فرنسا.. معضلة زوجات الدواعش صداع في رأس الإليزيه

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد
 
وسط الفوضى التي شهدتها سوريا والعراق، وتنامي تنظيم داعش، ظهرت قضية المقاتلين الأجانب، واحدة من أبرز القضايا، لدى السلطات الفرنسية، وربما أخذت اهتماما واسعا، أكثر من بقية عواصم أوروبا.
 
بدأت ظاهرة التحاق الفتيات الأوروبيات بتنظيم داعش مع اختفاء مراهقتين (سامارا وسابينا )، تبلغان من العمر 16 و14 عاما خلال عام 2014. وبينما كانت عائلتيهما والشرطة تقومان ببحث مكثف عنهما، ظهرت لهما فجأة صور على مواقع التواصل الاجتماعي وهما ترتديان النقاب أحيانا والحجاب أحيانا أخرى، وفي بعض الصور، تظهران بالسلاح ويحيط بهما مقاتلون مقنعون من تنظيم “داعش”.
 
التحقيقات كشفت بأن 10% من النساء والفتيات اللاتي يقمن روابط مع الجماعات المتطرفة، هن من أوروبا والعدد الأكبر من المجندات هن من حملة الجنسية الفرنسية، إذ يبلغ عدد النساء الفرنسيات نحو 25 % من مجموع النساء الغربيات اللاتي انضممن إلى الجماعات المتطرفة أبرزها تنظيم داعش.

تقارير وكالة الفرنسية للأنباء ذكرت خلال شهر أكتوبر 2014 أن هناك حوالي 100 فتاة من فرنسا توجهن للانضمام إلى صفوف تنظيم  داعش، وأن من بين تلك الفتيات، فتاة قاصرة كانت بالأصل يهودية.وقال موقع “Le monde Juive” الفرنسي: إن هذه الفتاة القاصر كانت يهودية قبل أن تتحول إلى الإسلام للانضمام إلى داعش.
 
ملف زوجات الدواعش في سوريا
 
وكشفت تقارير منظمة “هيومن رايتس” يوم 20 يناير 2018، بأنّ الأكراد لا يريدون محاكمة زوجات الدواعش الأجانب على أراضيهم، خاصة الفرنسيات اللواتي يعدونهنّ عبئاً عليهم، وأكّد مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب، في منظمة “نديم حوري”، بعد زيارته مخيم “روج” الذي تسيطر عليه الفصائل الكردية في سوريا، يعيش فيه 400 من زوجات وأطفال المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم داعش، وبحسب حوري، فهناك (8 ) نساء فرنسيات، على الأقل، ونحو (20) طفلاً فرنسيا، في المخيم .
 
وفي هذا الإطار طالب المدعي العام الفرنسي النيابة المختصة في مكافحة الإرهاب، يوم 23 يناير 2018، إلى توفير رعاية خاصة لأطفال الدواعش، حتى لا يتحوّل بعضهم إلى “قنابل موقوتة.” فما زال مصير زوجات الدواعش من حملة الجنسية الفرنسية في العراق وسوريا، يثير جدلاً واسعاً في فرنسا، وتأمل الحكومة الفرنسية أن تتم محاكمتهنّ هناك.
 
عرضت “وحدات حماية الشعب” الكردية شريط فيديو يوم 10 يناير 2018 ظهرت فيه الفرنسية “إميلي كونيغ” 33 سنة التي اعتقلها المقاتلون الأكراد في سورية، بعدما أدت دوراً رئيسياً في الدعاية والتجنيد عبر الإنترنت لحساب تنظيم داعش. “إميلي كونيغ” سافرت إلى سورية عام 2012، وأدرجت الأمم المتحدة اسمها على قائمتها السوداء للمقاتلين الأكثر خطورة في سبتمبر 2014، وبعد عام من ذلك أدرجتها الولايات المتحدة على قائمتها السوداء للمقاتلين الأجانب الإرهابيين.
 
إحصائيات التطرف في فرنسا
 
إحصائيات عام 2017 كشفت عن وجود 5325 متطرفًا يقيمون في باريس، من بينهم 4030 متطرفًا يتم مراقبتهم بشكل مستديم، كما يضم هذا الإحصاء عددًا من المتطرفين مصنف حالتهم بـ”مستقر”، وهم الأشخاص الذين تم الإبلاغ عنهم من قِبَلِ ذويهم من خلال التليفون إلى المركز الوطني للرعاية والوقاية من التطرف CNAPR.

ووفقًا لأحدث تقييم من قِبَلِ السلطات الفرنسية فى عام 2017، تُقدر نسبة الأطفال الفرنسيين المنضمين إلى صفوف تنظيم داعش في العراق وسوريا حاليًا حوالي 450 طفلًا، وتخشى أجهزة مكافحة الإرهاب أن يصبح هؤلاء الأطفال بمثابة “قنابل موقوتة”.
 
وضمن مساعي الحكومة الفرنسية للحد من مخاطر المقاتلين الأجانب، صادقت على معاهدة المجلس الأوروبي الأول خلال شهر أغسطس 2017، لتكون العاصمة الأوروبية الثامنة التي تصادق على المعاهدة من بعد ألبانيا والبوسنة والدنمارك وإيطاليا وليتوانيا وموناكو ومولدافيا.
 
فرغم التقارير الصادرة من الحكومة ومن المدعي العام الفرنسي، حول الإجراءات التي يمكن أن تتبعها الحكومة الفرنسية، ضد العائدين من المقاتلين الأجانب وزوجات وأطفال الدواعش، لم تتضح الصورة بعد عن كيفية تعاطي الحكومة الفرنسية مع هذا الملف، الحكومة الفرنسية من جانبها لم تحسم قرارها بعد، والأكثر من ذلك، هي لم تصدر إحصائيات حول زوجات الدواعش وأسرهم في العراق وسوريا.
 
وكشفت التقارير عن جنسيات أوروبية، لكن مصير زوجات الدواعش الفرنسيات ما زال غامضا، ويبقى  تقرير “هيومن رايتس” ووحدات الشعب الكردي في سوريا هو المصدر الوحيد الممكن الاعتماد عليه.
 
السؤال، هو أين كانت الحكومة الفرنسية من تدفق المقاتلين الأجانب وزوجاتهم إلى سوريا والعراق؟
 
الحكومة الفرنسية، حالها حال بقية الدول الأوروبية، تتحمل سوء سياساتها وتراخيها بالتعاطي مع الجماعات المتطرفة داخل فرنسا أبرزها جماعة (فرسان العزة، والشريعة )، التي كانت تنشط من داخل ميادين باريس وتقدم الدعاية والدعم اللوجستي إلى تنظيم داعش.
 
لماذا الآن تحركت فرنسا وعواصم أوروبية، لمواجهة عودة الدواعش وزوجاتهم، وبدأت تدرك مخاطر عودتهم، حتى الأطفال، تعتبرهم فرنسا، خطر على امن فرنسا في المستقبل، الحكومة الفرنسية تعلل ذلك، أن الطفل عندما يكبر يمجد تاريخ أبيه، وربما يتحول إلى التطرف، رغم ما يحصل عليه من برامج وقاية التطرف.
 
فرنسا أعلنت، بأنها تفضل قتل الدواعش من الجنسية الفرنسية في العراق وسوريا (خارج القانون )، وأن تخضع زوجات الدواعش والنساء الفرنسيات هناك إلى المحاكم، بدلا من استقبالهن، هذه السياسة من شأنها تثير جدلا واسعا في فرنسا، ويمكن أن يتصدر ملف زوجات وأطفال الدواعش من الجنسية الفرنسية، أجندات الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة.
 
لقد ذهبت فرنسا ربما أبعد من غالبية الدول الأوروبية، بمنح أجهزتها الاستخبارية صلاحيات واسعة جديدة خلال عام 2017، محاولة منها، لمواجهة خطر الجماعات المتطرفة على أراضيها، لكن الأهم في حزم القوانين، هو كيفية معالجة التطرف وبرامج الوقاية من التطرف، أكثر من إجراءات مكافحة الإرهاب الصلبة.
 
باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات

 

ربما يعجبك أيضا