف بجولات خارجية للحث على هذه الضمانات. ومن جانب النظام الإيراني، هناك إمهال لأوروبا بمدة محددة لتقديم هذه الضمانات؛ وإلا ستخرج طهران من الاتفاق النووي.

وتسعى طهران لحث الدول المشاركة والمستفيدة من الاتفاق النووي، على تشريع قانون حماية للعلاقات التجارية مع إيران في مقابل التشريعات الأمريكية.

جولة ظريف

في إطار جولة خارجية تشمل مجموعة دول الاتفاق النووي ودول أخرى، وصل وزير الخارجية الإيراني اليوم إلى الصين، للمشاورات مع المسؤولين الصينيين حول سبل استمرار التزام طهران بالاتفاق النووي والضمانات التي قد تقدمها الأطراف الدولية الفاعلة بما يحفظ مصالح الشعب الإيراني.

زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الصين، مثلت المحطة الأولى من جولته في عدد من الدول وبينها روسيا وبلجيكا لبحث مستقبل الاتفاق النووي بعد انسحاب واشنطن منه.

وسيتوجه ظريف إلى موسكو غدا الإثنين للمحادثات مع المسؤولين الروس، قبل أن يغادر إلى بروكسل للاجتماع مع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني الثلاثاء.

في الصين

أعرب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن استعداد طهران لجميع الخيارات على صعيد ملفها النووي، مؤكدا أن استمرار الاتفاق النووي مرهون بضمان مصالح إيران.

وقال ظريف -اليوم، للصحفيين في بكين- “الاتحاد الأوروبي كان الأكثر طلبا من إيران، ودعا إلى بقاء إيران في الاتفاق النووي بعد انسحاب الولايات المتحدة منه”.

وتابع: “على الدول الأوروبية أن تضمن لنا أنه على الرغم من انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، فإن مصالح الشعب الإيراني ستستمر في الحفاظ عليها”.

ولفت الوزير إلى العلاقات الجيدة بين إيران والصين قبل الاتفاق النووي و بعد الاتفاق النووي، مضيفا أن الصين أفضل شريك تجاري لإيران رغم بعدها الجغرافي “اليوم نحن واثقون من أن الصينيين سيكونون معنا”.

وقال: “بالنسبة لنا المفاوضات مع خمسة ناقص واحد زائد واحد أو مع مجموعة 5، قد بدأناها مع أصدقائنا، الصين هي واحدة من أقرب الأصدقاء لإيران، واليوم سنتحدث حول حصول إيران على مصالحها في الاتفاق النووي بعد انسحاب أمريكا”.

وأضاف: “علاقات إيران مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي كانت طيبة وإيجابية على الدوام… بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي ستزداد أهميتها”.

عودة العقوبات

إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق التاريخي يعني عودة واشنطن لتشديد العقوبات على إيران.

فقد قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن الأمر يستغرق فترة 90 و180 يوما قبل استئناف عقوبات متنوعة على إيران.

ويحل الموعد الأول لإعادة العقوبات في السادس من أغسطس/ آب المقبل، ويشهد تفعيل عقوبات تؤثر على قدرة إيران على شراء الدولار الأمريكي، والتجارة في الذهب وغيره من المعادن، بجانب قيود على الطيران وصناعة السيارات.

أما الموعد الثاني، فيأتي في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، ويتضمن إجراءات تتعلق بالمؤسسات المالية والنفطية الإيرانية.

وفي نهاية الفترة المحددة بـ180 يوما، تُفعل العقوبات على الأفراد الذين كانوا على قائمة عقوبات الخزانة الأمريكية قبل الاتفاق النووي.

قلق من إيران

وقد حذر اشتون كارتر، وزير الدفاع الأمريكي السابق، من تحركات إيرانية قد تقدم عليها طهران بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.

حيث قال: “أنا قلق من أن الإيرانيين وعلى المدى القريب سيبدؤون مجددا بالقيام بأمور عديدة حيث قاموا بمهاجمة الأمريكيين ومارسوا التضييق وحروب الوكالة.. والآن قد يعودون للقيام بأمور ما كانوا ليقوموا بها سابقا (عندما كان الاتفاق النووي ساريا) وأعتقد أن عليها الحذر وحماية أنفسنا.”

وعن الاتفاق النووي مع إيران، قال كارتر: “لم يوقف الاتفاق العديد من الأمور التي كانت تقوم بها إيران في المنطقة بصورة يمكن التثبت منها، إلا انه قام على المدى القصير بمنعهم من الحصول على سلاح نووي، ومن وجهة نظر دفاعية، هذا الأمر يعتبر مهما للغاية.”

إيران تُمهل الأوروبيين

قال علي أكبر ولايتي -مستشار المرشد للنظام الإيراني علي خامنئي للشؤون الدولية- إن إيران تعتبر الأسابيع المقبلة اختبارا للأوروبيين حول مدى التزامهم بالاتفاق النووي.

ووفقا لوكالة فارس، فقد أكد ولايتي -في تصريح للصحفيين عقب لقائه وزير خارجية تركمانستان، رشيد مردوف، في طهران، السبت- وجود ضمانات بأن الأوروبيين سيلتزمون بتعهداتهم في الاتفاق النووي.

وشدد على أن إيران أعلنت أن الأسابيع الثلاثة المقبلة ستكون اختبارا بالنسبة للأوروبيين ليثبتوا التزامهم بتعهداتهم أو “يريدون التبعية للأميركيين”، حسب تعبيره.

من يشتري النفط الإيراني؟

إيران من أكبر منتجي النفط في العالم، إذ تصل قيمة صادراتها من النفط والغاز مليارات الدولارات سنويا. لكن إنتاج إيران من النفط وإجمالي ناتجها المحلي يخضعان لعقوبات دولية.

ورغم أن الولايات المتحدة ليست من مستوردي النفط الإيراني، ستتعرض شركات ودول أخرى من أصحاب التعاملات النفطية مع إيران للعقوبات الأمريكية حال رفضها أو فشلها في إنهاء تعاملاتها مع إيران.

وستطال العقوبات شركات النفط الأوروبية على وجه الخصوص، فمثلا وقعت شركة توتال الفرنسية عقدا بقيمة خمسة مليارات دولار مع إيران بعد الاتفاق النووي. كذلك لدى شركة بريتش بتروليم شراكة مع الشركة الحكومية الإيرانية للتنقيب في حقل روم الإيراني للغاز.

الشركات الأوروبية

تعد شركة صناعة الطيران الأوروبية “إيرباص” من أكبر الخاسرين من فرض هذه العقوبات، فقد أعلنت من قبل عن عقود مع ناقلين إيرانيين هما “إيران إيرتور” و”طيران زاغروس” لبيع مئة طائرة في المجمل في صفقة تقدر قيمتها بنحو عشرة مليارات دولار. كما أنها لا تملك هامشا كبيرا من المناورة حيال العقوبات الأمريكية نظرا لأنها تمتلك مصانع في الولايات المتحدة وستتعرض لعقوبات قد تحرمها من السوق الأمريكية.

هناك أيضا الشركات الأوروبية العملاقة في مجال تصنيع السيارات، كالعملاق الألماني فولكسفاغن الذي أعلن في العام 2017  استئنافه بيع السيارات في إيران للمرة الأولى منذ 17عاما. لكنها قد تضطر الآن للاختيار بين إيران والولايات المتحدة، ثاني أكبر سوق لبيع السيارات في العالم والتي تمتلك فيها حصة لا بأس بها.

كما أن شركة صناعة السيارات الفرنسية “بي إس إيه” تنافس بقوة في إيران، حيث تبلغ نسبة حصتها في السوق المحلية حوالى 30 بالمئة. ويبدو أن الشركة ستضطر لإعادة النظر في الهدف الذي أعلنته مؤخرا في يناير/ كانون الثاني الماضي عن اهتمامها بالعودة إلى السوق الأمريكية بعد غياب عنه منذ العام 1991.  مواطنتها الفرنسية “رينو” ستتضرر أيضا بشكل كبير من العقوبات الأمريكية خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته في السوق الإيرانية ببيعها 160 ألف سيارة العام الماضي فقط.

وأمام هذا الموقف الحساس للشركات الفرنسية أصدرت شركة “بيجو-ستروين” بيانا الأربعاء قالت فيه إنها تأمل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفا مشتركا بشأن إيران. وقال متحدث باسم الشركة: “شأننا شأن الأطراف الاقتصادية الأخرى، نتابع تطورات الوضع، ونتابع أيضا الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي في هذه القضية” مضيفا أن بيجو تأمل في أن يكون موقف الاتحاد الأوروبي بخصوص إيران “موحدا”.

كذلك شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال”، فتواجه خطر خسارة عقد بقيمة خمسة مليارات دولار للمساعدة في تطوير حقل غاز بارس الجنوبي. وحذرت “توتال” من أن الاستمرار في المشروع يعتمد على وضع الاتفاق النووي.

وليست الشركات الأوروبية في قطاع السفر والسياحة ببعيدة عن العقوبات الأمريكية، وسيتعين على كل من شركتي طيران “بريتيش إيرويز” و”لوفتهانزا” الاختيار بين الإبقاء على رحلاتهما المستأنفة إلى طهران أو المحافظة على رحلاتهما الدولية إلى الولايات المتحدة. وتواجه أيضا سلسلة فنادق “أكور” الفرنسية الخيار ذاته، حيث كانت قد افتتحت فندقا في إيران عام 2015. وتواجه كذلك مجموعات أخرى في قطاع الفنادق على غرار “ميليا هوتيلز إنترناشونال” الإسبانية هذه المعضلة.

ما هي الخيارات المتاحة أمام إيران؟

هذا الموقف الحساس دفع بالرئاسة الفرنسية إلى الحديث في محاولة منها لطمأنة تلك الشركات العملاقة، وقال مصدر بها -الأربعاء- إن فرنسا وشركاءها الأوروبيين سيعملون جاهدين لحماية مصالح شركاتهم في إيران بعد أن قالت الولايات المتحدة إنها ستعيد فرض عقوبات صارمة على طهران. وقال المصدر: “من المؤكد أننا سنبذل كل شيء فيما يتعلق بشركاتنا لحماية مصالحها”.

فثمة أمل لدى شركاء إيران التجاريين، وهو تعهد الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق، وهي بريطانيا، وفرنسا، والصين، وروسيا، وألمانيا بالاستمرار في العمل بموجب الاتفاق المبرم في 2015.

وقالت الإدارة الأمريكية: إن هناك استثناء لبعض من يتعاملون مع إيران، لكنها لم تفصح عن أي تفاصيل بخصوص الشركات التي قد تستفيد من ذلك.

وقد يستخدم الاتحاد الأوروبي “تشريعا مانعا” لحماية الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران من العقوبات الأمريكية، وهو نفس الإجراء الذي اتخذه التكتل الأوروبي عندما رفع العقوبات عن كوبا أثناء استمرار العقوبات الأمريكية. والتشريع المانع هو قانون أو قرار في قوة القانون، يصدر لتعطل العمل بقرارات وقوانين أخرى.

تأثير عودة العقوبات

لن يكون بمقدور إيران من الآن فصاعدا تصدير واستيراد الأسلحة.

ستعود إلى اللوائح الأميركية السوداء أسماء أفراد وشركات وبنوك كانت متهمة في السابق بانتهاك القوانين الأميركية، لا سيما في ما يتعلق بعقوبات واشنطن على طهران بخصوص برنامجها النووي والصاروخي.

سيحرم فرض العقوبات على إيران مجددا الاقتصاد المحلي من الانتعاش، الذي كان سيتحقق من استيراد قطع غيار الطائرات والسفن لتحديث أسطولها الجوي والبحري، بالإضافة حرمان طهران من صفقات تجارية خارجية ضخمة.

من المتوقع أن يتعثر الاقتصاد المحلي مجددا، إذ أن العقوبات كانت وراء أكثر من 20% من مشكلات الاقتصاد الإيراني على مدار سنوات، كان أبرز معالمها بطالة تتجاوز 14%.

قطاع النفط الإيراني، أكبر متضرر من إعادة فرض العقوبات، لا سيما أنه أبرز مصدر للدخل في البلاد، وكانت إيران بحاجة إلى دعم من شركات غربية لتطوير هذا القطاع المنهك.

القوانين الداخلية في إيران، لا تساعد على دعم الاستثمارات الأجنبية، حيث تتشدد مع الشركات الاستثمارية الوافدة من الخارج، لا سيما الغربية منها.

تجميد أي أموال لطهران في الخارج، خصوصا في الولايات المتحدة، مما سيحرمها من مداخيل هامة كانت ستنعش الاقتصاد الداخلي.

إعادة فكرة شن حرب غربية على طهران مجددا، لا سيما مع اتساع رقعة تدخل إيران في شؤون دول المنطقة.

اتفاقيات بوينج واير باص، حيث تعتبر الاتفاقيات التي وقعتها طهران مع الشركتين من أكبر الصفقات وأضخمها، حيث قالت شركة ايرباص في بيان لها تعقيبا على قرار ترامب: “ندرس الإعلان ونقوم بتقدير أنسب الخطوات التي تتماشى مع سياساتنا الداخلية وتتناسب مع أنظمة العقوبات وقوانينها”.

صفقات معقودة مع كبرى الشركات الدولية على الصعيد الدولي وعلى صعيد النفط وأيضا على الأجهزة الإلكترونية، مثل صفقات عقدتها طهران مع شركة توتال النفطية وشركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات وجنيرال الكتريك للأجهزة والمعدات الإلكترونية.

رحلات جوية ومجموعات الفنادق، حيث استفادت الشركات العاملة في هذا القطاع من رفع العقوبات عن طهران والترويج لإيران كوجهة سياحية، مثل تسيير شركات مثل الخطوط الجوية البريطانية وشركة لوفتهانزا الألمانية رحلات مباشرة من برلين ولندن إلى طهران، في حين تتأثر سلسلة فنادق عالمية مثل Accor التي كانت أول من يفتح في إيران في العام 2015 بالإضافة إلى مجموعات فندقية أخرى مثل روتانا وميليا.

الاقتصاد الإيراني بشكل عام عاد للتعافي بصورة تدريجية بعد العام 2015 إلا أنه بقي هشا، وعودة العقوبات بما لا شك فيه سيزيد الوضع تعقيدا على عدد من الأصعدة من بينها تأثر الريال الإيراني الذي خسر 22% من قيمته أمام الدولار الأمريكي، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله مجددا إن عادت العقوبات على إيران.

ربما يعجبك أيضا