عزل بوتفليقة.. هدية محفوفة بالمخاطر يترقبها الجزائريون

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بالرغم من تراجع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عن ترشحه لولاية جديدة استجابة للضغوط، لا زالت الاحتجاجات مستمرة، فالإطاحة بـ”بوتفليقة لم يعد كافيًا لإرضاء المتظاهرين في ظل وجود من يسيطر على منظومة الحكم، ويسعى لإيجاد مُرشح بديل يستخدمونه كدمية لتحقيق مصالحهم.. مخاوف دعمها الجيش بدعوته لعزل “بوتفليقة” وانحاز لها حلفاء الأمس.

ماذا بعد تراجع بوتفليقة؟

قبل نحو شهر تقريبًا، كان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يستعد للحصول على ولاية خامسة في الحكم على الرغم من تدهور وضعه الصحي منذ أعوام وصلت لحد عدم قدرته على الكلام.

ولكن مع تصاعد الاحتجاجات في الشارع الجزائري بشكل غير مسبوق، أُرجئت الانتخابات وأصبح رحيل بوتفليقة مسألة وقت.

وبحسب صحيفة “صنداي تايمز”، فإن الاحتجاجات التي بدأت ضد ترشح بوتفليقة، أصبحت أكثر طموحًا، لدرجة أن مجرد الإطاحة به لم يعد كافيًا لإرضاء المتظاهرين.

ولفتت الصحيفة إلى أن المعارضين يخشون من أن المسيطرين على منظومة الحكم، ومن بينهم ضباط بارزون في الجيش، يريدون إعداد المسرح لمرشح لهم، ليكون بمثابة “دمية” أخرى.

وأكدت الصحيفة أن مجموعة من الجنرالات والمليارديرات الذين حكموا الجزائر لسنوات، يستغلون عوائد النفط لكسب حالة من المجتمع السلمي من خلال دعم الغاز والكهرباء.

واختتمت الصحيفة تقريرها، بالإشارة إلى أن الجيش لم يستخدم حتى الآن القوة، كما تجنب المتظاهرون العنف، موضحة أن “ذكريات دماء أريقت خلال التسعينيات ربما ساعدت على دفعهم للحفاظ على السلمية”.

ووفقًا لمراكز بحثية، فهناك ثلاث سيناريوهات حول مستقبل بوتفليقة، الأول هو الاستقالة، والثاني هو تطبيق مادة الشغور بسبب وضعه الصحي، والثالث ترك منصبه بمجرد نهاية ولايته الرابعة في 28 أبريل المقبل، لكن الجيش رجح كفة مادة الشغور ليثير الجدل مُجددًا حول تداعياته كاشفًا النقاب عن تخلي رجال بوتفليقة عنه.

تفعيل مادة الشغور

دعا الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش الجزائري لتطبيق المادة 102 من الدستور لإعفاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من منصبه لعدم أهليته للمنصب، كما أضاف إليها المادتين 7 و8، وذلك بعد احتجاجات بدأت قبل أسابيع للمطالبة بإنهاء حكم بوتفليقة المستمر منذ 20 عامًا.

وقال صالح -في بيان أصدرته وزارة الدفاع- “غالبية الشعب الجزائري رحب من خلال المسيرات السلمية، باقتراح الجيش الوطني الشعبي، إلا أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مُخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب”.

وبذلك يبقى أمام الرئيس، الذي تنتهي ولايته الفعلية في 28 أبريل المقبل، خياران بحسب هذه المادة: إما الاستقالة أو الدخول في إجراءات طويلة، وربما مهينة، لعزله من الحكم بسبب “استحالة ممارسة مهامه”.

ومع التفعيل المحتمل للمادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنص على شغور منصب رئيس البلاد، سيجد رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، نفسه أمام مسؤولية تتمثل بتوليه الرئاسة بالنيابة لمدة 90 يومًا، علمًا بأنه كان من أقرب الشخصيات نفوذًا من بوتفليقة ولطالما دافع عنه وانتقد مُعارضيه، ولكن مع الحراك الشعبي تبدلت المواقف ليقفز الحلفاء واحدًا تلو الأخر من سفينة بوتفليقة.

أين مؤيدو بوتفليقة؟

مع قرب نهاية حكم استمر لـ20 عامًا، سارع مؤيدو بوتفليقة إلى التخلي عنه، حتى قبل أن يغادر السلطة، في مشهد درامي يؤكد أن الأغلبية الساحقة ممن كانوا يدعمون بوتفليقة كانوا يدافعون عن مصالحهم فقط، وبعد أن تأكد لهم أن بوتفليقة انتهى سياسيًا، وأن رحيله عن السلطة بات وشيكًا أخذوا يقفزون من سفينته.

ويواجه بوتفليقة موجة احتجاجات غير مسبوقة منذ 22 فبراير، للمطالبة برحيله من الحكم الذي يمسك بزمامه منذ 20 عامًا، ولكنه بدأ يفقد أوفى المقربين منه، الواحد تلو الآخر، فبعد رئيس أركان الجيش الذي فتح الباب لعزله، أوصى الحزب الحاكم “الجبهة التحرير الوطني”، وحليفه الرئيسي “التجمع الوطني الديمقراطي”، باستقالته.

بينما قال الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أكبر اتحاد عمال في البلاد، إنه يؤيد إعلان الجيش ويحث الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي.

ومن أغرب المواقف، إعلان خالد بونجمة -الأمين العام لتنسيقية أبناء الشهداء، الذي كان عضوًا في حملة الرئيس بوتفليقة- دعمه للحراك الشعبي، واستقالة علي حداد المعروف بقربه من بوتفليقة من رئاسة منتدى رجال الأعمال.

وتمثل الاستقالة ضربة أخرى لدائرة بوتفليقة المقربة الآخذة في الانكماش، فضلًا عن تراجع رجال الأعمال عن دعمهم المادي وصلت لحد مطالبتهم باسترداد الأموال المدفوعة لتأييد حملة بوتفليقة الانتخابية، بعد تعرضه لضغوط هائلة للاستقالة بعد أن دعا الجيش إلى تطبيق المادة 102 من الدستور وتخلى عنه حلفاؤه.

محاولة للالتفاف

تخلي حلفاء بوتفليقة عنه ودعوة الجيش لعزله، اعتبرتها أصوات في الحراك الجزائري محاولة للالتفاف على مطالب الشعب بإسقاط النظام.

وحذرت أصوات من الحراك الشعبي من مساعي الاستغناء عن بوتفليقة والاحتفاظ بسائر المنظومة، وأشاروا إلى أن تفعيل المادة 102 بدون حكومة وبدون مجلس رئاسي ينظم الإجراءات التي تلحق عزل بوتفليقة، إجراء من شأنه أن يضمن استمرار حكم النظام، بحسب المُحللين.

ولا يزال الترقب هو عنوان المرحلة المُقبلة بعد رفض الشارع ورقة الحل التي قدمها بوتفليقة، لكن الأخير ما زال يلتزم الصمت في وقت رجحت فيه مصادر مُقربة من الرئاسة أنه سيغادر منصبه مع نهاية ولايته، لكن دعوة الجيش لعزله ودعم بعض الأحزاب السياسية لها تُثير مخاوف المُعارضين لأنه لن يغير في النظام شيئَا سوى تقديم مُرشح آخر يسير على نفس النهج.

ربما يعجبك أيضا